إفلاس العلمانية المتطرفة!!
يونس الناصري
هوية بريس – الخميس 19 يونيو 2014
يعلم الجميع أن العلمانية المتطرفة وليدة الاحتلال الغاشم، الذي جثم على صدور أمتنا لعقود من الزمن؛ استغلالا لخيراتنا وقتلا لشبابنا المقاوم وتحريفا لمعتقداتنا وتغييرا لمنهجنا الإسلامي الذي ترعبهم عودته وقوته، وأنفق الاحتلال لذلك أموالا طائلة وأوقاتا ثمينة، كما ذكر الأستاذ الكبير محمود محمد شاكر في كتابه القيم “أباطيل وأسمار”، ورسالته البالغة الخطورة المسماة “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا”.
فحكى رحمه الله أن مثقفي ما بعد الاحتلال قد أُشربوا في قلوبهم حب الغرب وعاداته وحركاته وسكناته وطريقة عيشه وتفكيره السلبي لا الإيجابي؛ إذ حشي عقلهم فكرة الحرية الطائشة العمياء، التي لا تفرق بين القبيح والحسن، وغرزوا في قرارة أنفسهم الازدراء بالمسلمات واليقينيات المجمع عليها من سالف الدهر، ودفعوهم إلى التسليم من غير وعي منهم بأن كل كلام قابل للنقد والأخذ والرد، وإن كان كتاب الله وسنة رسوله.
وقد استقر في أذهان المستغربين الذين استُقطبوا فأُرسلوا إلى الغرب لاستكمال دراساتهم كلُّ ما مر ذكره، ليعودوا إلى بلدانهم آخذين أرفع المناصب الثقافية الأدبية الفلسفية الاجتماعية.. أما الذين تخصصوا في العلوم التطبيقية التجريبية بمختلف فروعها الدقيقة، فلا يخفى أنهم أُغروا بالمال والجاه هنالك، ومكِّنوا من كل ما تتطلبه حياة كريمة عالية، ومكانة مرموقة في المجتمع.
حصل ذلك لسببين اثنين: الأول المهم: هو إبقاؤهم بعيدين عن أوطانهم الإسلامية؛ كيلا يستفيد أهلهم من خبراتهم، فتتطور مجتمعاتهم لتنافس الدول الغربية، والثاني: استغلال ذكائهم وتفوقهم لخدمة مشاريعهم العلمية وتقدمهم الصناعي.
ومنذ تقلد العلمانية المتطرفة لشؤون بلدان العالم الإسلامي وتلك البلدان في تخلف وتقهقر على جميع الأصعدة؛ حيث إنهم ينشغلون بترسيخ الحريات الزائفة المناقضة لثوابت الشرع الحنيف؛ كقانون الإجهاض والحريات الجنسية للجنسين معا والأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم، وخرجت مؤخرا برلمانية تدعو إلى الاعتراف بأن الجنس يسهم في اقتصاد البلاد ! وأنكرت منابر الفساد على شرطيات مراكش سعيهم إلى الإقلال من جريمة الزنا المحرمة، واعتبروهن آمرات بالمعروف وناهيات عن المنكر، في عملية قلب للموازين لا تخفى على متابع للشأن العلماني المتطرف.
كما يظهرون لأسيادهم الغربيين أنهم يلتزمون بالمواثيق الدولية طلبا لرضائهم، وينسون أن الحرية الحقيقية هي تحرر العقول والقلوب من قبضة الغرب القوية، وانسلاخها من فكره وثقافته الماديين الخاصين به، ويتجاهلون أن المنحى العلمي التقني الصناعي أولى بالالتفات والاهتمام والتشجيع من التطبيل للحقوق الكونية!
وسارت البلدان الإسلامية المسوقة من قبل بني علمان تائهة حائرة، لا هم لها إلا إرضاء الغرائز التي تشترك فيها معنا البهائم على حساب العقلية العلمية الصريحة النافعة؛ حينما يحصرون مغرب الثقافات في الرقص الماجن والغناء الفاحش و”لالاهوم العروسة”، ولا يحسبون للمهرجانات العلمية الابتكارية ذكرا، ولا يقيمون لها وزنا، ويا ليتنا نسمع يوما مهرجان العلوم التطبيقية، أو الملتقى الوطني للمخترعين، وغيرها من مبادرات علمية ترفع رؤوسنا أمام الأمم، وتشعرنا بالعزة والفخر إذا ذكر المغرب الحبيب، فذلك أس الثقافة الإسلامية الصحيحة.
والإعلام -إلا النادر منه- ركب موجة العلمنة طلبا للخبز بشكل صريح أو مضمر، فمكن لها في أفئدة عموم الناس، إلى درجة أصبح يقال فيها لعلماء الدين الإسلامي الأشراف الأعزاء: فقهاء الحيض والنفاس!!! ولعالِم الصناعات الغذائية المبين لخطورة المواد الإضافية الصناعية للمواد الغذائية الطبيعية: إنه مجنون يحرم ويحلل!!!
إنه في زمن الحمق العلماني تخرج جريدة “الأحداث المغربية” في الأيام الماضية لتستهزئ بأصح كتابين بعد القرآن الكريم بإجماع المسلمين قديما وحديثا، وهما صحيحا البخاري ومسلم بطريقة صبيانية فجة عديمة الحياء، وسط صمت حالي للمجالس العلمية ووزارتها الوصية.
وهو ما يدل على أنها أفلست وكسدت بضاعتها وحان حينها وخبا نورها وجن جنونها واحترق على الفضيلة باطنها واستُهلكت مواضيعها الشاذة ولفظها الشعب المغربي، فغدت تلجأ إلى مواضيع مستفزة لنفوس المغاربة الشرفاء المحبين لشرعهم الحنيف، لعلها تبيع عددا أكبر من أحداثها الكبيرة و الصغيرة!!!
تلك هي نتائج العلمانية المتطرفة المقززة للنفوس، وبعد ذلك بأيام قليلة قرأت خبرا لوكالة الأناضول للأنباء تقول فيه: (طور مهندسون أتراك في المدينة التكنولوجية بجامعة “هاجات هيه” في أنقرة ملابس غير قابلة للاحتراق لدقائق عديدة، بدرجة حرارة تصل إلى 2000 درجة، تستخدم من قبل قوات الأمن، وتبدو مثل الأقمشة العادية، ولا يمكن رؤيتها بالمناظير الليلية.
وأوضح “إبراهيم سزغين” مدير شركة “أرغوس” إحدى شركات الصناعات العسكرية التركية العاملة في “المدينة التكنولوجية”: أن هذه الملابس التي أنتجت النماذج الأولى منها قبل 14 عاما، واستخدمتها القوات الخاصة في ذلك الحين، تصنع بتكنولوجيا محلية تماما، ولا يجري تصديرها، ولا حتى عرضها في المعارض، نظرا لميزتها المتطورة للغاية، والفريدة مقارنة بمثيلاتها في العالم).
ولا داعي للتفصيل في ما وصله الأتراك من تقدم وتطور في وقت وجيز، وإنما حسبنا أن نقول: شتان بين العلمانية التركية وبين علمانية “الأحداث المغربية”!!