بنْكِيرَان يُغْرِقُ سَفِينةَ الإِسْلاَمِيينَ بِالمَغْرِبِ!
عبد الكريم القلالي
هوية بريس – الإثنين 30 دجنبر 2013م
قد يختلف معي كثير من الغيورين الذين يحملون هم الغيرة على التجربة الإسلامية بالمغرب في إذاعة هذا القول للعالمين، كما قد يراه بعضهم مساهمة في جلد الذات ونصرة لمواقف العلمانيين الذين لا يرقبون في الإسلاميين إلا ولا ذمة؛ لكنها في الحقيقة مكاشفة صريحة اقتضاها التواصي بالحق، وترمي إلى تقويم العوج الذي ظهر للعامة بله الخاصة.
وقد كانت القضية التي أفاضت الكأس عفو بنكيران عن المفسدين، الذين طالما أكد العفو عنهم وأبدى حسن نيته تجاههم؛ وها هو اليوم يسن قوانين لحمايتهم وطمأنتهم، وهو عفو أنكره الجميع؛ لتناقضه مع مبدإ المحاسبة، وسنن الله في معاقبة المجرمين، وهو في قراراته تلك وما شابهها مثل “الباحث عن حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بكفه”.
والغيرة على التجربة الإسلامية تقتضي الإنصاف ونقد الذات بدل التستر عن الأخطاء والمجاملة فيها؛ فالغيرة الحقيقية تقتضي كشف مكامن الخلل وإبداء الحلول المقترحة، للخروج من الأزمة وتدارك السفينة قبل غرقها، ومثل بنكيران في تخبطه كركاب السفينة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة؛ فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها؛ فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم؛ فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؛ فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا” (البخاري، صحيح البخاري، حديث: (2361).
فإن أخذ الإخوة على يد خارق السفينة نجت ونجو جميعا وإن تركوه غرقوا وغرقوا جميعا. والقاعدة التي ينبغي أن يستحضرها العاملون في الميدان هي قوله تعالى: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها).
وقد كنت وما زلت حريصا على نجاح تجربة الإسلاميين بهذا البلد الحبيب بعد فشل تجارب كافة الأطياف الأخرى؛ لكن الأمنيات شيء والواقع شيء آخر. وأتحسر كل يوم لما أراه من موت بطيء لهذه التجربة يتولى كبر هذا الإثم بنكيران، بارتجاليته، وعفويته المنبوذة، التي هي أبعد ما تكون عن تصرف رجل الدولة، الذي ينبغي أن يتسم بالحكمة وحسن النظر في المآلات.
وأوراق الرجل تتساقط واحدة تلو أخرى، وسيبقى عاريا فلا هو كسب رضى الشعب، الذي ظن فيه يوما أنه رجل مناسب في مكان مناسب فخابت الظنون والآمال، ولا هو كسب رضى “الجهات” التي تقضي به مآربها وتمرر على ظهره إصلاح ما أفسدته في دهرها..
وقد يكون رأي السيد بنكيران أنه لا يعنيه هذا التهاوي والسقوط؛ بيد أن الأمر في آثاره لا يرتبط به كشخص؛ بل كرجل دولة يمثل فئة عريضة ممن يحملون المشروع الإسلامي الذين ينبغي أن يكون مثال اقتداء في الحكم.
والمحزن حقا أن أغلب من يتحدث عن تجربة الإسلاميين من الإسلاميين يتحاشون النقد، ولا يحاولون إلا نادرا توجيه نقد أو تقديم تقويم، ويسلكون منهجا تغلب عليه العاطفة التي لا وزن لها في ميزان السنن الإلهية، وبعضهم يتجاهل الأخطاء البينة التي هي كالعرجاء البين عرجها، ظنا منهم أن النقد يرادف التجريح والطعن والشتم، الأمر الذي يسمح للداء بالتكرار والامتداد ويزيده انتشارا.
وغني عن التذكير القول: إن أي تجربة لا تعلو فوق مرتبة النقد والتقويم فخيرة الأمة الذين هم الصحابة رضوان الله عليهم كشف الله أخطاءهم للعالمين وبينها للناس أجمعين وبقيت مخلدة في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهم من هم في الفضل والمنزلة، ومن الآيات التي تعاتبهم وتكشف أمورا غاية في الحرج: (قل هو من عند أنفسكم) (آل عمران:165)، وقوله تعالى: (منكم من يريد الدنيا) (آل عمران:152)، وقوله تعالى: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) (الأنفال:17)، وقوله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) (الأنفال:68).
واعترافاتي هذه كان باعثها الإخفاقات الكبيرة والخيبات الكثيرة لبنكيران، والتصريحات الغريبة التي صدرت منه ويتعين على الغيورين على التجربة الإسلامية التبرؤ منها، وإلا كانت ثقتهم فداء ووقودا لها، وما لم يتدارك الإسلاميون المعضلة فستتكدس الأخطاء وتتكرر، وتسلمهم من هزيمة إلى هزيمة، على الرغم من امتلاك الإسلاميين القيم السليمة والتجربة الأنموذج؛ لكن قائدها لا يصلح للقيادة، وينبغي أن يوضع في خانة “العزل السياسي”.