للحقوق ضوابط والتهديد بالسلاح خط أحمر
د. محمد بولوز
هوية بريس – الثلاثاء 02 دجنبر 2014
ما كان لمداخلة المدعو “عسو” في ندوة لجمعية “أزطا أمازيغ” بالمنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، والتي دعا فيها إلى الكفاح المُسلح وحمل البارود لطرد العرب من المغرب، أن تمر وكأن شيئا لم يحدث، والحال أن مجرد وجود النية في الاقتراب من عالم التغيير بالقوة عند اتجاهات معينة من خلال بعض المؤشرات المعروفة عند الجهات الأمنية تجعل أصحابها يقدمون للمحاكمة في إطار قانون الإرهاب، والسؤال، كيف يسمح لمثل هؤلاء بالتواجد في مثل هذه المنتديات ويكرمون بالفنادق وحسن الضيافة، وهم من مسعري الحرب ومشعلي الفتن وحاملي الشؤم لهذا البلد الأمين الأصيل في استثنائه في الامتزاج العجيب بين مختلف عناصره ومكوناته.
بلد اختلطت فيه الأعراق والألوان واللهجات واللغات حتى غدا نسيجا وحده، تلتفت في مدنه في شماله وجنوبه وشرقه وغربه عن يمينك وشمالك فتجد السوسي بجانب الدكالي والصحراوي بجانب الريفي والأمازيغي بجانب الجبلي وقل ما شئت من الاختلاف والتنوع، وخذ من ملوكه الأوائل إدريس الثاني رحمه فأمه كنزة الأمازيغية وأبوه إدريس العربي لتختم بمحمد السادس حفظه الله وهداه لما فيه خير الإسلام والمسلمين وجميع المواطنين لتجد أيضا أمه أمازيغية وأبوه عربي، ولا يزال التزاوج قائما على قدم وساق في دروب المدن والوديان والسهول والجبال، فمن يقاتل من؟ أيقاتل الناس أخوالهم وأعمامهم وآباءهم وأمهاتهم وأبناء بناتهم وأخواتهم وأجدادهم وأصهارهم وجيرانهم وصاحب الدكان الذي يجلب لهم بضاعة ما يقتاتون به..
فإذا كانت العربية عرقا وأصلا وجنسا فكيف الوصول إلى تمييز الناس: أبتحليل دمائهم ومعرفة جيناتهم؟ وهل ثمة حقيقة ما يميز بين الآدميين على هذا المستوى للوصول إلى الأمازيغي من غيره؟ وإذا كانت العربية: اللسان، كما يذهب إلى ذلك الكثيرون باعتبار العربية ثقافة وليس جنسا أو عرقا، فاستعد أيها المجرم القتال لقتل معظم المغاربة وأكثرهم أمازيغ لأنهم أحبوا هذه اللغة وخدموها على مر القرون وقرأوا بها القرآن وعبدوا بها الرحمن وخطبوا بها على المنابر وكتبوا بها عقودهم في مختلف مناحي حياتهم…
أي عقلية هذه تدب على أرضك يا وطني؟
ومن الذي غرس في جسمك هذه الجراثيم المسمومة؟
وكيف وصلنا إلى حال هذه القنابل المتفجرة المحشوة بالحقد الدفين؟
وهل هي الثمار الخبيثة للشجرة اللعينة التي غرسها فينا العدو قبل رحيله الجزئي؟
أم هي الغفلة البليدة عن الديدان الصغيرة في البرك الآسنة والزوايا المظلمة حتى تغدو في حجم الثعابين والأفاعي القاتلة؟
وقد قالوا: معظم النار من مستصغر الشرر، وأي تساهل مع هذه النبتة الشاذة المريضة قد تعادي الزرع وتقتل الضرع وتهدد الحقول الفسيحة..؟
فحقوق الإنسان لها حدود في كل البلدان، ولا يسمح لها أن تهدد الثوابت والأصول والأمور الجامعة للأوطان، وبالأحرى التهديد باستعمال القوة والدعوة إلى البارود وحمل السلاح، فهذا حد فاصل بين حرية إبداء الرأي وحق الاختلاف والتعبير عن وجهات النظر وبين الدعوة إلى الفتنة والقتل وسفك الدماء، فالجريمة هنا ثابتة والشهود حاضرون من داخل الوطن وخارجه والكلام مسجل وموثق، وإن لم تتحرك النيابة العامة في مثل هذا فمتى تتحرك؟
وفي مثل هذه المواقف يكون الامتحان للمبادئ أيضا، حيث من المفروض أن تنطلق الإدانات من مختلف الهيئات الحقوقية ذاتها لأن الدعوة إلى حمل السلاح فيه تهديد للأرواح وتهديد للحق في الحياة والحق في الأمن وهي من الحقوق الأولى أو كذلك يجب أن تكون، ويجب أن تنطلق الإدانات من الجمعيات الأمازيغية لأنها تعتبر نفسها من جمعيات المجتمع المدني التي تسلك طريق التدافع السلمي والإقناع الفكري، بل وكان من المفروض أن تبدأ الإدانة والتبرؤ من الإرهاب وحمل السلاح من المنصة المشرفة على الندوة، لا أن يشكر رئيسها المتدخل ويدافع عن حريته في إبداء الرأي،
وبالمناسبة لأرحموش هذا رئيس الجلسة في ندوة “أزطا أمازيغ”سوابق في التعقيب على المتدخلين فقد وصف عبد العزيز هناوي الناشط الأمازيغي الذي لا يشاطره نفس القناعات في تناول الأمازيغية بعد تدخله في الندوة “بالعنصري المناهض للأمازيغ” كما وسبق أن وصف رأي الشيخ زحل بخصوص تفضيل “أزول” على تحية السلام، بأن تصريح الشيخ يدخل في إطار “دعاوى التكفير والقتل والتصريحات العنصرية” وذكر المهتمين بالشأن الحقوقي بآنية مطلب تفعيل مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 14 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري (هسبرس26 مارس2014)، فهاذان أبديا مجرد رأي واستحقا كل ذلك الهجوم منه وتلك الألفاظ الغليظة بينما صاحبه “عسو” الداعي إلى السلاح والبارود والقتل والفتنة يستحق الشكر وإفساح المجال لسماع هذا الرأي في إطار حقوق الإنسان وإن كان فيه عقوقا للوطن وتهديدا للمواطنين وهدرا للحق في الحياة.