تركنا للقيم سبب هزائمنا

05 أغسطس 2014 11:03
تركنا للقيم سبب هزائمنا

تركنا للقيم سبب هزائمنا

بوجمعة حدوش

هوية بريس – الثلاثاء 05 غشت 2014

عندما يتأمل المرء مكانة وما كانت عليه الأمة في عهدها الأول ويقارنها بما هي عليه الآن يجد بونا شاسعا في كل المجالات، بل عندما يقارنها بما هي عليه الآن وبما كانت عليه منذ قرن فقط، يستنتج أنه كلما مرت الأيام والأعوام إلا وذهب من الأمة شيء من جوهرها وما من أجله فضلت.

هي القيم والأخلاق يا سادة، “الحياء” “التواضع” “احترام الأخر” “لين الجانب” “الأمر بالمعروف النهي عن المنكر”…، بالقيم كانت الأمة في سالف عهدها تهزم الجيوش تنتصر على العدو تحافظ على ثقافتها ومبادئها، بالقيم كانت للأمة مكانة لا تضاهيها مكانة، كان يُحسب للأمة ألف حساب لا لأن معها العدة والعتاد أو الجيوش الجرارة والأسلحة الفتاكة العابرة للقارات مع أن ذلك مطلوب ولابد منه، لم يكن مع الأمة ذلك، لكن كان معها ما هو أقوى من ذلك من أجل ذلك انتصرت على كل الأعداء ووضعت لنفسها موضع قدم وسط أقوى الإمبراطوريات في ذلك الزمان، وليس ذلك إلا بمحافظتها على مبادئها وقيمها وقبل ذلك على عقيدتها.

مضت هذه المعاني الجميلة مع الأمة عبر مراحلها المتنوعة ضعفا وقوة لا تتخلى عنها، وهي بذلك تحقق ما تصبوا إليه وهم “أشداء على الكفار رحماء بينهم” ولاؤهم لبعضهم البعض وعداوتهم لمن عاداهم. لكن لما تغيرت هذه المفاهيم وتلوثت أخرى ودخلت الأمة جحر ضبي ما كان من مصلحتها ولا من شأنها أن تدخله تغيرت الموازين واختلفت الحسابات، فتركت الأمة مكانتها بتغيير قيمها بقيم غيرها، وبهذا أصبحت الأمة في آخر الركب لا يُحسب لها حساب ولا يُؤخذ برأيها وإن أُخذ به لا يُعمل ولا يُؤبه به، كل هذا لما تركت الأمة قيمها ومبادئها.

وقد يستغرب البعض أين العلاقة بين ترك القيم وتوالي الهزائم على الأمة، والجواب على السؤال باستعراض بسيط لتاريخ الأمة، فمعلوم أن الأمة كانت في أول الركب ولم يكن معها قوة ولا عتاد، لكن كان معها قوة الإيمان والمحافظة على قيمها، ولما تخلت عن قيمة “طاعة قائد المعركة” في معركة “أحد” انهزمت، ولم يكن انهزامها ناتج عن قوة العدو أو عن أي عامل خارجي آخر، “قل هو من عند أنفسكم” ليس شيئا آخر كان سببا في هزيمتكم، فلو أنكم حافظتم على قيمكم بمفهومها العام لما انهزمتم، ولما تركت الأمة قيمة “الإيثار” وتمسكت بحب الرياسة وحب الكرسي توالت عليها الهزائم، وسقطت الدولة الأموية وتبعتها العباسية، ولم يكن سقوطهما عن سبب خارجي إلا ما كان من شأنيهما الداخلي الذي تجلى في العربدة واجتناب ما حرم الله إلا من رحم الله منهم، ولما تركت الأمة قيمة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” واتبعت الشهوات وجهرت بذلك، و”كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه” إلا من رحم الله منهم كذلك، ولما كثرت المراقص والملاهي سقطت الأندلس، ولم يكن سبب كل هذه الهزائم قوة العدو وجبروته، بل كان سببها الرئيسي تخلي الأمة عن مبادئها وأخلاقها وقيمها.

فإذا كانت هذه الهزائم التاريخية في الأمة لمجرد تخليها عن قيمة أو قيمتين أو بعض القيم في مقابل محافظتها على جوهر الإسلام ولبه، فما عسى أن نقول الآن لما تخلت الأمة عن جل قيمها وثقافتها وحضارتها وأبدلتها بثقافة وقيم الأخر، ما عسى أن نقول لما أصبحت الأمة “أشداء بينهم رحماء مع الكفار” يوالون الكفار ويعادون بعضهم البعض، ما عسى أن نقول لما اندثر جوهر الإسلام بين صفوف أبناء الأمة.

نقولها صراحة يا سادة، ما يحصل اليوم في فلسطين وفي سوريا وفي العراق وفي اليمن ومصر وليبيا وغيرها من الدول التي وقعت الفتن فيها ليس سببه إلا من عند أنفسنا، نحن سبب الفتن التي نتخبط فيها اليوم، لأننا تركنا القيم العليا للأمة. فكلنا مسئول عما يقع بهذه الدول، فلو أصلحنا ما بيننا وبين الله لأصلح الله ما بيننا ولكنا كالبنيان المرصوص وبذلك نستطيع بوحدتنا وتآلفنا أن نهزم الأعداء الذين يستحلون أراضينا وخيراتنا ويستغلون الآن فرقتنا وتشرذمنا. فالسبيل إلى النصر هو تغيير ما نحن فيه مما لا يرضي الله كي يغير الله ما لا يرضينا مما نحن فيه، “لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم“.

يا سادة كيف سيهابنا العدو ونحن نشرب لبن ثقافته ونتنفس هواء قيمه الملوثة، كيف لنا أن نُرهب العدو رغم وسمهم لنا بالإرهاب وشواطئنا تشهد من العري والتفسخ والاختلاط والفواحش ما يندى له الجبين، كيف لنا أن ننتصر عليه وشوارعنا قد مُلئت تبرجا وسفورا حتى تكاد تجزم أن الحياء رُفع، فلا تستطيع القيام بجولة عائلية إلى أقرب متنزه تعطي فيه لأسرتك حقها في التجول والتنزه، كيف لنا أن نستعيد مكانتنا التي أضعناها وبيوت الدعارة تتصدر بعض مداخل بعض المدن شامخة رافعة رأسها إلى فوق يملأها الزهو والافتخار وشبابنا يدخلها ويخرج منها وكأنه داخل إلى بيته بلا خجل ولا حياء، كيف لنا أن يُؤخذ برأينا وإعلامنا لا يمثل شيء من قيمنا، إعلام يساهم في الانحطاط وتفسخ الأخلاق بدعوى التقدم والتمدن والتحضر، ولو استعملت هذه المصطلحات في مكانها المناسب بجنب القيم لكانت الأمة غير ما هي عليه الآن، إعلام دنيء دناءة أفكاره القذرة ومن يمثلونه، لا بهذا الإعلام والله تستعيد الأمة مجدها، وهو يحاربها من داخلها. كيف لنا أن ننتظر النصر والعباد الصائمون القائمون بمجرد خروج رمضان عادوا إلى عادتهم القديمة، وكأنهم كانوا في سجن ينتظرون الخروج منه، فلما خرجوا منه عادوا إلى ما كانوا عليه أقوى مما كانوا في بادئ أمرهم، فمنهم من عاد إلى الزنا ومنهم من عاد إلى مغازلة الفتيات ومنهم من شرب الخمر وفسق وفجر، إلا أن في الأمة خير وخير كثير ولله الحمد.

الأمة يا سادة لن يهابها العدو إلا إذا أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر ولبست الحياء وخلعت عنها ذل التبرج والسفور والمعصية، لن يهابها العدو حتى تكون شوارعنا تمثل قيمنا لا قيم غيرنا، وإعلامنا يمثلنا ولا يضربنا بخنجر الغدر من وراء ظهورنا، وشبابنا همهم مشاكل أمتهم وبناء وطنهم وتقدم مجتمعاتهم لا همهم حلقات المسلسلات أو مباريات تجمعهم على شاشات المقاهي وصراخ وعويل يظن سامعه صراخُ بكاءٍ وحزنٍ على أم ثكلى فقدت ولدها جراء قصف صهيوني له، لكنه صراخ غضب على فريقه لأنه سُجل عليه هدف، لا ليس بهذا تنتصر الأمم وتتقدم الحضارات. الأمة ستنتصر لما تعود المجتمعات إلى المنبع الصافي والمشرب النقي الأول الذي شرب منه الصحابة والسلف الصالح، الأمة ستهزم اليهود ومن على شاكلتهم من الحكام الظلمة الطغاة المتجبرين الذين يقتلون شعوبهم بدم بارد بلا أدنى احترام لحرمة لما تكون العقيدة الصحيحة هي نقطة انطلاقهم والقرآن الكريم هو دستورهم ومرجعهم والرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتهم في كل مجالات الحياة، “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ” فإذا لم تفعلوا ذلك فاعلموا أنكم ستتبعون سنن أقوام آخرين وثقافاتهم وقيمهم، ولن تجدوا إلى النصر بعد ذلك سبيل، وسيكون رأيهم رأيكم وتفكيرهم تفكيركم وقراراتهم قراراتكم وإن كانت لا تخدم مصالح بعضكم البعض.

وبعد كل الذي يحصل الآن في فلسطين وغيره من الدول، ألم يان لكل فرد فرد منا أن يجلس جلسة تأمل بينه وبين نفسه يعالج فيها ثغراته ويصحح فيها مساراته ويُحمل نفسه مسؤولية ما يجري في كل هذه الدول ويعلم أن بتحسين علاقته بربه سيتحسن وضع أمته، فكفانا من لوم الحكومات والحكام -رغم أنهم مسئولون ولهم مسئوليتهم الكبرى- وآن الأوان كي نلوم أنفسنا ونراجع كثيرا من أمورنا فجازما بذلك سيتغير بعض ما نعانيه من ذلة ومهانة، ولابد مع ذلك من الصبر والوحدة، “وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا، إن الله مع الصابرين“.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M