من مطالب المغاربة سنة 1936م.. الصحافة قبل كل شيء
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الإثنين 21 أكتوبر 2013م
لفرنسا في بلادها صحافة، ولإنكلترا صحافة، ولإيطاليا صحافة، ولإسبانيا كذلك، ولكل دولة من دول العالم الحاضر صحافة وصحف، تكاد تكون بقدر ما بها من نسمات.
كما أن في كل بلاد مستعمرة، وفي كل بلاد محمية، وفي كل بلاد منتدب عليها صحافة وصحفا، تتناسب مع قوة شعوبها أو ضعفها، وتتناهض وعزتها أو مهانتها، وتتنشأ وشهامتها أو صفاقتها، أفلا يكون للمغرب صحافة كما لغيره؟
سواء اعتبرناه مستعمرا محتلا كما هو في نظر المستعمرين أو المعمرين، مثل الجزائر وبلاد السنغال، أو اعتبرناه محميا كتونس، أو منتدبا عليه كسورية، فعلا كل حال هو حقيق بالصحافة بأي ما اعتبار، ومستحق لها ومحتاج إليها، ولا بد له منها، كما لا بد من إعطائه إياها، وتمكينه بها وإرخاء العنان له فيها، يساير طبيعة الصحافة في الحياة الحاضرة، فيفغر فاه، ويصيح بملء أشداقه، معلنا عن حاجته وضرورياته في الحياة، وعن مطالبه من الحياة وللحياة، وعما يريده في الحياة ومن الحياة.
إن حياة أمة اليوم بلا صحافة -موت في الحياة، وحياة في موت، وإن أخطأت فعدت حياتها هذه حية، فهي حياة في ظلام حالك قاتم، وسجن أضيق من حبالة الصائد أو أفحوص القطا، بل الأولى عدها- وهي صحافة منعدمة لا زال العدم لم يلفظها من بطنه ويلقيها في حجر الوجود.
فالصحافة أصبحت ضرورية الوجود لكل أمة على سطح الأرض، فكما لا يمكن لأمة أرضية أن تحيى في جو لا هواء به وفي تربة لا طعام ولا ماء بها، كذلك لا يمكنها أبدا أن تحيى في جو لا صحافة شعبية فيه، وفي وطن لا نسيم للحرية به.
الصحافة أولا، والحرية ثانيا، ولا تطالب الأمة المغربية بعد حصولها على هذين بشيء أبدا، لكن تمكينها من تحقيق الصحافة بأتم معانيها سياسة ونقدا وإصلاحا وتهذيبا وإرشادا وتعليما، ومع فسح المجال لها في تنفيذ معنى الحرية الشاملة لحرية التفكير وحرية النشر وحرية التعليم وحرية الخطابة، وحرية التجارة وحرية الفلاحة وحرية الصناعة وحرية السياحة وحرية العمل وحرية النقد، وحرية التصرف في شؤون بلاده، وحرية الإصلاح العام لكل ما يتعلق بالمغرب والإسلام والعروبة، يجعل أل إستغراقية على مذهب النحويين، أي شاملة لكل حرية حرية، وكل ما يستحق أن يسمى حرية، لكن في دائرة الآداب الشرعية، والأخلاق الإسلامية التي هي المقياس العدل والميزان الحق لمعرفة ما زاغ منها وما استقام.
بالصحافة تترقى الأمة المغربية، كما بها ترقى غيرها من الأمم، وإنه لعار كل العار، وقبيح كل القبح أن تعطي فرنسا كل الأمم التي إلى نظرها وتحت حمايتها وانتدابه صحفا بلسان الأمة المحمية بها أو المنتدبة عليها تعبر عن مقصدها، وما يختلج في ضمائرها من أمور خاصة بها أو متعلقة بها مع غيرها سواء كان تعلقا سياسيا أو اقتصاديا أو دينيا أو غير ذلك- ولا تعطي للمغرب والمغاربة ولا صحيفة واحدة.
فاس (أبو الغيث).
نشر هذا المقال في جريدة (البصائر) لسان حال علماء الجزائر سنة 1936م، وهي السنة التي عرفت بسنة المطالبة بحرية الصحافة وإصدار الصحف، والتي سقط فيها العلامة محمد القري شهيدا تحت التعذيب في معتقل كلميما، وظهرت بعدها عدة صحف منها (الأطلس) و(الوداد) وغيرهما مما سنفرد له مقالا آخر بحول الله.