مصر والمستقبل المجهول

14 أبريل 2014 21:39
مصر والمستقبل المجهول

مصر والمستقبل المجهول

أحمد التيجاني أحمد البدوي

هوية بريس – الإثنين 14 أبريل 2014

مصر أم الدنيا ورأس العروبة وحاضنة الأزهر ومهد الحضارات ماذا دهاها؟ حتى تصل إلى هذا الحال المزري الذي لا يسر أحدا ولا يطمئن له أحد؛ لا أصدق أن مصر بتلك الصفات التي ذكرناها عاجزة أن تحسم أمرها أم حل بها من الجهل ما لم تستطع معه أن تميز الحق من الباطل أو الصدق من الكذب.

هل هناك أحد يصدق أن في هذا العالم من يعتقد أن العبودية خير من الحرية أو العسكر خير من الديمقراطية مهما كان مبلغه من العلم وسذاجته وفهمه، ومهما كانت النتائج التي يأت بها الصندوق والمعروف أن أهم ما يمتاز به الصندوق أنه يثبت لك حقا أصيلا لا يستطيع أحد أن ينتزعه منك، وهو أنك تستطيع أن تحاسب من أخطأ وتقول لمن فشل: اذهب وتأت بمن تريد، وتقول لمن أحسن أحسنت، ولمن أساء أسأت، والمؤسف أن الوضع في مصر لم يقف عند هذا الحد بعد أن انحاز بعض النخب للحكم القائم على القمع والقتل وتكميم الأفواه، ناسين أن الوقوف مع الأنظمة الاستبدادية سوف يرتد يوما ما على مؤيديه وقد حدث فعلا وظهر جليا في الحكم على زعماء ستة أبريل، وهم أول من وقف مع الانقلاب العسكري ولا يزال بعضهم متذبذبا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

بل تعدى الوضع الحالي ذلك مما أفقد النظام في مصر ثقة شعبه وثقة العالم حوله فصار الانطباع عن المصريين قبل الانقلاب لم يكن هو نفسه بعد الانقلاب، فبالله كيف بسائح أن يأت لمصر في هذا الجو المضطرب والسحل والقتل اليومي والدماء السائلة؟ كيف بمواطن أو أجنبي يطمئن لشرطة تتعامل مع شعبها بهذه الكيفية وتلفق وتزور وتصنع التهم؟ كيف يطمئن هذا إذا وقعت عليه أي مظلمة لقضاء يتعامل مع العدالة بهذه الطريقة التي جعلت العالم يتهكم على القضاء المصري، وقد بات عدم حياده وعدله وعدم شفافيته ظاهرا؟

هناك كثير من شعوب العالم تذهب لمصر للاستشفاء، فكيف لهؤلاء أن يثقوا في العلاج والأستاذ الجامعي يمالي الظلم والقتل ويقف مع الاستبداد والطبيب يبارك ذلك والمثقف ينافق؟

كيف للدول الأخرى أن تثق في العمالة المصرية ويحدث كل هذا المرعب المخيف؟

كيف لمن يريد أن يستثمر أمواله أن يختار مصر بعد أن كذبت شرطتها وظلم قضاؤها وتواطأ جيشها وداهن علماؤها، ما كنا ننتظره من مصر أن تقدم نموذجا حضاريا في الديمقراطية وممارستها لكن شيئا من هذا لم يحدث، بل تقدمت تونس وسبقتها تركيا، فالديمقراطية عمرها لم تفشل ولكن تفشل الممارسة والسلوك وأعداء أوطانهم وشعوبهم هم الذين يضيقون بالديمقراطية ومن لم يحب صعود الجبال يبقى أبد الدهر بين الحفر.

كنا نعتقد أن ستين عاما تكفي مصر أن تكون بين الحفر وتحت قهر حكم الفرد والحزب الواحد والدولة البوليسية وفي مؤخرة الدول، بعد أن كان لها فرصة الانطلاق لتكون في مصاف الدول الصناعية كاليابان ونمور شرق آسيا، وبعد أن كان لها دورها المؤثر في القضايا الإسلامية والعربية؛ لكن العسكر أقعدها لتصبح مع الخوالف وعزلها عن محيطها الإقليمي ومكانتها القيادية.

وبعد ثورة يناير افتكرنا أن الشعب المصري يأخذ العبرة من التاريخ وينفض غبار السنين لانطلاقة جديدة بفهم جديد لكن هيهات، ونخشى على مصر من ستين عاما جديدة ما بين الحفر، فعلى الشعب المصري أن ينتبه عن غفلته ويصحو من غفوته ويرجع إلى الديمقراطية والحرية قبل فوات التدارك، وليعلم أن الذي يحدث في مصر المستهدف الأول والأخير هو مصر وليس الإخوان هذا الاستهداف ما أظنه بعيدا من تدخلات أجنبية تريد لمصر الخراب في كل شيء في جيشها وشرطتها وقضائها وشعبها، وهذا لا تخطئه العين الفاحصة والبصيرة النافذة بعد أن دمر العراق وسوريا سائرة على الدرب والسودان في طريقه إلى التقطيع والتمزيق، والذي يحدث في مصر يسير في هذا الاتجاه سواء كان بوعي أهلها أو دون وعي ومن المعلوم بالضرورة من هو الرابح في هذا الذي يحدث، فأي شخص عادي من عامة الناس في مصر وخارج مصر يعرف ذلك إلا الذين يصرون على مخادعة أنفسهم قبل أن يخدعوا الناس وما دروا أن الزمان الذي يصدق فيه الناس كل ما يسمعون ويستسلموا لكل ما يشاهدون قد ولى لتبقى الحقيقة رغم التشويش والتضليل والمواربة، لكن: قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد — وينكر الفم طعم الماء من سقم

وإلا فإن الذي يحدث في مصر سوف يقود البلاد إلى هاوية لا قاع لها ونكون قد وأدنا مصر وهي تصرخ وتستغيث وااشباباه ولا ساعة مندم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M