اعتداءات «شارلي ايبدو»: القراءات والدروس
عزيز سعيدي
هوية بريس – السبت 24 يناير 2015
وقع الاعتداء على مجلة “شارلي ايبدو” ومات من مات وجُرح من جرح، ندد العالم بالحادث وتعبأ الجميع في معظم دول العالم وتفننوا في التعبير عن تضامنهم مع فرنسا و”شارلي ايبدو”، وأصبحوا “شارلي” عبر لافتات كُتبت بعناية وتم حملها في كل مكان، وغزت كل المواقع الإلكترونية حملات التضامن مع ضحايا الاعتداء، إنها صورة من صور ازدواجية المواقف التي يمارسها المجتمع الدولي والغربي على وجه الخصوص في تعامله مع الأحداث التي يعرفها العالم.
حادث «شارلي ايبدو» كما الحال في كل الحوادث التي يعرفها العالم كيفما كانت نوعيتها وكيفما كانت النتائج التي تمخضت عنها، استخلاص الدروس وقراءة مسبباتها وفحواها يُعتبر تمرينا أساسيا لابد منه مادام المستقبل يُرسم بالاعتماد على التاريخ وعلى الماضي وأحداثه. هنا وفي موضوع الاعتداءات على مجلة «شارلي ايبدو» كثيرة هي الدروس والخلاصات التي يمكن استخلاصها، فما هي أهمها؟
لقد اصطف الكثير إلى جانب فرنسا وتفاعلت الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية بكل أطيافها مع ما تعرضت له من اعتداءات مست أمنها واستقرارها، ووجد الكثير من المسلمين أنفسهم في هذا الحراك في موقف محرج إزاء ما وقع، هل يصطفون إلى جانب «شارلي ايبدو» رغم الاستفزازات المتكررة التي تقوم بها إزاء المسلمين ورموزهم الدينية المقدسة ورغم خطها التحريري الساخر الذي يتخذ المسلمين ودينهم ورموزهم الدينية موضوعا للسخرية بالرجوع لما تخوله لها قيم الجمهورية كما تدعي من حرية التعبير المطلق، وبالتالي حق السخرية من كل شيء ومن الجميع أو التغريد خارج السرب الذي يغذيه الإعلام الدولي الذي يدعي الوقوف إلى جانب من يواجهون الإرهاب والتطرف وبالتالي تحميل مسؤولية ما وقع للسياسات التي تنهجها فرنسا والدول الغربية تجاه الدول الإسلامية وتجاه المسلمين بصفة عامة أينما وُجدوا. سؤال حاولت معظم الدول الإسلامية التعامل معه بحذر فنددت بالاعتداء وقدمت واجب العزاء في الضحايا ودعت في نفس الوقت إلى احترام الإسلام والرموز الدينية للمسلمين وخصوصيتهم.
وفي هذا الإطار اختلف المسلمون في طرق التعبير عن رأيهم في ما وقع وانقسموا إلى جزأين، جزء حمل الشارات وأصبح “شارلي” كتعبير منه على تضامنه المطلق مع حرية التعبير في مواجهة التطرف والإرهاب وجزء “ليس شارلي”، ندد بالاعتداء من منطلق رفض القتل والإرهاب كيفما كانت الوسائل والطرق وذكر الذين تظاهروا لمساندة المجلة أن هذه الأخيرة أساءت كثيرا للإسلام والمسلمين وتمادت في ذلك رغم حملات التنديد التي قادها المسلمين في كل أرجاء العالم.
كما أن خروج بعض الصحفيين المغاربة للوقوف إلى جانب «شارلي ايبدو» أثار استياء فئة كبيرة من المغاربة وهم يتساءلون عن عدم مساندة هؤلاء للمغاربة عندما أودت فيضانات الجنوب بأرواح عدد كبير منهم، كما أنهم لم يخرجوا لمساندة مغاربة المغرب العميق في معاناتهم مع البرد والفقر ولا لمؤازرة من تم التنكيل بهم ومن مورس الظلم في حقهم من أبناء الوطن.
وعلى مستوى الداخل الفرنسي، فالحادث كان مناسبة لإظهار وحدة الفرنسيين وتضامنهم في تصديهم لمحاولات زعزعة استقرار بلدهم عندما عبروا عن ذلك في مسيرتهم التي خرجوا فيها بالآلاف وجمعوا حولهم مجموعة من قادة العالم وكبار المسؤولين من عدة دول جاؤوا خصيصا لمساندة فرنسا ووقوفهم إلى جانبها في محنتها رغم المؤاخذات التي رافقت المسيرة بخصوص مشاركة قادة دول ورؤساء حكومات مارسوا الإرهاب والتقتيل والتنكيل في حق شعوب نسيهم العالم ولم يُعر لمعاناتهم أي اهتمام كما حدث مع ضحايا الاعتداءات التي شهدتها فرنسا، ونذكر هنا حضور نتانياهو اللافت وبعض القادة الأفارقة.
من جهة أخرى، فقد شكل عنصر المفاجأة والمباغتة التي شكلته الاعتداءات عنصرا مهما وُضعت على أثره أجهزة الاستخبارات الفرنسية في قفص الاتهام وأظهر ذلك نواقصها على مستوى التدخلات الاستباقية وأثيرت موجة من الاستغراب من عدم تمكنها من رصد خطط منفذي الهجمات لتفادي حدوثها. وأظهرت كذلك القصور الذي لوحظ في التعاون الأمني والاستخباراتي بين فرنسا وبعض الدول التي تلعب استخباراتها دورا مهما في إفشال العمليات الإرهابية والإجرامية التي يُخطط لها في محيطها الإقليمي ومن بين هذه الدول التي أبانت عن علو كعبها في هذا المجال المغرب حيث لوحظ مؤخرا فتور في العلاقات المغربية الفرنسية انعكس بشكل كبير على مستوى التعاون الاستراتيجي في التصدي للإرهاب الذي يتهدد البلدين ومحيطهما.
وعلى مستوى تفاعلات الدول والحكومات مع الاعتداءات، فقد شكل موقف المغرب بانسحابه من المسيرة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي بمبرر رفع رسومات مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم بعدما قدم رسميا واجب العزاء والمساندة حدثا طغى على تعاليق المتتبعين الذين أشادوا بالجرأة التي أبان عنها المغرب في تعامله الحازم مع رسومات «شارلي ايبدو» المسيئة ووضع بموقفه هذا مجموعة من الدول التي شاركت في المسيرة في موقف محرج مع شعوبها التي أشادت بموقف المغرب وأعابت على رضوخ وخنوع دولهم بالمقابل وهو موقف ترسخ بمنعه لكل الجرائد والمجلات التي قامت بإعادة نشر رسومات «شارلي ايبدو» المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم.
وعلى مستوى علاقات الغرب بالعالم الإسلامي، غزت مجموعة من الفيديوهات العالم الافتراضي وتولت بعض وسائل الإعلام مهمة التشكيك في صدق الرواية الرسمية الفرنسية وحاول البعض تمرير رسائل ترتكز على وجود مؤامرة محبوكة للإيقاع بالمسلمين في ما وقع وحاول أصحابها تحليل مختلف الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام وتفننوا في إعطاء تبريرات لموقفهم الذي يرتكز على كون العملية من تدبير منظمات لا علاقة لها بالقاعدة ولا بالمسلمين ولا بالأخوين كواشي رغم تبني العملية عبر فيديو للقاعدة باليمن التي أعلنت مسؤوليتها، الأمر قد يبدو صحيحا وقد لا يعدو أن يكون جعجعة في فراغ لن يكون له أي تأثير على ما تعلنه الأجهزة الفرنسية الرسمية.
و ظهر كذلك جليا وبشكل لا يحتمل الشك بأن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في تعامل المجتمع الدولي مع الأوضاع والأحداث الدولية حقيقة لا يمكن انكارها وتتقوى كلما تعلق الأمر بعلاقة الإسلام والمسلمين بالغرب واتضح بأن المسلمين يواجهون غطرسة الغرب من موقف ضعف حيث أصبحوا كالمدافع الذي لا يملك وسائل الهجوم على حملات التشويه والتشهير بالإسلام والمسلمين التي يمارسها الغرب معتمدا على إعلامه المتطور والنافذ حيث تعبأت كل وسائل الإعلام الغربية ونقلت الوقائع لحظة بلحظة واستضافت لنفس الغرض أخصائيين في الجماعات الإسلامية والإرهاب حولوا بشكل مباشر أو غير مباشر الإسلام والمسلمين إلى متهم في انتظار تبرأته.
و في هذا السياق فبيع «شارلي ايبدو» لأكثر من خمسة (5) ملايين نسخة لعددها الأخير بعد الهجمات وازدياد الطلب على أعدادها دليل على تضامن الغرب والتفافه حول مجلة اتخذت منذ مدة الهجوم على المسلمين والإسلام موضوعا من بين مواضيع أخرى لجل أعدادها.
وكخلاصة لما سبق يظهر لي بأن الغرب في تعامله مع الأحداث التي شهدتها فرنسا وجد الفرصة ملائمة للإشارة بأصابع الاتهام مجددا للمسلمين سعيا منه لإضعاف موقفهم وربط الإرهاب بالإسلام والمسلمين وتخويف العالم كله بالمخاطر التي يشكلها الإسلام والمسلمين حتى يتمكن من مواصلة التدخل في شؤون دول تشتتت لمواجهة منظمات وتشكيلات إرهابية هو من شكلها وهو من ساهم بشكل أو بآخر في خلقها وتقوية وجودها بسياساته ونزعته الاستعمارية التي تميز علاقاته ببقية العالم وعلى وجه الخصوص العالم الإسلامي. كما يمكن الإشارة لضعف الموقف الإسلامي وضعف مبادراته في رده على كل الاتهامات التي تُوجه للمسلمين وكذا على التضييقات التي تُمارس في حقهم في مختلف أرجاء العالم وكذا ضعف السياسات والخطط التي يُفترض أن تُعوض الخطابات المتطرفة والإرهابية التي يُغذيها الفكر الإرهابي المتطرف.
وحتى يتجاوز المسلمون محنة الضغوط والهجمات الإعلامية والسياسية التي تُمارس عليهم أعتقد بأن المسلمين مطالبين أكثر من أي وقت مضى بتحسين صورتهم لدى الغرب وإظهار النموذج الإسلامي السمح والمعتدل الذي يتعامل ويتعايش مع كل الأديان ويحترم خصوصياتها، وعلى الدول الإسلامية أن تتدخل على أعلى مستوى لاحتواء الضغط الذي يُمارس في حقها عبر استغلال كل القنوات الدبلوماسية المتاحة واحتواء الاحتقان الشعبي الذي تعرفه جل المجتمعات الإسلامية بعد كل إساءة للإسلام ولرموزه الدينية، وعلى المجتمع المدني أن يلعب دوره في التأطير الديني الصحيح بالموازاة مع العمل الذي تقوم به الدولة لاستئصال الفكر الإرهابي الذي يُغلب العنف على الحوار والتعايش السلمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* خريج المدرسة الوطنية للإدارة وباحث في القانون العام والعلوم السياسية.