وفاة الفقيه المغربي د. لحسن وجاج بعد مسيرة علمية ودعوية حافلة

وفاة الفقيه المغربي د. لحسن وجاج بعد مسيرة علمية ودعوية حافلة
هوية بريس – متابعات
إنا لله وإنا إليه راجعون؛ بقلوب يعتصرها الحزن والأسى، وبإيمان بقضاء الله وقدره، ننعى إلى الأمة الإسلامية عامة، والشعب المغربي خاصة، وفاة الشيخ الدكتور لحسن بن أحمد وكاك (وجاج)، الذي أسلم الروح إلى بارئها بعد صراع مع المرض، مخلفا وراءه إرثا علميا وتربويا ودعويا رفيعا، وسيرة عطرة امتدت لأكثر من سبعين عاما في خدمة العلم والدين والدعوة والتربية.
الشيخ الراحل، ولد سنة 1349هـ/1930م في زاوية سيدي وكاك بإقليم تزنيت، سلك طريق العلم منذ نعومة أظافره، فحفظ القرآن الكريم على عدة شيوخ بسوس وحاحة وإمنتانوت، قبل أن يتتلمذ على يد خاله الشيخ أحمد الزيتوني خريج جامع الزيتونة، ليتشبع بعلوم العربية والفقه المالكي.
وقد توقدت في قلبه شرارة الشغف بالعلم حين سمع بيتا نحويا شرح معناه خاله، فكان ذلك الحدث نقطة التحول في حياته، لينقطع بعدها لطلب العلم بلا كلل.
في سنة 1952، التحق الشيخ بجامعة ابن يوسف بمراكش، فتتلمذ على جهابذة العلم المغاربة، كالعلامة الكيكي ورأفت وبجيج والقاضي السملالي والدكالي وغيرهم، وحصل على شهادة السادسة في فجر الاستقلال، وبدأ بالتدريس في التعليم الابتدائي، ثم انتقل إلى التعليم الثانوي، وبعدها إلى مؤسسات التعليم العالي.
وبتفوقه، حصل الشيخ على الشهادة العالمية سنة 1959، ثم دبلوم الدراسات العليا سنة 1977، فدكتوراه الدولة في العلوم الإسلامية سنة 1986.
عُرف الشيخ وجاج بتواضعه الجم وزهده واستقامته، كما عُرف برسوخ قدمه في علوم الشريعة، خاصة في علمي القرآن والحديث، حيث التحق بدار الحديث الحسنية وتخرج منها بشهادات في علوم التفسير والحديث.
كما درّس في كلية اللغة العربية بمراكش، ودرّس أيضًا في جامعة أم القرى بالطائف، ثم في المعهد الإسلامي بموريتانيا، وظل رغم تقاعده منكبا على التأليف والدعوة.
من مؤلفاته العلمية البارزة:
– تقييد وقف القرآن الكريم للهبطي (دراسة وتحقيق)
– منبهة الإمام الداني (دراسة وتحقيق وتعليق)
لكنّ الراحل لم يكن فقط أستاذا جامعيا، بل كان داعية إلى التوحيد والسنة، صلبا في تمسكه بمنهج السلف، زاهدا في الزخرف، قريبا من الناس، كثير الموعظة، يُلقي دروسه باللغات الثلاث: العربية، والدارجة، والسوسية.
وقد كانت أشرطته المنتشرة في ربوع المغرب، سببا في تأثر آلاف الشباب والنساء برسالته الإصلاحية، القائمة على الرجوع للكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.
عرفه المغاربة داعية للإصلاح، ومحاربا للخرافة، ومربيا صبورًا، وعالما ربانيا. لم يكن من أنصار المنابر الفارهة، بل كانت منابره تلك المساجد المتواضعة التي ما فتئ يصدح فيها بذكر الله، والدعوة للعلم والتزكية والاستقامة. لم يغرِه المنصب ولا المال ولا الوجاهة. بل ظل عبدا لله، مخلصا في دعوته، زاهدًا في دنياه، قويا في مواقفه، حليما في خلقه.
لقد خرّج الشيخ أجيالًا من العلماء والدعاة الذين يملؤون ربوع المغرب وخارجه، وقد ترك أثرا بالغا في الساحة الدعوية، لا سيما في نشر علم الحديث ومصطلحه، وتربية الشباب على العقيدة الصحيحة.
وكان يُشدد دائما على أن الانتساب للسنة لا يكفي، بل لا بد من العلم والعمل والإخلاص، وهي كلمة ختم بها ترجمته رحمه الله بقوله: “أسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء الموفقين المخلصين، آمين، والحمد لله رب العالمين”.
إنّ رحيل الشيخ لحسن وجاج يعد خسارة عظيمة، ليس فقط للعلم والدعوة، بل لقيم الأصالة والربانية التي مثّلها الفقيه طيلة حياته، في زمن عزّ فيه الصدق وندر فيه الثبات. ولا نملك إلا أن نقول: رحم الله الشيخ الجليل رحمة واسعة، وجعل ما قدّم في ميزان حسناته، ورفع درجته في عليين، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وعوّض الأمة فيه خيرًا.
وبهذه المناسبة الأليمة تتقدم هيئة “هوية بريس” بالتعازي لأسرة الفقيد الصغيرة والكبيرة.. إنا لله وإنا إليه راجعون.



