ولد الغوث ينتقد رطانة ولد الغزواني بالفرنسية أمام ترامب: تبعية ذهنية وولع بالمستعمِر

هوية بريس – علي حنين
في نقد لاذع، تجاوز الظاهر إلى الجوهر، وجّه الدكتور المختار ولد الغوث، الأكاديمي والباحث الموريتاني المقيم في السعودية، انتقادات حادة إلى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، على خلفية استخدامه اللغة الفرنسية في خطابه أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطلع الشهر الجاري، واصفًا الموقف بأنه وصمة لغوية وسياسية في جبين الأمة العربية جمعاء.
■ رئيس يتحدث بلغة لا يجيدها.. أمام مخاطب لا يفهمها!
أعاد الدكتور ولد الغوث في مقاله، الذي عرف تداولا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، نشر مشهد بدا بالنسبة له “سرياليًّا” بامتياز: رئيس موريتانيا يتلعثم في نطق الفرنسية، أمام رئيس أمريكي لا يفهمها، في خطاب رسمي دولي، يتطلب أقصى درجات الرمزية والوضوح.
وقد نقل عن مقال رفيع أُرسل إليه قوله:
لم يكن مجرد خطأ بروتوكولي، بل لحظة مكثفة لفقدان المعنى، والهوية، والكرامة في آن! .. القادة الذين لا ينطقون بلغات شعوبهم لا يمثلونها، بل يمثلون عليها “.
ولم يكتفِ الدكتور بالتعليق على هذه الواقعة في بعدها اللحظي، بل وضعها في سياق عام من التردي اللغوي والدستوري والسياسي، متهمًا النخب الحاكمة في موريتانيا – رؤساء، وزراء، ونوابًا – بأنها تستهين بالدستور، وتغيب عن معنى السيادة والهوية.
■ غياب الفصحى، وتصدر “العامية الهجينة” و”الفرنسية الممسوخة”
يرى الدكتور ولد الغوث أن اللغة المتداولة في الخطابات الرسمية، داخل قبة البرلمان أو في اللقاءات الجماهيرية، تتراوح بين العامية الهجينة والفرنسية الركيكة، في تغييب متعمّد أو متوارث للغة العربية، التي ينص الدستور على رسميتها.
واستعرض واقعة برلمانية قال إنها كاشفة، حين اعترض نائب على حديث أحد الوزراء بالفرنسية، واعتبره مخالفة صريحة للدستور، إلا أن نائبة أخرى قاطعته وأيدت الوزير في استخدام اللغة التي يشاء، في مشهد قال عنه:
“علمت أن هيئات الدولة التشريعية والتنفيذية إما لا تفهم مقتضى بعض التشريع، وإما ترى أنْ لا بأس بترك العمل به. وعلى أي الوجهين حُمِل عملها كان مؤسفا”.
■ الدستور حاضر… لكنه مُعطل!
استند ولد الغوث إلى فصول دستورية واضحة، على رأسها المادة السادسة، التي تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، والمادة 24 التي تلزم الرئيس بحماية الدستور، والمادة 29 التي تفرض عليه احترامه.
لكنه تساءل:” لعل الرئيس ومستشاريه لا يعرفون معنى أن تكون اللغة رسمية؟!”
وأوضح أن الرسمية تعني:
حصر التعاملات الرسمية، والتعليم، والإعلام، والإدارة، والفضاء العام باللغة المعتمدة رسميًا.
وشدد على أن أي استعمال للفرنسية أو العامية في ذلك السياق هو مخالفة دستورية صريحة.
■ الفرنسية.. تبعية ذهنية وولع بالمستعمِر
في جزء لافت من مقاله، تناول الدكتور المختار البُعد النفسي والثقافي لاستخدام الفرنسية، واصفًا الأمر بأنه نوع من التبعية الذهنية والولع بالمستعمِر السابق، قائلاً بأن:
العدول عن اللغة الأم إلى لغة أجنبية لا يعني تفضيلها، بل يدل على تعظيمٍ لمن يتكلم بها، “وتعظيمه مسألة نفسية ثقافية خارجة عن ماهية اللغة، ولا تعني أن اللغة المعدول إليها خير من المعدول عنها”.
واعتبر أن كثيرًا ممن يتحدثون الفرنسية في موريتانيا لا يتقنونها في الحقيقة، ويشبه حالهم بحال العمال الأجانب في الخليج الذين اخترعوا لهجة “فيه معلوم”، وهي خليط هش من العربية ولغاتهم الأصلية.
■ فرنسا تعظّم لغتها.. وموريتانيا تتنكر لعروبتها
بمقارنة كاشفة، عرض الدكتور كيف تدافع فرنسا بشراسة عن لغتها، مذكرًا بقانون 1794 الذي أعلن أن “الفرنسية هي الأمة الفرنسية“، وبوقائع شهيرة، منها:
-
انسحاب جاك شيراك من مؤتمر أوروبي بعد سماع كلمة بالإنجليزية.
-
احتجاج طلاب السوربون على وزير استخدم كلمة أجنبية عفوا.
-
اعتذار وزيرة فرنسية في التلفزة على خطأ لغوي بسيط.
-
وجود “شرطة لغوية” في مونتريال تزيل الكلمات الإنجليزية من لافتات الشوارع.
مقابل ذلك، قال إن نواكشوط اليوم تبدو وكأنها عاصمة شعبين: عربي وفرنسي!، حيث تتجاور اللغة العربية مع الفرنسية في كل ورقة رسمية، وإعلان، ولافتة.
■ الفرنسية في انحدار.. والإنجليزية في صعود
لا يرى ولد الغوث في الفرنسية لغة للمستقبل، بل يعتبرها “لغة متخلفة علميًا”، مؤكدًا أن:
-
الإنجليزية أصبحت لغة البحث والتعليم العالي في فرنسا نفسها.
-
أكثر من 90٪ من أبحاث الطب والفيزياء والرياضيات تصدر بها.
-
لا تتجاوز نسبة ما يُنشر بالفرنسية 4٪ من الأبحاث العلمية.
-
الفرنسية اليوم تحتل المرتبة العاشرة عالميًا في نشر الكتب، وتتراجع تدريجيًا.
■ دعوة للعودة إلى الذات
في ختام مقاله، دعا الدكتور المختار ولد الغوث النخب السياسية والثقافية في موريتانيا إلى الاقتداء بالفرنسيين لا في عشق الفرنسية، بل في تعظيم لغتهم وهويتهم، مشددًا على أن الأمة التي تهين لغتها تفرط في ذاتها، وأن احترام الدستور يبدأ من احترام لغته الرسمية.



