يوم كتبت محاضرة المقرئ ابو زيد عن الحركة الإسلامية بتركيا في ثلاثين صفحة
هوية بريس – بلال التليدي
حصلت على الباكلوريا سنة 1990، وشرعت في قراءة لون آخر من الكتابات استعدادا لاجواء الجامعة..
قصتي مع محمد عابد الجابري ومشروع نقد العقل العربي ونحن التراث ومن أجل رؤية تقدمية سأؤجل الحديث عنها، ومثلها قصتي مع كتابات طيب تزيني وحسين مروة وسمير امين وحورج طرابشي والمهدي عامل.
في تلك الصائفة بدأت أقرأ عن تاريخ المغرب السياسي، واستقر ئ مسار الاحزاب السياسية، وقصة ميلاد الحركة الإسلامية..
في الظاهر كان انتمائي لجمعية الجماعة الإسلامية سنة 1986 أو بعدها بسنة أو أقل من ذلك…لكن عمليا، لم تعرض علي العضوية الا بعد سنتين…أي في السنة السادسة ثانوي(سنة قبل الباكلوريا) فقد كان منهج الإخوان ان تخضع لمحاضن التربية، وتنتقل من التعاطف إلى العضوية، بعد أن يتم التأكد اولا من استقامتك، ثم من نضجك الفكري. وقدرتك على تحمل أعباء العمل..
التمست كتاب محمد ضريف عن الاحزاب السياسية، وبدأت بشكل مبكر أقرأ عن تاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والصراع الذي كان بين فصائل للهيمنة على مقررات مؤتمراته لاسيما بعد رفع الحظر القانوني….قرأت تاريخ الاحزاب السياسية اليسارية الرسمية، لكن فضولي لم يشبع لاني لم اجد مراجع وادبيات تعينني على الاطلاع على تاريخ منظمة إلى الأمام و23 مارس ولنخدم الشعب، مع اني كنت اتابع بشكل دقيق ما ينشر بجريدة انوال وفتها حول ملف النقد الذاتي لليسار بالمغرب…
في تلك الصائفة، انتقيت من بين نخبة من التلاميذ الحاصلين على الباكلوريا للمشاركة في مخيم جهوي طلابي نظمته الحركة، يضم طلبتها في جامعة ابن طفيل وجامعة محمد الخامس بكل فروعها بما في ذلك طلبة المعاهد ثم جامعة الحسن الثاني بفروعها بما في ذلك معاهد الهندسة.. واشك شكا ان كان قد حضر في هذا اللقاء بعض طلبة جامعة ابي شعيب الدكالي..
كان المخيم. الذي نظم بالولجة واستغرق اسبوعين بالتمام، اشبه ما يكون بمعسكر فكري تكويني، بل اشبه ما يكون بحلقة للمناظرة الفكرية والنقابية والسياسية..فأن يكون ضمن مؤطري المخيم توفيق ميكو باطروحاته المثيرة ومشاغباته المحبوكة، فمعنى ذلك انك ستكون طوال هذه المدة شبيها بمشاهد مباراة كرة المضرب. تتابع حجج كل طرف، وتميل مرة هنا ومرة هناك…
اتذكر ان اخي مصطفى الخلفي حضر معنا المخيم. رغم انه لم يكن قد اجتاز الباكلوريا بعد، لكن ديناميته النشطة وقراءاته الواسعة لفكر اليسار، دفع الإخوان لبعض المرونة في دعوة من هم دون الباكلوريا… وكان رأيهم سديدا، فقد كانت مشاركاته تفوق بكثير سنه…وكان قريبا من حجج ميكو، وكنت المتشبع بفكر مالك بن نبي على نقيض ما يطرح..
كانت فكرة ميكو وقتها، أن التغيير يبدأ بجمع ما يسميه مكونات الدفاع السياسي والمدني، واستثمار كل آليات الضغط المتاحة، لاجبار النظام على التغيير على ان يكون العمل السياسي مجرد واجهة لهذه المكونات…وكنت وقتها، اسبح في فكرة اخرى، ترى ان التغيير لا يأتي ابتداء من هذه المكونات على فرض إمكان جمعها، وإنما يأتي ابتداء من عملية تربوية تثقيفية شاملة تبني الإنسان القادر على تحمل كلفة التغيير..
اتذكر جيدا ان الأخ عبد الصمد السكال كان من قيادات الطلبة، وكانت مشاركاته في هذا المخيم وازنة وكان يتمتع بحس عال من النقد، لكن اطروحته وقتها لم تكن واضحة وضوح اطروحة ميكو، على الاقل بالنسب الي.
انفس ما كان في هذا المخيم طلبة كلية الطب، واذكر منهم الثلاثي المنسجم، الانيق عبد الرحيم الشعيبي، والخلوق المؤدب بناني، وجميل الصوت وحسن السمت التطواني خالد الحوات…أما رابعهم، وهو لا يحب أن يذكر اسمه، فقد كان يتصدر التأطير بنفس حجاجي قوي لاسيما في عرض تاريخ الاحزاب السياسية والفروقات بين اطاريحها. وحضر في هذا المخيم من الدار البيصاء الرجل المناضل الشهم عبد الصمد حيكر و الأخ الطيب المشاكس حسن الجعفري. وصاحب النكتة التي تسقط أرضا من الضحك الأخ الفاضل الرياحي. وربما حضر معنا الأخ الطيب الهادئ المتئد عادل رفاق..
كان يوم استقبال المقرئ الإدريسي ابو زيد مشهودا بكل المقاييس. حتى بمعيار الصبر والثبات…فقد كان الأصل ان تبدأ محاضرته مع العاشر ة صباحا، لكن سيارته المهترئة من نوع سيتروين فعلتها به، فلم يحضر الا على الساعة الحادية عشر ليلا..
كان الموعد معه على إلقاء محاضرة في ثلاث ساعات عن الحركة الإسلامية في تركيا. وقبل البدء تساءل المقرئ هل بالقدرة ان نتابعه دون أن يهجم علينا النوم أم يؤجل العرض للصبح…كان الصوت واحدا ليس فيه اي شذوذ، فالقرار بدء المحاضرة ومتابعتها دون تحديد سقف لنهاية العرض…
استمرت المحاضرة للفجر وصمد الجميع حتى ولو اضطروا للاتكاء . وتم تأجيل جزئها الثاني للصباح، فكان البدء على الساعة الحادية عشر. ولم ينته المقرئ من عرض الجزء الثاني من المحاضرة إلا مع صلاة المغرب….قام خمسة اخوة أو أكثر وساعدوا المقرئ بدفع سيارته حتى يشتغل المحرك، ثم غادر. ويبدو ان بطارية السيارة كانت في حاجة لتغيير لم يجد لها ابو زيد وقتا…
كتبت محاضرة المقرئ كلها بينما ظل الجميع يستمعون او يسجلون بعض الملاحظات الوجيهة…وعند انتهاء المحاضرة تفرغت لتحريرها في ثلاثين صفحة، واصبحت وثيقة معتمدة في التكوين داخل طلبة الحركة..
عادة المقرئ في كل محاضرة ان ينصح بكتاب أو كتابين، وفي تلك المحاضرة. نصح بقراءة كتب الطحان، وكتابي منير الغضبان المنهج الحركي في السيرة النبوية والتحالف السياسي…
رجعت إلى البيت وانا احمل هما كبيرا، فرغم كل الجهد الذي راكمته في قراءة الكتب، فقد ابان لي المخيم ان الجهد ينبغي أن يتضاعف، لاسيما بعد ما أخبرنا الاخوة بقوة الصراع مع اليسار في الجامعة، وهيمنة القاعدين على جامعة ابن طفيل، واضطرار الاخوة إلى العمل غير العلني خوفا على حياتهم…
اتذكر ان الأخ عبد الهادي صابر والاخ عبد المجيد جالي، وكانا وقتها يدرسان في شعبة الدراسات الاسلامية. لما رأيا من توثبي وجرأتي، نصحاني بتجنب الحديث أمام اليسار والاكتفاء بحصور الحلقات دون تدخل خوفا على حياتي، كما طلبا مني عدم الصلاة في مكان ظاهر داخل الكلية لان اليسار كانوا يترصدون المصلين ويعنفونهم..
لم اسمع نصيحتهما… وكانت سنة 1991 منعطفا حلسما في تاريخ العمل الطلابي في القنيطرة، أزعم اني شاركت فيه بقوة، وصنعت جزءا من ملاحمه، بصبري ونضالي وإصرار ي على القراءة والاطلاع الواسع لمقارعة اليسار فكريا..