المشروع التعليمي للأستاذ أحمد العامري بسبتة المحتلة الذي لم يكتب له النجاح
د. محمد القاسمي الريبوز
هوية بريس – السبت 10 يناير 2015
الأستاذ أحمد العامري هو أستاذ متقاعد ومدرس سابق بجامعة محمد الخامس بالرباط؛ له تجربة مشروع “سلسلة تعليم اللغة العربية”، “منهاج تعليم اللغة العربية للناشئين غير الناطقين بها”، و”سلسلة أخرى للتربية الإسلامية”، “منهاج تربية المسلم الناشئ”، بالمدارس والكتاتيب والمعاهد الخاصة بعدد من الدول الأوربية.
رأت هذه التجربة النور في أول مرة بفرنسا، حيث انتقلت الفكرة إلى مشروع عملي على أرض الواقع، ثم انتقلت التجربة بعد ذلك إلى بلجيكا، لما رأى لها استحسانا وقبولا إلى حد ما من عدد من الإخوة ومؤطري الجمعيات والمدارس الدينية هناك بهاتين الدولتين، وترجمت هذه السلسلة من الكتب إلى اللغة الفرنسية.
ومع بداية سنة 2009 انتقلت هذه التجربة إلى دولة إسبانيا، واتسعت رقعتها الجغرافية لتمتد بعدها إلى مدينة سبتة المغربية السليبة، لكن لطبيعة وخصوصية المدينة لم يحصل من الإخوة المؤطرين للجمعيات الإسلامية بسبتة الإجماع على قبول الفكرة أو رفضها؛ على كل حال تباينت الآراء حول هذا المشروع الوليد، والسبب واضح وهو أن أغلب المدارس والكتاتيب بسبتة المحتلة تقتني مقرراتها الدراسية من كتب وزارة التربية الوطنية المغربية.
وهذا لم يمنع أستاذنا -صاحب المشروع- من تنظيم أيام دراسية حول تجربته، وذلك باجتماعه مع أساتذة ومدرسي التربية الإسلامية واللغة العربية للناشئين بالمدينة لأجل أن يشرح لهم منهجه هذا بشيء من التفصيل، فخصص يوما دراسيا لإلقاء الضوء على كتاب “التربية الإسلامية”، فتكلم عن إيجابياته، وطريقة التعامل معه أثناء عملية التدريس، كما خصص يوما آخر مماثلا لكتاب اللغة العربية أيضا، بالإضافة إلى إلقائه الضوء على فكرته ومشروعه المنتظر، والهدف منها بشكل عام.
كما أوضح الأستاذ العامري أن زيارته كانت بطلب من عدد من الإخوة بالمدينة المذكورة، وتلقى استفسارات وأسئلة متنوعة من الأساتذة، وأعضاء الجمعيات، والقائمين على المجال الديني بالمدينة، وذلك يومي: 23 و24 من أبريل سنة: 2009م.
وبشكل عام فهناك الكثير ممن أخذ الفكرة بجدية وأبدى استعداده لملء ذلك الفراغ الحاصل في هذا الجانب بالذات، وهم غالبية الإخوة الذين طالما رفعوا صوتهم بتوحيد المقررات المدرسية في جل المدارس الخاصة بسبتة.
لكن من خلال حديثي في أكثر من مناسبة مع رئس اتحاد الجمعيات بسبتة السيد العربي علال تبين أن الأمر يحتاج إلى وقت أكثر ودراسة أكثر عمقا من أجل الحكم عليه لأن موضوع المقررات الدراسية دائما ما تعطى فيه الصلاحية للأستاذ هو وحده من يقرر ما الذي يراه مناسبا له، وبالتالي استبعدت الفكرة تدريجيا.
المواد والمقررات التي تدرس بمدارس سبتة السليبة
جل المدارس الدينية بسبتة التابعة للجمعيات الإسلامية تعتمد في مقرراتها بالأساس على تدريس الدين واللغة العربية، كعنوانين رئيسيين، أما العلوم الكونية الأخرى فيتلقوها في المدارس الإسبانية، إذ الغرض من هذا التعليم هو ربط النشء هناك بدينه ولغته، باستثناء المدارس الأهلية، فإنها تعتمد في مناهجها مقررات وزارة التربية الوطنية بالمغرب كاملة، في مختلف مراحلها، لأنها مدارس مستقلة ولها آفاق، حيث إن المتخرج منها يمكنه متابعة دراسته بباقي المدارس المغربية، أما باقي المدارس الخاصة الأخرى، فليس لها آفاق غير الثقافة الدينية واللغوية، لأن الذي يتابع دراسته بها لا يمكنه الانتقال بعدها إلى أي مؤسسات أخرى معترف بها، وهذه المواد المقررة هي على الشكل التالي:
– “وحدة اللغة العربية” يدخل تحت هذه الوحدة عناوين متفرعة عنها مثل: مبادئ علم النحو، القراءة والكتابة، الإنشاء، الخط والإملاء، التعبير الكتابي والشفوي، والصرف نادرا في بعض المدارس فقط، أما البلاغة والأدب وباقي أضرب اللغة، فالتلميذ غير مؤهل لقراءتها، ولا توجد حلقات التعليم في المساجد تهتم بتدريس باقي أبواب اللغة كالبلاغة والصرف، بل تكتفي بتقديم دروس في الوعظ والإرشاد.
– “وحدة التربية الإسلامية” يدخل تحتها أيضا: بعض العبادات والمعاملات، والسيرة النبوية، والحديث الشريف، والعقيدة، وقصص الأنبياء، وآداب، وأدعية، وأخلاق، والشمائل، تمشيا مع المذهب الفقهي، والعقدي الذي اجتمع عليه المغاربة، وتوحدوا عليه، المذهب المالكي في الفقه، والمذهب الأشعري في العقيدة، وذلك تطبيقيا، أما نظريا فإن مؤهلات غالبية التلاميذ في هذه المراحل لا تمكنهم من الخوض في هذه الأمور الجزئية بالنسبة لهم.
-“القرآن وعلومه” ويشمل أيضا: الاستظهار، وتفسير بعض الآيات كقصص الأنبياء وبعض السور الصغيرة، بالإضافة إلى مادة التجويد نظريا وتطبيقيا كل ذلك برواية ورش عن نافع.
فهذه هي المواد الرسمية التي تدرس بالمدارس الدينية بسبتة بشيء من التفصيل، إلا أن التوافق في تدريس هذه المواد بتلك المدارس غير ممكن، لأن كل مدرسة تقرر من هذه المواد ما تراه مناسبا لها، أو بعبارة أوضح كل مدرس يقرر ما يراه مناسبا في أغلب المدارس، وقليلة هي المدارس التي تسير على برنامج واحد وضع لأجل أن تسير عليه هذه المدرسة أو تلك، غير أن تلك المواد السالفة الذكر هي التي تمثل خارطة المقررات المدرسية داخل هذه المدارس.
هذا فيما يتعلق بالمواد المدرّسة، أما ما يخص مسألة وضع المناهج والمقررات، فقد سبق وأسلفنا القول: بأن أغلب المدارس الخاصة بسبتة تسند مسؤولية وضع المقررات ونظام التدريس إلى هيئة التدريس لديها بهذه المدارس، وفوق ذلك كله ليس هناك توحد بين هذه المقررات، وقد تجد أحيانا عدم توحيد المقررات حتى بين أساتذة المدرسة الواحدة، بل كل أستاذ يقتني ما يتناسب وطريقته في التدريس والمستوى الذي يدرس فيه، وهذه الكتب هي من مقررات وزارة التربية الوطنية بالمغرب.
ولقد كانت هناك أصوات تنادي بتوحيد المقررات بالتوافق بين جميع الأطراف المعنية بذلك، متذرعة بأنه عندما ينتقل تلميذ من مؤسسة إلى مؤسسة أخرى مماثلة يسهل دمجه بين التلاميذ، وذلك بناء على المستوى الذي كان عليه في المدرسة الأولى قبل انقطاعه عن تلك الدراسة، حيث يصعب حاليا تحديد مستوى التلميذ من خلال اختبار فردي، بينما يدعي أبواه أنه كان في مستوى أعلى من ذلك قبل انتقاله.
بينما يرى آخرون بأن ذلك لا يتلاءم والوضعية التي عليها التعليم الخاص والكتاتيب بالمدينة، وذلك لعدم الاستقرار، مع العلم أن أغلب التلاميذ لا يواصلون تعليمهم بانتظام في مدرسة معينة، بل تجد الواحد منهم يمر على عدد من المؤسسات في مدة وجيزة، ومنهم من يغادر التعليم بصفة نهائية.
فكلما بدأت سنة دراسية جديدة إلا وتفاجأ بوجوه جديدة لا تعرفها من ذي قبل، بينما الآخرون أغلبهم قد غيروا وجهتهم، إن لم يكونوا قد انفصلوا عن الدراسة نهائيا، مع العلم أن توحيد البرامج التعليمية والمقررات الدراسية يقتضي وجود عدد من المستويات التي يتدرج فيها التلميذ من سنة إلى أخرى، ومن قسم إلى آخر، وإن كنا نجد من يدعي هذا الاستقرار فالواقع خلاف ذلك، وخاصة عندما تقترب العطل الصيفية يقل عدد التلاميذ لارتباطهم بأسرهم التي تقضي معظم أوقات عطلها خارج المدينة.
نقول هذا لعدم توافق العطل الرسمية للدولة مع العطل التي تمنحها هذه المؤسسات الخاصة التي تلتزم معظمها بعطل المواسم الدينية، بينما العطل الرسمية للدولة تبدأ من شهر يوليوز فصاعدا.