الاحتشام.. صور من صفحات التاريخ الإنساني
هوية بريس – (ج. الاتحاد الإماراتية)
الخميس 19 دجنبر 2013م
فلسفة مفهوم الاحتشام عبر التاريخ لم ترتبط ببعد ديني معين، ورغم تباين الاختلافات والحيثيات الدينية من دين إلى آخر، ارتبط مفهوم الاحتشام بالأبعاد الأخلاقية والاجتماعية والسلوكية كسلوك متحضر، يحفظ للإنسان صورته وقيمته ومكانته.
من ثم دعت وأكدت جميع الكتب السماوية مفهوم الحشمة والاحتشام عند الرجل والمرأة على حد سواء، وحذرت من التعري والسفور والابتذال، فلقد عُرِف الاحتشام عند المُجتمعات الشرقية والغربية قبل الإسلام ولا يزال معروفاً لديهم حتى وقتنا هذا، لكنه يختلف بالضرورة من منطقة وثقافة لأخرى.
فالاحتشام عرف قديماً عند اليونانيين، ثم انتقل إلى المجتمعات الأخرى، فانتقل إلى الرومان، وعُرِف الاحتشام زمناً طويل، وشاع بين النساء في القرون الوسطى، واستمر إلى القرن الثالث عشر، وحيث صار النساء يُخَفِفْنَ منه، وقد كان لتخلي المرأة عنه أسوأ النتائج، مما أسهم في سقوط تلك الدولة العظيمة وتأخرها.
أما في عصر الجاهلية، فكان العرب الأوائل يعتبرون حشمة المرأة علامة على علو قدرها، ورفعتها، ولذلك كانت الحرائر تلتزم به، وتمتنع عن السفور إلا في موارد خاصة، وقد ورد ذكر الاحتشام في الشعر الجاهلي كثيراً، وأسهب الشعراء في ذكر فضائله، حيث كان العرب يعتبرون الحجاب من سُنَن المحبة، فإذا بلغت البنت عندهم سِن الزواج كانت تُعرَض للزواج، وكانت لا تكشف عن وجهها إلا عند نزول المُصيبة وكان الحجاب يُعرف بالخمار والبُرقُع والنقاب والجلباب والعباءة والأزرار والمُلحَفَة والدرع والهودج وهو محمل المرأة.
والنساء كُنَ يلبسنَ الحجاب على أنواع مختلفة منه، لتستر به جميع جسدها، ولا تكشف منه شيئاً، رغم أنها كانت تشارك الرجل في كافة مناحي الحياة.
كما ظهر الجلباب الإسلامي، حتى أنه شاع بين نساء إسبانيا النصرانيات بعد الفتح الإسلامي وقيام دولة الأندلس، وحتى منع سنة 1960، إلا أنه نال إعجاب الإسبانيين أنفسهم، وعاد مرة أخرى ليظهر في سبعينيات القرن الماضي، اعترافاً منهم بنبل هذا اللباس ودلالاته الخلقية، وجعلوا للمرأة المحجبة كما يسمونها تمثالا في القرية تمجيدا وتشريفا وتكريما لها، وعلقت صورها على الجدران، وقيل فيها الشعر وضرب بالحياء العربي المغربي المثل فيها.
في فرنسا أيضاً نجد راهبات القرن السابع عشر، قد تغير زيهن عن زي سابقاتهن ، وتخلين عن الملابس القصيرة التي تكشف عن ساقيانها، وحرصن على ارتداء الثياب المحتشمة وغطاء للرأس، وفي إسكتلندا في القرن التاسع عشر، كانت ملابس النساء تتميز بوشاح كبير من أعلى الرأس إلي أسفل القدمين، بما يغطى كامل الجسد، بل يكاد يغطى الوجه.
وفي اليابان، والصين وكوريا وجميع دول شرق آسيا، عرفت المرأة الاحتشام منذ وقت بعيد، واهتمت بالستر كنوع من الفطرة الإنسانية من الأساس، إلى أن اختلطوا بثقافات الغرب وبدأوا يقلدونهم شيئا فشيئا كما فعل العرب والمسلمون.
1825 كان منعطفاً جديداً بعد نشأة العلمانية على الأيدي اليهودية، فحاولوا نشر الفتنة بين الناس فاتضح أن الفساد يعم في أي دولة يدخلها اليهود، وتمثل هدف اليهود في إفساد المجتمعات، وضرب منظومة الأخلاقيات الاجتماعية فيها. وكشف هنري فورد في كتابه “اليهودي العالمي” عن مقصد اليهود من تدمير القيم، وقال: “إن اليهود من أجل تحقيق غاياتهم قد سيطروا على السينما لتقديم مفاهيمهم المسمومة، وشركات الملابس والأزياء والعطور وسواها من مستلزمات الموضة، فكلما غيروا أنماط الموضة زادت النساء شراء وإنفاقا، وتسربت الأموال إلى جيوب اليهود، وهم يحققون أيضا قتل الأخلاق ويشيعون التفسخ وينشرون الشهوات. فالملابس القصيرة ابتكار يهودي، فقد رفعوا أزياء النساء فوق الركبة ليزول الحياء وتنتشر الرذيلة، ويشيع الاختلاط غير البريء بين الشباب والفتيات، وتضيع طهارة الفتاة وتتهدم الأسرة وتنتشر الأمراض الجنسية، ويبتلى الأطفال وينشأ جيل ضائع موبوء مريض”.
ومما لا شك فيه أن المجتمعات العربية لم تسلم من التأثيرات السلبية لهذه الرياح المسمومة، وانخدع كثيرون وتوهموا أن المغالاة في كشف المرأة لوجهها، أو المغالاة في عريها، أو التمادي في التبرج والابتذال، هي الحضارة والتحضر، وأن الانجرار وراء مظاهر الإفساد الأخلاقي، والتخلي عن الثوابت الدينية والأخلاقية، نوعاً من الرقي والحداثة والتقدم، أو أنه خطوة على طريق “تحرير المرأة”.