مشروع قانون «يهودية الدولة».. وقوة تأثير الحاخامات في جيش الصهاينة
هوية بريس – مركز التأصيل
السبت 13 دجنبر 2014
أثار مشروع قانون “يهودية الدولة” الذي طرح على الحكومة “الإسرائيلية” مؤخرا ردود فعل متباينة في المجتمع “الإسرائيلي”، انعكست على أداء الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو التي تشهد أزمة عاصفة على خلفية إقالة عدد من الوزراء المعارضين للقانون.
وقد أشارت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إلى هذه القضية بالقول “إن أقرت “إسرائيل” مشروع قانون يهودية الدولة فإن النتائج ستكون سلبية، وإن هذا القانون سيؤدي إلى العنف والانقسام داخل إسرائيل نفسها”.
قانون “يهودية الدولة” الذي جاء بناء على رغبة أحزاب اليمين المتطرف اليهودية التي تقود البلاد حاليا، جاء في هذه المرحلة ليعبر عن القوة الحقيقية وسطوة الحاخامات وتأثيرهم على الأداء السياسي للحكومة، فقد رجحت استطلاعات رأي أجرتها صحيفة معاريف مؤخرا فوز الأحزاب اليمينية بما فيها “الليكود، إسرائيل بيتنا، البيت اليهودي” بـ48 مقعدا من مقاعد الكنيست البالغة 120 مقعدا.
وحسب الاستطلاع، فإن حزب شاس للمتدينين الشرقيين، وحزب يهواه هتوراه لليهود المتدينين الغربيين سيحصلان على 15 مقعدا، بحيث يبقى هذان الحزبان بيضة القبان التي ستحدد أي معسكر سيشكل الحكومة المقبلة ومن سيترأسها. وهذه النتيجة حتما سترجح كفة اليمين المتطرف في الكنيست الأمر الذي سينعكس تلقائيا على تشكيلة الحكومة الحالية في ظل ضعف الأحزاب التقليدية.
يقول صالح النعامي المختص في الشأن الصهيوني، إن كبار حاخامات المستوطنات المقامة في الضفة الغربية تحديداً، يستغلّون تأثيرهم الكبير لدى الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم، ولا سيما “الليكود”، و”البيت اليهودي”، في محاولة فرض مرشّحين ينتمون للتيار الديني الصهيوني، ويتبنّون المواقف المتطرّفة لهذه المرجعيات.
لم يكن ينعكس تأثير اليمين الصهيوني على مقاعد الكنيست فقط، بل إنهم يسعون إلى السيطرة على كل مفاصل الدولة بما فيها الجيش ووسائل الإعلام، ففي الحرب الأخيرة على غزة وجه قائد لواء غفعاتي عوفر فينتر لجنوده رسالة قال فيها، “يا رب شعب إسرائيل نحن ذاهبون للقتال من أجلك، امنحنا بركاتك، فنحن ذاهبون لقتال العدو الذي يُدنس اسمك”.
هذه الرسالة تعبر عن مدى تغلغل المتدينين داخل الجيش الصهيوني، ففي مقالة نشرتها صحيفة معاريف، قالت إن حاخامات المستوطنات يؤثرون على وزير الدفاع موشيه يعلون وقراراته الخاصة بتعيين رئيس هيئة الأركان الجديد، فلهم ممثليهم في مقاعد الكنيست ووزرائهم في الحكومة، وأشارت إلى أن يعلون يركّز على مستقبله السياسي داخل حزب “الليكود”، ولا يضمن استقرار الأمر له إلا بدعم من الحاخامات.
وفي هذا السياق، أكّدت التقارير الرسمية أنّ الحاخامات باتوا يحتكرون معظم المناشط التثقيفية، التي يتلقّاها الجنود، وذلك بتشجيعٍ من مؤسسة الحاخامية العسكرية، التي حوّلت قواعد الجيش، وألويته، ونخبه المختارة، إلى ساحاتٍ يلقي فيها أكثر الحاخامات تطرّفاً محاضراتهم أمام الجنود.
وكشف اللواء احتياط زئيف دروري (قائد لواء غفعاتي السابق)، خلال شهادة أدلى بها للقناة العاشرة في التلفزيون “الاسرائيلي”، أن “التيار الديني الصهيوني” قرّر الوصول إلى قيادة “إسرائيل”، عبر التغلغل في قيادة الجيش ووسائل الإعلام”.
ومضى دروري قائلاً: “كان لي لقاء مع حنان بورات -أحد قادة التيار الديني الصهيوني- وقررنا خلاله أن نصل إلى قيادة الدولة. ثمة قناتان اجتماعيتان تقودان إلى قيادة الدولة، الأولى بلوغ مراتب الضباط الكبار في الجيش، والثانية تكون عبر الإعلام”.
وفي 21/8/2012، قال موقع “كيكار هشبات” الإلكتروني الحريدي الصهيوني إن يعقوب عميدرور مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو زار الزعيم الروحي السابق لحزب شاس الحاخام عوفاديا يوسف وأطلعه على معلومات بشأن البرنامج النووي الإيراني.
زيارة نتنياهو كان الهدف منها إقناع وزراء حزب شاس بتأييد هجوم محتمل ضد المنشآت النووية في إيران. إلا أن الصحيفة عادت وأكدت أن وزراء شاس يرفضون التحدث حول الموضوع الإيراني، وأنه يرجح أن رئيس الحزب ووزير الداخلية إيلي يشاي العضو في طاقم الوزراء التسعة يعارض هجوما ضد إيران.
بالإضافة إلى ما سبق فقد، نقلت القناة عن قائد سلاح التثقيف الرئيس في الجيش، الجنرال أفنير فاز تشوك، قوله إنّه ليس بوسعه منافسة الحاخامية العسكرية، في تقديم المناشط الثقافية للجنود، لأنّ أنشطة الحاخامية لا تكلّف الجيش أية التزامات مالية، في حين أنّ أنشطة جهاز التثقيف تحتاج إلى ميزانية مالية كبيرة.
وفي تصريحات نقلت عن قائد لواء “جفعاتي”، العقيد عوفر فينتور، بالتزامن مع موعد الحرب على غزة، قال لجنوده: إن الجيش يشنّ الحرب من أجل “الحفاظ على قدسية رب إسرائيل”. وقد تباهى فينتور خلال مقابلات تلفزيونية بثت أثناء الحرب، بتدمير المساجد وتحويل بلدة خزاعة، إلى أكوام من الركام.
يقول إحسان مرتضى وهو متخصص في الشأن الصهيوني، إنه خلال الحرب على لبنان عام 1982، أعلنت مجموعة من الحاخامات تأييدها لاجتياح لبنان الذي بحسب رأيها “إعاد ممتلكات سبطي نفتالي وآشير إلى حدود إسرائيل”. وذهب الحاخام يسرائيل آريئيل في حينه إلى أبعد من ذلك مؤكدا أن “حدود أرض إسرائيل تشمل لبنان حتى طرابلس في الشمال وسيناء وسوريا وجزء من العراق وجزء من الكويت”.
انعكس تأثير الدين في الكيان الصهيوني على كافة مكونات الدولة بما في ذلك تبنيها لشعارات ورموز دينية، فألوان العلم الإسرائيلي صارت بألوان شال الصلاة “طاليت” في اليهودية التقليدية، والشمعدان ذو الافرع السبعة (حانوكا) الذي اقرت تعاليم “الرب” بوضعه في المعبد صار رمزا للدولة نظرا لتعدد معانيه. فالذين شاركوا في تأسيس “إسرائيل” رأوا فيه تعبيرا عن استرجاع السيادة اليهودية والعودة إلى أرض الأجداد، أما المتدينون فوجدوا في اتخاذه شعارا بمثابة رضوخ لتعاليم الإله ونصوص التوراة.
في تصريح قديم للحاخام يسرائيل هارئيل رئيس مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية كان يقول فيه انه يوجد “وطنان آخذان بالتكوين في إسرائيل: وطن “الإسرائيليين” ووطن اليهود. أما “الإسرائيليون” فهم أغيار (غوييم) غرباء يتكلمون اللغة العبرية لا أكثر ولا اقل. وقد أنهكتهم الحروب وسئموا منها، ونسوا الصهيونية، ولم يعرفوا اليهودية يوما، وقد جاء (اسحاق رابين) ليقول لهم فوق ذلك كله أن لا خوف على امن إسرائيل، وان في وسعهم أن يطمئنوا بعد اليوم إلى أنهم لن يرحلوا عن هذه البلاد، فماذا بقي لهم إذن بعد هذا؟ يبقى لا شيء، يبقى الفراغ المطلق، وهو فراغ لن تستطيع العلمانية أو الديموقراطية أن تسده، فكلاهما لا تعتبر من القيم البنيوية الأساسية للشعب اليهودي.
وبمقدار ما كنا نقترب من تنفيذ اتفاقات أوسلو كان يبدو واضحا للفريق الأول، فريق المنتمين إلى وطن الإسرائيليين، أن الأرض قد غدت عقبة في وجه التطبيع، بينما كان يبدو للفريق الثاني، فريق المنتمين إلى وطن اليهود، أن التطبيع خطر على اليهودية الإسرائيلية”.
في مارس 2008 صدرت فتوى وقع عليها عدد من كبار الحاخامات اليهود المنضوين تحت لواء ما تسمى برابطة حاخامات أرض إسرائيل برئاسة الحاخام دوف ليؤور تقول إن الشريعة اليهودية تتيح قصف التجمعات السكانية المدنية الفلسطينية وأن التوراة تجيز إطلاق قذائف على مصدر النيران حتى ولو كان يتواجد فيه سكان مدنيون، لا بل إنهم قالوا إن الجيش غير مضطر لتحذير المدنيين قبل عمليات القصف.
خلال انسحاب آرئيل شارون من قطاع غزة، خرجت الأحزاب اليمنية من الائتلاف الحكومي للضغط عليه ورفضا لسياسته. كذلك حكومة إسحاق رابين سقطت لانتهاكها حرمة يوم السبت، وبحسب المتخصص في الشأن الصهيوني علمي موسى فإن رابين حضر استقبال أول طائرة f15 تصل إلى الكيان الصهيوني وخلال استقباله لها دخل يوم السبت الأمر الذي جعل الحريديم ينقلبون ضده ويسقطون حكومته.
يقول الدكتور صالح النعامي في أحد الأيام ذهلت سيدة عندما اندفع طفلها مذعوراً باكياً إلى داخل المنزل، وجارها ضخم الجثة يطارده. ولما لم تسارع الأم الواقعة تحت هول الصدمة لنجدته، اندفع طفلها نحو الحمام، فما كان من الجار إلا أن اقتحم الحمام في أثره حتى أمسك به، وأخرجه، وأمام ناظري أمه قام بضربه بشكل مبرح وبعد ذلك قام بعضّه. وقع هذا الحادث قبل سبع سنوات، في مستوطنة “نوكديم”، الواقعة في محيط مدينة “بيت لحم”. لم يكن هذا الجار المتوحش سوى مفاجأة الانتخابات “الإسرائيلية” الأخيرة أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، اليميني المتطرف الذي سجل مفاجأة كبيرة عندما فاز بخمسة عشر مقعداً، ليحل في المرتبة الثالثة بعد حزبي “كاديما”، و”الليكود”، ويتفوق على حزب العمل بزعامة أيهود براك، وهو الحزب الذي بنى الدولة وقادها على مدى عقود من الزمن.
اليمين الصهيوني يتقدم لعدة أسباب في الانتخابات، أولها ضعف اليسار والأحزاب التقليدية وغياب النخب السياسية التي شاركت في تأسيس “إسرائيل” بالإضافة إلى تبني أحزاب اليمين المدعومة من الحاخامات لمطالب اجتماعية لدى الشارع “الإسرائيلي” وسعيها لدولة يهودية.