الأجوبة الشافية عن الأسئلة المصيرية: من أين؟ لماذا؟ وإلى أين؟ (ح2)
ذ. عبد اللطيف الخيالي
هوية بريس – الأربعاء 12 غشت 2015
إن الإجابة عن الأسئلة “من أين؟ لماذا؟ إلى أين؟” كانت ولازالت من اهتمامات الفلاسفة والعلماء قديما وحديثا.
يقول ستيفن هوكينغ، أحد كبار العلماء المعاصرين: “حتى الآن، كان العلماء في معظمهم منهمكين في تطوير نظريات تصف “ما هو” الكون، وتطرح السؤال “لماذا؟”.
والذين من مهمتهم التساؤل: “لماذا” -أي الفلاسفة- لم يتمكنوا من مواكبة النظريات العلمية… ولكن إذا اكتشفنا حقا نظرية كاملة، فسوف تكون في حينها قابلة للفهم من حيث مبدؤها الواسع، بالنسبة إلى كل الناس، لا إلى قلة من العلماء وحسب. عندها سوف يمكننا جميعا -فلاسفة وعلماء وحتى أناسا عاديين- أن نسهم في مناقشة السؤال: “لماذا نحن والكون موجودون؟” فإذا وجدنا الجواب فسيكون ذلك هو الانتصار المطلق للعقل البشري، لأننا ساعتها نعرف فكر(*) الله”1 عز وجل.
لكن في عصرنا أصبح الخوض في هذه الأسئلة كأنه من المحظورات، خاصة في وسائل الإعلام التي يسخرها أعداء الإنسانية لخدمة أغراضهم المتمثلة في السيطرة على مصادر الثروة واستعباد البشر، لأن الإجابة عنها لا تخدم أهدافهم الدنيئة.
لقد أضحى الإنسان في ظل الحضارة المعاصرة عبارة عن آلة يجب عليها أن تنتج أكثر مما تستهلك في الدول الصناعية، أما في الدول المحكوم عليها بالتخلف اقتصاديا وتكنولوجيا، فهو يستهلك (ما يصدرونه له/لنا) أكثر مما ينتج، الشيء الذي يدر على الذين يتبادر إليهم أنهم يتحكمون في مصير الدول والشعوب أرباحا بالملايير تودع في البنوك وتستثمر لاستعباد الإنسان. لذلك نجد أن 100 شخص من أغنياء العالم حققوا سنة 2012 أرباحا مالية يمكن أن توفر الغذاء لجميع سكان الأرض حسب ما جاء في إحدى النشرات الاقتصادية لقناة عربية ذائعة الصيت.
يجب على هذا المخلوق المسكين الذي انتزعت إرادته أن يستسلم لقواعد اللعبة، فتجده يكدح ليلا ونهارا كي يلبي رغباته المادية، جاهلا أو متجاهلا باقي الجوانب الأخرى: الفكرية، الروحية، العاطفية… التي تجعل منه المخلوق الأسمى على الأرض. لقد أصبح عبدا لشهواته، خادما لها تسحق راحته وإنسانيته تحت أقدامها الحديدية دون شفقة أو رحمة.
هل نستسلم لهذه اللعبة الدنيئة فنصير من ضحاياها نحن وأقرب الناس إلينا؟
لقد وصلت الحضارة المعاصرة الحضيض من الناحية الأخلاقية، والدليل على ذلك ما نعيشه ونراه ونسمعه من استغلال للإنسان، وتلاعب بعقله وكرامته وحتى جسده وعدم احترام مشاعره… فأي انحطاط هذا؟
يحدث كل هذا باسم الحرية، وحقوق الإنسان… التي أصبحت مقاصل يلجؤون إليها كلما أرادوا إعدام الضمير والأخلاق من أجل إشباع رغباتهم المادية التي لا حدود لها، وإشباع أنانيتهم العمياء.
كثيرة هي الأسئلة التي يمكن أن تطرح، ويأتي هذا الإسهام كي يسلط شعاعا من نور عليها، لعله ينير طريق أناس ما زال في أعماق قلوبهم شيء من الإنسانية والكرامة وعزة النفس، كي ينهضوا ويضحوا لإنقاذ البشرية مما وصلت إليه.. نسأل الله أن ينير بهذا العمل طريقنا
الفصل الأول: من أين؟
– تقديم: عظمة الكون
قال الله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (غافر:36-37).
هذا ما يتبادر إلى ذهن كل ناظر متأمل في السماء ونجومها، أنها لا تبعد عنا كثيرا بالقدر الذي توصل إليه العلم الحديث، في حين تظهر لنا الأرض مترامية الأطراف، تلتقي في مكان ما مع السماء! ربما لذلك لا نستشعر العظمة، وأننا لسنا مخلوقات ضعيفة في هذا الكون، لكن الحقيقة أبعد من الخيال بكثير! لنستكشف إذن ولو جزءا ضئيلا منها.
إن الشمس رغم عظمتها -قطرها يضاعف قطر الأرض 109 مرات- ليست إلا نجما واحدا من بين آلاف الملايين من النجوم التي توجد ضمن مجرتنا، حتى إن قطرها أصغر 400 مرة من قطر بعض النجوم العملاقة!
ولتقريب الصورة أكثر عن جزء من عظمة الكون، سأعطي مثالا توضيحيا: سرعة الضوء في الفراغ تقارب 300 ألف كلم في الثانية!! وهو ينتشر وفق خطوط مستقيمة. إذا افترضنا أن شعاع الضوء يمكنه الدوران حول الأرض على مستوى خط الاستواء بالسرعة السابقة، خلال ثانية واحدة سينجز أكثر من سبع دورات! بينما المدة التي تلزمه ليقطع مجرتنا طولا 100 ألف سنة!! هذا بخصوص مجرة واحدة، فماذا إذا علمنا أن الكون يوجد به آلاف الملايين من المجرات وفق بعض التقديرات، العديد منها أكبر من مجرتنا!
أما الكون المرئي فيقدر قطره بـ36 مليار سنة ضوئية!! فكم تساوي ثروة من ملك الأرض بأكملها بالنسبة له؟ وكم يساوي جسدك الضعيف أيها المخلوق أمام عظمته؟
صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، القائل: “لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء”2.
المبحث الأول: نشأة الكون
في هذا المبحث سنتحدث عن نشأة الكون من خلال: نظرية الانفجار العظيم، والفضاء، والمركبة الفضائية الأرض، وذلك في ثلاثة مطالب:
– المطلب الأول: نظرية الانفجار العظيم
لقد لقيت نظرية الانفجار العظيم المفسرة لنشأة الكون قبولا واسعا من طرف عدد كبير من الهيئات والمؤسسات العلمية، ومن بينها وكالة الأبحاث الفضائية ناسا.
في سنة 1922 اكتشف العالم الفلكي الأمريكي “هابل” “Hubble” أن المجرات يبتعد بعضها عن بعض، وفي سنة 1948 طرح “جورج كموف” نظرية الانفجار البدئي، والتي أطلق عليها “هويل” سنة 1950 الانفجار العظيم.
يقول الفيزيائي “ستيفن هوكينغ”: “في الانفجار العظيم نفسه يفترض أن يكون حجم الكون صفرا وبالتالي ذا درجة حرارة لا متناهية. ولكن مع توسع الكون تتضاءل درجة حرارة الإشعاع. وبعد الانفجار العظيم بثانية واحدة، تكون قد هبطت إلى حوالي عشرة آلاف مليون درجة… في هذه المرحلة، لابد أن يكون الكون في معظمه محتويا على فوتونات وإلكترونات ونوترونات… مع جسيماتها المضادة إضافة إلى بعض البروتونات والنوترونات…”3.
“بعد انقضاء حوالي 100 ثانية عن الانفجار العظيم، تكون درجة الحرارة قد هبطت نحو ألف مليون درجة، وهي درجة حرارة الداخل في أكثر النجوم سخونة. مع هذه الحرارة، لا يبقى للبروتونات وللنوترونات ما يكفي من الطاقة للإفلات من جاذبية القوى النووية الشديدة، فتبدأ بالتكتل معا وتولد نوى ذرات الدوتيريوم… لتكوين نوى الهليوم… الليثيوم والبريليوم… والهيدروجين الثقيل وعناصر أخرى”4.
“بعد انقضاء ساعات قليلة على الانفجار العظيم يكون توليد الهليوم والعناصر الأخرى قد توقف. بعد ذلك، وحتى لفترة مليون سنة تلت أو نحو ذلك، يكون الكون قد استمر في توسعه، من دون حدوث ما هو ذو شأن يذكر. وأخيرا عندما تكون الحرارة(**) قد انخفضت إلى آلاف قليلة من الدرجات، ولم يعد للإلكترونات وللنوى ما يكفي من الطاقة للتغلب على الجاذبية الكهرومغناطيسية فيما بينها تأخذ بالتكتل لتكوين الذرات، ويكون الكون ككل قد استمر في التوسع والتبرد…”5 (في هذه المرحلة تتكون المجرات).
يتبع..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*)- ربما يقصد الكاتب مراد الله من الوجود، ولا نقول على الله إلا ما أخبرنا به دون زيادة.
1)- ستيفن هوكينغ، موجز تاريخ الزمن، ص: 199.
2)- سنن الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل (2320)، صححه السيوطي والألباني.
3)- ستيفن هوكينغ، موجز تاريخ الزمن، ص: 141.
4)- المرجع السابق، ص: 142.
**)- المقصود درجة الحرارة.
5)- المرجع نفسه، ص: 143.