سبب إلغاء مؤتمر طلبة شمال إفريقيا بفاس سنة 1936
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الأربعاء 28 ماي 2014
سبقت الإشارة بأن جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا كان في قانونها الداخلي عقد مؤتمرها السنوي بالتناوب في بلدان المغرب الثلاثة، بيد أن حظ المغرب كان دائما المنع، ومن بين المؤتمرات الممنوعة المؤتمر السادس الذي كان سيعقد بفاس إلا أن الإقامة العامة ارتأت عقده بالرباط وأخرت تاريخ الانعقاد الذي حدده المكتب واشترطت أن يترأسه المقيم العام!!
فما كان من اللجنة التنظيمية إلا أن رفضت تلك المطالب مما أدى إلى إلغاء عقده بصفة نهائية لتحويله من صبغته الطلابية إلى صبغة سياسية، وفي ما يلي نص البيان الصادر في الموضوع كما نشر في جريدة “البصائر” لسان حال “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” (ع:35، بتاريخ:18 شتنبر 1936):
“بيان من اللجنة التحضيرية لمؤتمر طلبة شمال إفريقيا المسلمين السادس إلى الشعب المغربي الكريم في الأقطار الثلاثة
إن اللجنة التحضيرية التي كلفتها جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا بتحضير مؤتمرها السادس بالمغرب الأقصى، تتشرف بأن تجعل بين يدي الرأي العام في الشمال الإفريقي البيانات التالية:
بمجرد ما تألفت اللجنة أخذت تعمل لتحضير لوازم انعقاد المؤتمر بفاس يوم 7 شتنبر بناء على القرار الذي اتخذه المؤتمر الخامس بتلمسان.
وبناء على ما وعد به سعادة “م بيروطون” الجمعية حين قابل وفدا من مجلسها الإداري بباريس في 2 أبريل 1936، وبمناسبة قرب انعقاد المؤتمر اتصل مندوبان من قبلها بمكتب الشؤون الأهلية بفاس للإعلام بتاريخ انعقاد المؤتمر ومكانه، فأشعر اللجنة أنه من المناسب أن تذكر الجمعية المقيم العام بالمحادثات التي راجت بينه وبين الطلبة بفرنسا.
وبمقتضى ذلك بعث رئيس الجمعية لسعادة المقيم العام كتابا يقدم فيه البيانات الكافية عن المؤتمر، فأجابت الإقامة العامة بتاريخ:4 غشت، مؤكدة قبول انعقاد المؤتمر مبدئيا، مقترحة تأخيره إلى 12 أكتوبر، وأن يكون في الرباط لا بفاس، وفيه أن الحكومة تولت كل التحضيرات اللازمة بناحيتها المادية والأدبية.
ولما كان ذلك منافيا لقوانين المؤتمر ولصبغته الطلابية، فقد بعث رئيس الجمعية لسعادة المقيم كتابا ثانيا بتاريخ:19غشت، يبين فيه الموا نع التي تعوقه عن قبول تلك الاقتراحات التي لا تتفق مع مقررات الطلبة المسؤول عن تنفيذها، ثم استمرت اللجنة في عملها من التحضير للمؤتمر في وقته اللازم، وقبل حلول الموعد المعين بأسبوع، رأت من الأحوط أن تعجل بتقديم التصريح بانعقاد المؤتمر إدارة البلدية، فقدمته يوم الثلاثاء فاتح شتنبر طبقا لظهير الاجتماعات العمومية.
وفي مساء اليوم استدعتها إدارة الشؤون الأهلية وأبلغتها تنازل المقيم العام عن اقتراحه المتعلق بموعد المؤتمر على أن ينعقد بالرباط لا بفاس، فقبلت ذلك إذ كانت لا ترى فرقا بين مدن المغرب.
وعلى الرغم من كون هذا التصريح جاء في آخر ساعة، وبعد أن هيئ كل ما يلزم لعقد المؤتمر بفاس، فقد انتقلت اللجنة للرباط وواصلت العمل، وقدمت برنامج المؤتمر للإقامة العامة فوافقت عليه بكامل نصه ومن دون ملاحظة، وأذاعته في شكل بلاغ في (راديو المغرب) يوم الجمعة 4 شتنبر، قائلة للجنة: ستبقي للمؤتمر صبغته التعليمية المحضة، وأنه سيلقي في حفلة الافتتاح جناب مندوب المعارف كلمة ترحيب بالؤتمرين، وربما ألقى سعادة المعتمد بالإقامة العامة كلمة أيضا، إذ أنه من المؤكد عدم حضور سعادة المقيم في محل عمومي كمسرح (روايال) الذي سيفتح به المؤتمر.
ومساء يوم السبت اقتبل سعادة المقيم رئيس المؤتمر السيد المنجي سليم صحبة بعض أعضاء اللجنة، السادة: محمد إبراهيم الكتاني، محمد الهاشمي الفيلالي، عبد القادر برادة، فتحدثوا معه مليا في شؤون المؤتمر؛ وفي أثناء الحديث صرح لهم جنابه بأنه يريد أن يترأس المؤتمر ويلقي كلمة في الأعمال التي قام بها في تونس والمغرب والتي يجب الاعتراف بها، وذكر أيضا أنه عوض زيارة صومعة حسان التي كانت مقررة في برنامج المؤتمر المصادق عليه بحفلة شاي في الإقامة العامة.
ولما كان التغيير الواقع في برنامج المؤتمر وصبغه بأية صبغة سياسية ليس مما يتفق وقوانين المؤتمر وروحه التعليمية التي يجب أن تكون بعيدة عن السياسة من كل الجهات، فقد بعث رئيس الجمعية إثر مغادرة الإقامة العامة إلى سعادة المقيم الكتاب التالي:
“الرباط في 5 شتنبر 1936
إلى جناب المقيم العام للجمهورية الفرنسوية بالمغرب الأقصى
جناب المقيم العام
تبعا للمقابلة التي تفضلتم بها علينا إثر زوال اليوم، فإني أتأسف كثيرا بإعلامكم بأنه لا يمكن بعد طول الإمعان، إسناد رئاسة مؤتمر طلبة شمال إفريقيا المسلمين لرئيس حكومة الحماية.
ومن جهة أخرى ورغم الشرف العظيم الذي أراه فإنه لا يمكن لنا قبول (الأتاي) الذي تفضلتم باستدعائنا إليه بالإقامة العامة ثامن الجاري، وقد أطرتني اعتبارات قانونية علمية إلى إعلامكم بهذا في آخر وقت.
ومع كل تأسف لي على ذلك تقبل يا حضرة المقيم العام كل الاحترامات
الرئيس المنجي سليم”.
وتوجه بهذا الكتاب رسول إلى الإقامة العامة وسلمه لأحد موظفيها، وبعد مضي نحو ساعة ونصف على بعث هذا الكتاب أذاع (راديو المغرب) بلاغا عن تلك المقابلة مع برنامج للمؤتمر، قال: إن اللجنة وضعته بنفسها، ولكن فيه مخالفة للبرنامج الذي قدمته اللجنة، وأذيع يوم الجمعة بنصه؛ إذ في هذا الأخير ترؤس المقيم العام لحفلة الافتتاح وتنظيمه لحفلة (أتاي)، وهكذا نشرته صحف الصباح أيضا.
ولتبيين الحقيقة لمن يهمه الأمر أذاعت اللجنة في الحين بلاغا تشرح فيه حقيقة المقابلة، وما راج فيها، وتشير للكتاب الذي وجهته بعدها ونشر في بعض صحف الجزائر وتونس.
مفاجأة
وبعدما اكتملت التحضيرات اللازمة وحضرت الوفود الكثيرة من مختلف الجهات، وبينما الناس ينتظرون بفارغ الصبر الساعة المحددة لانعقاد المؤتمر، إذا بـ”راديو المغرب” يعلن مساء يوم الأحد بلاغا يتضمن تأخير المؤتمر إلى أجل غير مسمى، فكانت صدمة عنيفة لم يكن من المنتظر بعد تلك الوعود الصريحة والبلاغات الرسمية العديدة التي تعلن عن المؤتمر وبرنامجه، وبعد الجهود الشاقة والمساعي التي كلفت تضحيات كثيرة لم يكن من المنتظر بعد كل ذلك وفي آخر ساعة أن يمنع انعقاد المؤتمر بالابتعاد عن السياسة والتدخل في شؤونها.
ولأجل أن تبدو الحقيقة واضحة وبعيدة عن كل ما شاءت الصحف الفرنسية أن تصدرها به بعد صدور قرار تأخير المؤتمر بشتى التأويلات والتعاليق المغرضة، رأت اللجنة ضرورة إذاعة هذا البيان المؤيد بالحقائق الواقعة، شاكرة ومقدرة جهود مختلف الهيئات والمدن التي ساعدت على تسهيل عقد المؤتمر بكل وسيلة، خصوصا الوفود العديدة التي تكبدت مشاق السفر من كل نواحي المغرب.
“اللجنة التحضيرية
برقية احتجاج
الرباط 7 شتنبر 1936
نحتج بكل شدة ضد التعطيل الخفي الذي صودر به اجتماع المؤتمر السادس للطلبة المسلمين بشمال إفريقيا من طرف المقيم العام “بيروطون” فهو بعد أن سمح للمؤتمر بالانعقاد سماحا مطلقا، رجع عن ذلك لمجرد رفض مكتب المؤتمر إخراج ذلك المؤتمر عن صبغته التعاونية المدرسية.
رئيس المؤتمر ورئيس لجنة التنظيم”.