عندما ينحاز توفيق بوعشرين إلى خصوم الدولة
محمد الفزازي
هوية بريس – الإثنين 14 أبريل 2014
توفيق بوعشرين في افتتاحيته بجريدة أخبار اليوم عدد 1340، يستكثر عليّ ويستنكر كلماتٍ قليلةً قلتُها في أقوام متطرفين… كلماتٍ التقطها ليجعل منها قضية “سلفية” من خلالها انطلق يهْذي بما يؤْذي. ويشِي بشَيء غير قليل من الهمْز واللمْز في سيادة هذه الدولة وحاكمها… وهكذا أفرَغ ما في جعبته من تجهيل وتحقير لشخصي أولا في قالب من الكذب والافتراء، متعالما ومعلِّما… ومقيّما ومقوّما… ومصوّبا سهامه المسمومة ثانيا لتقزيم هيبة السلطان والتلويح بساعة الصفر للإجهاز على استقرار الدولة واستمرارها… ساعة ليس لها وجود إلا في خياله المريض.
أفجعَتْه كلماتٌ قليلة مني قلتها في أقوام آخرين لا علاقة له بهم، لكنه اعتمد على تلك الكلمات لينطلق منها فاتحا وغازيا على طريقة “دون كيشوط” لينال من هذه الدولة التي تؤويه وترعاه على حدّ قول من قال: [يأكل الغلة ويلعن الملة]… فوضع عنوانا لمقالته: [ماذا لو توقف الفيزازي عن الكلام 24 ساعة ؟] يريد أن يتكلم وحده… ويكتبَ وحده، هو الذي منذ سنين عددا يلْغو في مقالاته ويلغ في أعراض الناس… الآن جاء دوري لينال مني، وقد ظن أن لحمي مستساغة ومستطابة، وهيهات هيهات…
نصّب بوعشرين نفسه منذ الفقرة الأولى من مقاله خصما للدولة؛ منذرا ومحذرا أضرابه من طلاقات “نارية” وكلام كثير منّي… ونسي المغرور المغمور أن الخصومة مع الدولة كلام فضفاض قد يبدأ برأي معارض لسياسة ما، وقد ينتهي -لا سمح الله- بخيانة عظمى؛ هنا بوعشرين ليس له مؤشر يشير إلى مستوى هذه الخصومة. تأملوا: [خصوم الدولة]!! وليس اعتراضا على سياسة محددة للدولة مثلا أو انتقادا لموقف معين، بل [خصومة].
من هم خصوم الدولة يا “بوعشرين” غير الانفصاليين وبعض أعداء الإسلام الذين يؤرقهم نظام الحكم في المغرب المتوَّج بإمارة المؤمنين.؟ أأنت خصيم لهؤلاء الخونة؟ فإذا كنت كذلك، فقد نهى الله سبحانه عن ذلك: {ولا تكن للخائنين خصيما}
ثم من قال لك إنني سلفي أصلا؟ أتحداك على رؤوس الأشهاد أن تثبت ذلك. لعلك تحكي ما تسمع… وفي الحديث: [كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع] وبعبارة أخرى إنك تهْرف بما لا تعرف.
قوله: [الفزازي لا يرى فائدة في انتقاد الحكام بل يرى أن ذلك من البدع] قلتَ: هذه فِرْية بلا مِرْية. وإخراج الكلام عن سياقه، وبتره عن سابقه ولاحقه، والسياق كان في ردّي على بعض الغلاة الذين ينتقمون… ولا أقول ينتقدون… زد على ذلك أن هؤلاء المنتقمين لا يملكون أدنى أهلية علمية أو فكرية تؤهلهم لإبداء رأيهم… هؤلاء هم من يدافع عنهم بوعشرين، ويريد أن يجعل من ملك البلاد هدفا للرُّوَيْبِضات. هذا هو السياق الذي وردت فيه كلماتي المقتضبة.
ثم جاء بسيل من الأكاذيب بعضها يُناطِح بعضا بدءا بتقويلي [إن ديننا يأمر بالذبح] في برنامج لي على قناة الجزيرة، ومرورا بتكفير العلمانيين والليبراليين والديموقراطيين بجرة قلم -زعم-… ووصولا إلى قوله الأرعن [كان يرى أن من لا يكفر خصومه فهو كافر حتى وإن كان مسلما] وتعليقا على هذا الهراء لا أجد أفضل من الآية الكريمة {فنجعل لعنة الله على الكاذبين}.
في إحدى فقراته حاول أن يُرَكّب بعض التراكيب المتعارضة ليبدو على شيء من المعرفة بالسلفية وبالتاريخ وحتى باللغة وهو يصف أسلوبي بـ[السجالي الفارغ عن أي محتوى جِدّي] إلخ…
قلت: ولو كان المقام يسمح بالبسط للقنته دروسا في اللغة والتراكيب لم يسمع بها من قبل… وكعربون على هذا أهمس في أذنيه بأنه جاء في فقرته الأولى قوله: [القادم من الأيام] والأيام لا قَدَم لها فتقدم، ولا يد لها فتبطش… فنقول [القابل من الأيام] أو [الأيام المقبلة] وليست القادمة، وفي فقرته الأخيرة قوله: [وإلى الله الأمر من قبل ومن بعد]، وهو قول ركيك… والصواب: [لله الأمر… وليس إلى الله] وفي ذلك قوله تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد} هذا، وإنّ بين فقرته الأولى وفقرته الأخيرة رُكام من ركاكة المبتدئين… لكن هذا مجال آخر لا يعنيني الآن. وليس على مثل بوعشرين تُعَدّ الأخطاء.
ومن هنا تدرك أن بوعشرين كلما كتب مقالا حشاه بترسنة من الأخطاء والخطايا… أخطاء لغوية ونحوية وصرفية وحتى إملائية…. وركاكات بالجملة؛ وخطايا في حق الناس متجنّيا ومفتريا… ثم ينْتَفِش وينتفخ مزْهُوّا بثناء أحد ممّن هو أجهل منه أو من متملق مسترزق… فيحسب أنه على شيء… ويصدق نفسه أنه كاتب ذو بال.
إلى الله المشتكى أيها الصحفي النِّحرير… عفوا صحفي التحرير…
إنني أشعر بالدّوار والغثيان كلما سمعت أحدهم يقول [دافعت عنك… ودافعت عنك] وليت شِعري ما الذي دهاه للدفاع عني أصلا إذا لم يكن يعتقد براءتي؟ هذا إنْ صدَق، أيسوغ الدفاع عن إرهابي قتّال؟ وإذا كنتُ عنده غير ذلك ويرى أنني بريء فعلا فدافع عنيّ، فلِمَ المنّ إذن وهو ما فعَل إلا الواجب؟ هذا إنْ فعل. مسألة الدفاع عني وعن السجناء “السلفيين” هذه مسألة أخرى لا أريد النبش فيها، ولو فعلت لأريت بوعشرين من دافع عني حقيقة وكيف ومتى؟؟؟ لكني أقولها له صريحة فصيحة : لن أحمد أحدا – بعد الله تعالى – على خروجي من السجن سوى ملك البلاد الذي أطلق سراحي ليشرفني بشجاعة منقطعة النظير بعد ذلك بالحضور الفعلي في صلاة جمعة لم يكن خطيبها وإمامها غيري أنا عبد ربه، وباختيار منه هو، حفظه الله… وسوى المدافعين عني في السر والعلن، من غير أذى ولا منّ…
والآن، هيا هيا أيها المناضل المغوار فلا يزال في السجن آخرون… أين دفاعك؟ أم تحسب اجترار بعض الألفاظ المهترئة التي لا تفتر عن لوْكها بفمك كفيلة بأن تُبوِّئك مقام المدافعين؟ إن ما تسميه دفاعا عن “الإسلاميين” ما هو إلا متاجرة سياسوية بآلام الناس ومآسيهم الإنسانية… ليس إلا… وقد خبرنا متاجرتكم تلك، فظننتم بغباء أنكم لنا مستغفلون ومستحمرون…
قلت: ولك أن تقول في العقل السلفي ما تشاء، فقد أخطأت القبلة… تنتقد العقل السلفي وأنا لستُ بذاك. علما مني أن آخر طالب “سلفي” يمكنه أن يسقيك علقما على مائدة المناظرة الشرعية، بَلْه فقهاء السلفية وعلماءها… ومع ذلك أنا لست سلفيا بالمعنى الذي تفهم. وكل ما قلتَه في السلفية والسلفيين لا يعنيني. إنما أنت فقط وبغباء استعديتَ شريحة عريضة من هذا الشعب مجانا ليس لك في ذلك الاستعداء معَضّ ولا مستمسك.
وفي الوقت الذي تنتقد فيه “حزب النور” المصري لتؤثث به افتتاحيتك بكلام يعرفه كل من هب ودب… لعلك تقدمني لقرائك على أنني أحد هؤلاء السلفيين المنبوذين من شعب مصر كله أو يكاد… لا تعلم أن انتقاداتي لهؤلاء كانت أقوى مما تتصور، وكانت في حينها وأنا في القاهرة والإسكندرية يومها… لكن كيف بك وقد اختلطت عليك اللحى فحسبت أن كل ملتحٍ سلفي وكل سلفي ملتحٍ… حتى إني أخشى أن تُلحق بالسلفيين كُلّا من “فديل كاسترو” و”كارل ماركس” وجماهير الهندوس والسّيخ الملتحين والمعمّمين أيضا وكلَّ من أرخى لحيته.
وفي الختام ماذا لو توقف “توفيق بوعشرين فبراير” عن الكتابة بضع سنين حتى يتعلم؟ وفي صحيح البخاري: [باب العلم قول القول والعمل…].