رسائل الشاب المسلم «الحسن باثيلي» إلى من يهمهم الأمر
محمد احساين
هوية بريس – الأحد 25 يناير 2015
قام شاب مسلم يعمل في المتجر اليهودي لبيع الأطعمة اليهودية في العاصمة الفرنسية باريس بعمل بطولي، أثار إعجاب العدو قبل الصديق ورفع به منسوب القيم الإسلامية المتحكمة في سلوك الرجل، وأبرزها بكل عفوية وشجاعة تلقائية في موقف قل نظيره؛ عندما أنقذ حياة 15 شخصا من مجزرة “شارلي”، بإخفائهم في غرفة تبريد، خلال الهجوم المسلح على المتجر نفسه.
إنه “الحسن باثيلي” الشاب المسلم الذي تعود أصوله إلى دولة إسلامية “مالي”، يعيش في باريس منذ العام 2006، ويتابع دراسته في إحدى الجامعات الفرنسية، وتطوع لإنقاذ مجموعة من الرهائن المحتجزين في المتجر من خلال نزوله إلى غرفة التبريد، ثم فتح الباب وأطفأ الكهرباء وجهاز التبريد في الغرفة، وقاد الزبائن إلى الداخل، وقال لهم: “التزموا الهدوء لأنني سأخرج”. وهكذا قاد الزبائن المصدومين إلى غرفة في الطابق السفلي حيث أغلق الثلاجة وطلب من الزبائن المرعوبين الحفاظ على الهدوء بينما عاد إلى الطابق الأرضي من المتجر اليهودي.
وعلى إثر ذلك تواترت ردود الفعل الإيجابية على العمل البطولي للشاب المالي؛ فاعتبرته مجلة إكسبريس الأسبوعية الفرنسية أحد الأبطال الذي يمتلك الشجاعة لحماية حياة الآخرين قبل أن يحمي حياته الخاصة. كما أشادت بعمله الشجاع مواقع التواصل الاجتماعي، وأشاد المسؤولون الفرنسيون بالشاب المالي المسلم لبطولته التي أظهرها، وأقدموا على معالجة ملف طلب الجنسية الفرنسية، كما أن الرئيس الفرنسي “فرانسوا أولاند” أجرى اتصالاً هاتفيًا بالشاب المالي، مقدمًا له تهانيه بسبب البطولة التي أظهرها خلال أزمة الرهائن بالمتجر، وأخيرا منحت الحكومة الفرنسية الشاب المسلم حسن باثيلي، جنسية بلادها…
فما هي الرسائل التي يمكن قراءتها من خلال هذا الإنجاز؟
أولا: الشاب المسلم تصرف من منطلق إيماني، ويطبق قوله تعالى في الآية 32 من سورة المائدة: “… أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” فكان سببا في رفع قتل الظلم عن أشخاص أبرياء غير محاربين، زبناء المتجر، فأسهم في إحياء نفس غير مستحقة للقتل، فاستنقذها من هلكة، وكأنه أحيا الناس جميعا عند المستنقذ.
ثانيا: إنها مبادرة من شاب مسلم (24 سنة) وقد تصرف انطلاقا من قناعته بكرامة النفس الإنسانية عند الله تعالى؛ حيث لا يجوز انتهاكها بالقتل مهما كانت جنسيتها أو لونها أو دينها، وتصريف لرحمة الله بعباده التي ينشرها على عامة خلقه وهي رسالة إلى كل مشكك في قيم الإسلام ومبادئه النبيلة ويتهمه بالإرهاب والتطرف.
ثالثا: إن الشاب المسلم تصرف بشكل إنساني، وأصبح الآن مثالا للتسامح والسلام الذي يمثله الدين الإسلامي. وحري بالأنظمة الغربية أن تفتخر بالشباب المسلم وتساعدهم على الاندماج في مجتمعاتها مع حفظ حقها في معتقدها وتيسير تدينها،
رابعا: الشاب “باثيلي” المسلم قدم مثالا للتضحية بحياته، ومن أجل إنقاذ الآخر المخالف له في العقيدة والدين، ومن منطلق التضامن والتعارف الإنساني، مصرحا بقوله: “أنا فخور جداً وتأثرت بشكل كبير”، مضيفا: “أنا لا أميز بين الناس، وشكل ولون وديانة الشخص غير مهمة، وفرنسا هي بلد حقوق الإنسان”. ولعل هذه رسالة إلى النظام الفرنسي بضرورة التعامل بالمساواة فيما يخصص احترام الحقوق الأساسية، وعدم التضييق ومحاصرة المسلمين في قيمهم وتدينهم ومظاهر لباسهم في حجابهم ولحاهم…
خامسا: عمل الشاب المسلم تجسيد للقيم الإسلامية في نبذ العنف الذي سببه التطرف اليميني المعادي للإسلام، ومن وسائله في ذلك الإساءة إلى الدين الإسلامي بمختلف التعابير، وعدم فسح المجال أو مساعدة المتطرفين في ارتكاب جرائمهم، وهي رسالة للمجتمع الفرنسي والغربي عامة على عدم مساعدة التوجهات المعادية للأديان كما تحارب العداء للسامية ومناقشة الهولوكوست.
سادسا: الحدث يبرز جهل أو تجاهل كثير من الغربيين لمبادئ الإسلام وحضارته وأسس هذه الحضارة القائمة على حسن التعامل مع الآخر، والتعايش معه في إطار من الاحترام والتسامح وتدبير الاختلاف، ونبذ الكراهية، مما يستدعي مراجعة البرامج والمناهج الدراسية في الأنظمة التربوية للدول الغربية لتصفيتها مما يثير الحزازات الدينية، ودمج حضارة الإسلام في التعليم الفرنسي كما دعا إلى ذلك الدكتور يوسف بن الغياثية، الباحث المقيم بكندا، في حديث مع هسبريس مشددا على أنه “لن يستقيم أي مجتمع بالكراهية واستعداء المسلمين، وجعلهم شماعة يعلق عليها الساسة فشل سياساتهم، فذلك سيحصد ضحايا كثيرين من الأبرياء سواء من هذه الطائفة أو تلك”… داعيا إلى تغيير المقررات الدراسية الفرنسية بإدماج مساهمة الحضارة الإسلامية في المجتمع الأوروبي، وعدم اختزال الحضارة في اليونان والرومان، والقفز إلى عصر النهضة، وكأنه يشتغل بالطاقة الشمسية، ولم تكن له صلة بما قبله وهو القرون الوسطى الإسلامية،حيث بغداد وفاس ومراكش والقاهرة وقرطبة وغيرها من الحواضر.
سابعا: رسالة أخرى تقرأ من خلال عمل الشاب المسلم مفادها ضرورة مساعدة شباب الهجرة على الاطمئنان على مستقبلهم والاعتراف بدورهم في بناء مجتمع الهجرة، ومعالجة ما يمكن أن يحملوه من قلق ومرض نفسي وسوء التأهيل والتربية، وانتشاله من الفاقة، وعدم تركه عرضة للجماعات المتطرفة، ومساعدتهم على التكييف والانفتاح الإيجابي على القيم الأخرى دون التنكر لقيمه، بدل تركه عرضة للتطرف، باعتبار “أن أغلب المتطرفين مهووسون ومصابون بنوع من الوسواس وأنهم يحاولون جاهدين البحث عن آخرين يتفقون معهم في رؤاهم، مثل أعضاء العصابات والطوائف المنغلقة، باحثين عن الانتماء إلى مجموعة لتقوية أفكارهم والحفاظ على هويتهم”. (من دراسة قامت بها جامعة ميشيغان حول الأسباب التي تجعل بعض الناس يقومون بأفعال إرهابية وأوردتها كود الإلكترونية بتاريخ 22يناير 2015)؛ حيث يرى فيها البروفيسور سكوت اتران: “أنهم معزولون في وسطهم الأول، وحين ينغلقون على القيم الجديدة التي اعتنقوها يعتقدون أنهم أبطال ومحاربون”.
ثامنا: باعتبار المعطيات المتوفرة تفيد أن مرتكبي جريمة “شارلي” من الشباب ذوي السوابق فإن الرسالة هنا موجهة إلى المؤسسات السجنية من أجل القيام بوظيفة التأهيل والإصلاح، والتشجيع على مراجعة المواقف، وتصحيح التمثلات والمفاهيم؛ لأن الملاحظ كثرة حالات العود، وأن بعض نزلاء المؤسسات السجنية -خاصة من ذوي التوجهات التطرفية- يتخرجون فيها أكثر تشددا وتطرفا، مما يؤدي بهم إلى الانتقام من المجتمع ومؤسساته، ومحاولة البحث عن هوية غريبة عن هوية المجتمع.