مناقشة مقال: «عصيد من يحمي النساء من عنف الفقهاء؟»
بوجمعة حدوش
هوية بريس – الخميس 25 دجنبر 2014
ردّ الناشط الأمازيغي عصيد في مقال له بعنوان: “من يحمي النساء من عنف الفقهاء؟”، على مقال للدكتور أحمد الريسوني تحدث فيه على “نساء الحداثة”، وقد ارتأينا أن نناقش مقال عصيد لما يتضمنه من أفكار مشوهة وتمرير لمغالطات واهية.
وأول مغالطة أوردها عصيد هي عنوان مقاله الذي اعتبر فيه أن الفقهاء يعنفون النساء، ولا ندري من يقصد بـ”الفقهاء”؟ ومن أي معجم يستقي مصطلحاته؟
فالفقيه كما هو معروف في الفقه الإسلامي هو: “العالم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية”، فإذا كان يقصد هؤلاء مع علمه وتسليمه لهم بأنهم علماء في الأحكام الشرعية، فهذا يدل على أنهم أدرى بمصلحة النساء في الشرع منه لأنهم يتحدثون وفق الأحكام الشرعية لا من هواهم، فكان من الأولى أن يعنون لمقاله بـ: “من يحمي النساء من الأحكام الشرعية؟” أي من أحكام الإسلام.
أما إذا كان يقصد بـ”الفقهاء” ما اصطلح عليه العامة في تسميتهم لأئمة المساجد وخطبائها بـ”لفقي”، فالأولى له ألا يرد على الفقهاء الحقيقيين أمثال الدكتور الريسوني، وأن يكتفي بكتابة المقالات التي تناسب حجمه.
قال عصيد: “ومعركة الفقهاء ضد المرأة العصرية معركة طويلة“؛ وهذه جملة تحمل في طياتها من تنقيص عصيد للمرأة المغربية المحافظة ما لا يخفى على أحد خصوصا إذا علمنا أنه أوردها للرد على الريسوني عند حديثه على “نساء الحداثة”، وكأنه يقول أن هؤلاء النساء اللواتي تهاجمونهن، هن النساء العصريات المثقفات، أما غيرهن من النساء اللواتي تدافعون عنهن من المحافظات والمتخلقات وحتى المثقفات ثقافة إسلامية فهن “نساء تقليديات متخلفات” لا علاقة لهن بالعصرنة. ولا يدري أن هؤلاء النساء هن أكثر عصرنة وحداثة من غيرهن، فما كان في يوم من الأيام التقدم مرتبط بصبغ الوجه أو كشف الصدر.
وقال: “فبعد أن فشلوا في عرقلة خروجها من البيت (أي الفقهاء)، وانهزموا في منعها من ولوج التعليم في المدارس المختلطة، ولم يوفقوا في أن يلزموها بلباس معين يحددونه بأنفسهم ويشرفون على حراسته“. وهذه الجملة وقفت عندها مليا أتأمل المغالطات والتخاريف التي تحملها، فمن قال لعصيد أن الفقهاء يمنعون النساء من الخروج من بيوتهن، فإن كان يقصد قوله سبحانه للنساء: “وقرن في بيوتكن“، فليقل صراحة أنه فهم أن الله يمنع النساء من الخروج من بيوتهن، أما الفقهاء فلم يفهموا هذا على إطلاقه، وعندهم خروج المرأة بضوابط لا كما يريدها عصيد أن تخرج. وقال: “وانهزموا في منعها من ولوج التعليم في المدارس المختلطة“، وأتساءل هنا، وأين يدرس بنات الفقهاء إذا كانوا يمنعن النساء من المدارس المختلطة؟ ثم لماذا يدافع عن المدارس المختلطة بالضبط، هل لأن هذه المدارس تؤتي أكلها أفضل من المدارس الغير المختلطة؟ أما الواقع فيظهر العكس من ذلك تماما، وهذه أوروبا وأمريكا بدأوا في الفصل بين الجنسين في المدارس لما رأوا من خطورة المدارس المختلطة على الجنسين، فما الذي يستفيده عصيد من هذه المدارس المختلطة، وما هي إيجابياتها؟ نترك الجواب له.
وقال: “ولم يوفقوا في أن يلزموها بلباس معين يحددونه بأنفسهم ويشرفون على حراسته“، فهل لا يدري عصيد أن هذا اللباس الذي يتحدث عنه وهو فخور بأن بعض النساء لبسن غيره لم يُلزم الفقهاء به النساء ولم يحددوه هم لهن، بل الذي ألزمهن بذلك هو الله سبحانه عندما قال: “يا أيها النبيء قل لأزواجك وبناتك ونساء المومنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذن وكان الله غفورا رحيما“، فإن كان عصيد لا يوافق على هذا اللباس، فلا يتهم الفقهاء بأنهم ألزموا به النساء، بل عليه أن يعطي رأيه في آيات الحجاب، وليقل: إنه لا يتفق معها.
قال: “لم يعترف الفقهاء منه (أي من عقل المرأة) إلا بالنصف: “ناقصات عقل”“، وهنا ينسب حديث “ناقصات عقل ودين” للفقهاء، ونسي أو تناسى أنه حديث نبوي شريف فيه من الإعجاز ما فيه، ولا يحمل أي تحقير أو تنقيص للمرأة كما يظن عصيد، وليسأل عن عالمة النساء السيدة عائشة، حتى يفهم الحديث فهما صحيحا ولا ينسبه لغيره حيلة من أجل الطعن فيه، ثم ما الذي يمنعه من الطعن في الحديث النبوي صراحة كما طعن من قبل في رسائله واعتبرها أنها رسائل إرهابية.
قال: “المرأة العاملة لا وقت لديها لتختبئ وراء الخمُر والبراقع“، ونقول أن هذه المرأة التي تسيء لها وتصفها بأنها “تختبئ” فهي لا تختبئ، بل تمتثل قول ربها في لبسها للحجاب الشرعي، وإذا كنت تعتبر أن الدكتور الريسوني أساء إلى “نساء الحداثة” فإنك بهذا الكلام تسيء إلى أغلب نساء المغرب بدون لف أو دوران، فهل في نظرك أن المرأة المغربية المختبئة وراء الحجاب كما تصفها لا تحسن القيام بأعمالها لأن وقتها يضيع منها في لبسها للحجاب، فإن هذا الكلام مجرد هراء لا أساس له من الصحة، وخير دليل على ذلك أن الكثير من النساء المغربيات المحجبات قد حرزن قدم التفوق في كثير من المهن والوظائف الشريفة.
وفي نهاية مقاله قال: “بسبب غلو الفقهاء من أمثاله (أي الريسوني) أصبح الإلحاد والاستهتار بالأديان ظاهرة متفشية بشكل كبير“، وشر البلية ما يضحك، فهل هناك استهتار بالأديان وخصوصا الدين الإسلامي كما يستهتر به عصيد، وخير مثال على استهتاره بالإسلام هذا المقال، الذي عارض فيه آيات بينات واضحات صريحات وأحاديث نبوية صحيحة، وشجع المرأة على الخروج من بيتها على عكس مراد الله سبحانه وغير ذلك من استهتاراته بأحكام الإسلام.
أما عن غلو الفقهاء فهذا في نظر عصيد فقط أما الفقهاء -بالمفهوم الفقهي- فليسوا غلاة، بل هم علماء بالأحكام الشريعة غير معصومين؛ قد يصيبون وقد يخطئون، وتوظيف مصطلح “غلو الفقهاء” في هذا الموضع ليس في محله، فراجع مصطلحاتك.
هذه بعض المغالطات والأفكار الشوهاء التي حاولنا تصحيحها لعصيد، وإلا فالمقال كله مغالطات تحمل في طياتها حقدا لكل من يريد الإصلاح انطلاقا من ثقافة وقيم بلده، وحقدا على المرأة المغربية المحافظة؛ في مقابل الاحتفاء بنساء الحداثة أمثال الشاعرة التي كتبت بعض الأبيات الشعرية تصف فيها اللحظات الحميمية التي اشتاقت لمعاودة الاستمتاع بها مع المحترم عصيد.