القول السديد في الرد على صاحب مقال: «الكهنوت الجديد»
ذ. طارق الحمودي
هوية بريس – الثلاثاء 07 يناير 2014م
(سلسلة مؤمنون بحدود – م2)
بسم الله الرحمن الرحيم
سألن التسوية في الإرث على العهد النبوي فنزل قوله تعالى: “وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” (سورة النساء:32).. رفعت الأقلام وجفت الصحف..!
يتميز كتاب دعاة (البقل والتزوير) بعشق التجريدات الفكرية …فتراهم يتفننون في التنظير والتعميم في الكلام.. فتكثر في كتاباتهم الدعاوى العريضة التي لو مزجت بالبحر لغيرت طعمه، وقد عهدت منهم هذا في كثير جدا من كتاباتهم المزينة بالدعوة على إسلام حداثي متسامح متنور متفتح متعقل…في سلسلة من الفسيفساء المصطلحية السخيفة التركيب والتوظيف..
وكأنهم اكتشفوا أخيرا حقيقة الإسلام الذي غفل عنه أهل العقل والنظر خلال أكثر من ألف وأربعمائة سنة قمرية.. تحس وأنت تقرأ لهم أن القوم سكارى بخمر الغرور، وترى الواحد منهم يرتشف كأس النشوة الفكرية وهو يكتب ما لا يفهمه هو بله أن يفهمه غيره.. والذي لفت نظري في كتاباتهم أن القوم يحومون حول مقصودهم ولا يوشكون أن يقعوا فيه.. خوفا.. وتدليسا إلا من خذله الله.. فيفضحه.
أريد فقط أن أعلم إخواني وأخواتي من أتباع الأنبياء أن فكر وعلم هؤلاء التزويريين أثبت من عمود ركز في نخالة شعير.. وقد خبرتهم بالدليل.. ومقتل القوم حينما يغامر أحدهم لفرط شجاعة أو تهور فيتناول جزئية علمية بالبحث.. فيكون كمن يريد نحت تماثيل بأسنانه.. فلا التماثيل نحتت.. ولا أسنانه بقيت!
سأضرب لهذا مثالا.. جلبته من موقع هسبرس المتخصص في تتبع الزلات.. واستقراء الهنات.. ونشر التفاهات إلا شيئا يسير من السمين.. يقصدون به ستر مكر السيئات.
كتب كاتب وما أكثرهم- اسمه المصطفى تاج الدين مقالا في سياق مظاهرة من يدع إلى التسوية بين الرجل والمرأة في الإرث سماه: (الكهنوت الجديد وتقاسم الميراث بين الرجل والمرأة).
كان موضوع المقال محاولة وضع إطار فكري لمسألة التسوية بين ميراث الرجل والمرأة.. فكتب كثيرا.. منظرا.. سابحا في عالم المجردات.. ثم غلبته نفسه فنزل يعاني البحث في بعض الجزئيات.. فغرق لجهله بقوانين السباحة العلمية في بحر التحقيق.
فانظر كيف يعالج هؤلاء القضايا الجزئية في الشريعة.. قال:
1- [وفي القوامة فإن الله تعالى بين أن (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)، وربط ذلك بفضل المال والإنفاق، ومتى أنفقت المرأة على زوجها لم يعد الرجل قواما بدليل الواقع، وهذا لا يعني أن لا تحترمه المرأة، وهذا أمر نناقشه في مبحث الأخلاق وليس في الفقه].
قلت: ستكتشف أن الواحد من هؤلاء حينما يشرع في تناول قضية من القضايا الشرعية.. محاولا أن ينزل عليها قواعد نظريته.. يكون في حالة شعوذة.. فالله تعالى قال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (سورة النساء:34).
وهذا أوان الشروع في بيان فضائح الرجل ومن ينسج ثياب التزوير على طريقته:
أولا: يظن المتطفلون على موائد القرآن، من بعض بني علمان أن المقصود بـ(الرجال) الأزواج.. وهو ملاحظ في كلام الكاتب.. والصحيح أن المقصود من كلمة الرجال ما هو أعم من الزوج.. كالأخ والعم والابن.. ومعنى القوّام -مفرد قوّامون- كما قال الشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: (الذي يقوم على شأن شيء ويليه ويصلحه)؛ أي أن دور الرجل سواء كان زوجا أو قريبا آخر أن يقوم بمصالح قريبته ويسعى لإصلاح أمورها بتحصيل مصالحها ودفع المفاسد والضرر عنها، ويتحمل ذلك مسؤولية وكلفة شرعية وأخلاقية.
قال العلامة الطاهر ابن عاشور: (وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي)، ويشهد لهذا ما في الصحيح عن أنس قال: لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحد بعدي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد)، وهؤلاء النساء فيهن ربما الأم والزوجات والأخوات والخالات والعمات و بناتهن.
ثانيا: زعم الكاتب أن علة القوامة النفقة، فإن زالت النفقة زالت القوامة.. وهو نوع من العمى المتعمد في الغالب، فالكاتب لم ينتبه أو حاول أن لا ينتبه لأمر.. فقوله تعالى: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) جزء من علة القوامة.. وقوله تعالى: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) جزء آخر منها.. فلا يزول الحكم حتى تزول العلة كلها.. وبما أن العلة فطرية فلا يتصور زوالها.
فالآن اقرأ الآية كاملة ليظهر لك مدى التزوير في كتابات دعاة التنوير:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (سورة النساء:34).
والطريف في هذا.. أن الآية رد على من أراد التسوية في الميراث.. والرد قرآني محكم.. فمن دعا إلى التسوية كانت الآية ردا عليه…
فقد روى الترمذي عن أم سلمة أم المؤمنين أنها قالت: أتغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث، فنزل قوله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (سورة النساء/32).. إلى أن قال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (سورة النساء:34) وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن الترمذي.
2- قال الكاتب: [وفي شهادة المرأتين مقابل شهادة الرجل، ألم يكن ذلك لعلة عدم التجربة ولزوم البيت لدى النساء؟ مما جعلهن أقل خبرة ودراية من الرجال آنئذ؟ والآن هل نطبق هذا والنساء لا تقل خبرة عن الرجال في كل المجالات، أليس من العار أن نقول لوزيرة التضامن في حكومتنا: شهادتك أقل من شهادة الرجل وندعي بعد ذلك أننا نحافظ على الثوابت].
قلت: هذه قاصمة فاضحة… أليس في الآية: (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى).. هذه هي العلة.. عدم ضبط الشهادة، وهو أمر فطري في المرأة.. ولذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم عقل المرأة بأنه ناقص.. أي ناقص في جانب ضبط الشهادات..!
أما المضحك المبكي فقوله:
3- [فتحريم الخمر لا يدور حول الإسكار كما يظن عامة الناس لأنه لو دار حول الإسكار لكان شرب القليل مما لا يسكر جائزا ولهذا نقول: إن علة التحريم هو الشرب نفسه قياسا على علة السفر في قصر الصلاة لأن السفر علة ثابتة أما المشقة فهي علة متحولة بدليل أن ليس كل سفر مصدرا لحصول المشقة].
لاحظ قوله: علة تحريم الخمر.. هو شرب الخمر..!!! وبطريقة أوضح… علة النهي عن شرب الخمر عند الكاتب التنويري.. هو شرب الخمر!!!! فأي فقه هذا..!!!!؟ وأي نور هذا الذي لا يضيء لأمثال هؤلاء موضع قدمه.. لم أجد طريقة أبدي بها تعجبي من هذه الشعوذة… فالأمر فوق طاقة استيعاب جهاز التعجب عندي!!
ومما يدلك على ضعف هؤلاء الكتاب (المفكرين) أن القول بأن علة تحريم شرب الخمر هي الإسكار ليس ظنا عند العوام، بل هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر وكل خمر حرام)، والذي لم ينتبه إليه المتحذلق أن المقصود بالإسكار الإسكار بالقوة لا بالفعل.. أي أن كل شراب من شأنه أن يسكر فهو حرام.. وليس المقصود اشتراط حصول الإسكار في الشارب.. ولله في فضح المتعالمين المتطاولين على العلماء شؤون!!!