الوقف في الاسلام مفهومه مشروعيته أهدافه مجالاته أنواعه شروطه حرمة ماله

24 يوليو 2019 19:41
الأمثال الشعبية والعمق الديني للتراث الشفاهي

هوية بريس – عبد الرحيم مفكير

يشكل الوقف عصب الحياة بالنسبة للمجتمعات لاسيما الإسلامية، وقد كان له وما زال الدور الكبير والأثر البالغ في ترسيخ قيم التضامن والتماسك الاجتماعي والبر ، وقِيَم الرحمة والإحسان، والحرص على كلِّ المُثُل العليا، التي جاء بها الإسلام، بل جاءت بها الأديان كافَّة.ولم تقتصر معاني البرِّ والإحسان والرحمة على حاجات الإنسان المادية، بل اتَّسعت لتشمل الجوانب العقلية والنفسية والإنسانية، التي لا يحسُّ بها، ويفكِّر فيها، ويرصد لها ماله أو جزءًا من ماله إلا إنسانٌ صفت نفسه، وطهرت سريرته، وارتقى وجدانه، وحيَّ ضميره بحق.. بل أكثر من ذلك أنها لم تنسَ مخلوقات الله الضعيفة من الحيوانات والطيور والدوابِّ التي تشكو بغير لسان، وتبكي بغير دموع، وتتوجَّع ولا تكاد تبين.

مفهوم الوقف:

الوقف لغة : الحبس من التصرف. وشرعاً : شرعًا هو: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود، ويجمع على وقوف وأوقاف ، وقيل تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة في أوجه البر تقرباً من الله تعالى. و المراد بالأصل : ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقاء متصلاً، كالعقار والحيوان والسلاح والأثاث وأشباه ذلك . وحكمه : حكم الصدقة، مستحب من أعمال الخير والبر.

مشروعيته:
الأدلة على مشروعية الوقف ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فعموم الآيات المرغبة في الإنفاق في سبيل الله ، كقوله تعالى” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) (آل عمران: 92). و كقوله تعالى (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر و الملائكة و الكتاب والنبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة…) الى آخر الآية (البقرة:177) وأما السنة، فالأدلة من السنة كثيرة منها ما يلي:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}: “إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له” (رواه مسلم).و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال،  قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} “إن مما يلحق المؤمن من عمله و حسناته بعد موته علماً علمه نشره و ولداً صالحاً تركه أو مصحفاً ورثه أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته و حياته تلحقه من بعد موته” (رواه ابن ماجة و البيهقي بإسناد حسن ).عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال “من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده كان شبعه وريه وروثه وبوله حسنات يوم القيامة” (رواه أحمد البخاري والنسائي).وهذا كله مما ذكر يدل على فضل الوقف كذلك . و قد وردت خصال أخرى في السنة من خصال الصدقة الجارية (الوقف) بالإضافة الى الخصال الذكورة، ومجموعها يكون عشراً وقد نظمها السيوطي في أبيات:

إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من فعال غير عشر

 

علوم بثها ودعــــاء نجــــل و غرس النخل و الصدقات تجري

 

وراثة مصحف ورباط ثغر و حفر البئر أو إجراء نهر

 

وبيت للغريب بناه يأوي إليه أو بناءُ محل ذكر ِ

 

وتعليم لقرآن كريم فخذها من أحاديث بحصرٍ

 

و أما الإجماع فلأنه لم ينقل في مشروعية الوقف خلاف يعُتد به. قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي {صلى الله عليه وسلم} و غيرهم لا نعلم بين أحد من المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً. بعض الأمثلة للأوقاف في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم):وقد وقف رسول الله {صلى الله عليه وسلم} و وقف أصحابه المساجد و الأرض والآبار و الحدائق و الخيل. ولا يزال الناس يقفون من أموالهم الى يومهم هذا.وكان الصحابة الكرام هم السباقين الى الخيرات ، وذوو الغنى و المقدرة منهم كانوا يوقفون الأوقاف الخيرية، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه : “لم يكن أحدٌ من أصحاب النبي {صلى الله عليه وسلم} ذو مقدرة إلا وقف “. وهذه بعض الأمثلة على الأوقاف في عهد الرسول {صلى الله عليه وسلم} و صحابته الكرام:

عن أنس رضي الله عنه قال : لما قدم رسول الله {صلى الله عليه وسلم} المدينة وأمر ببناء المسجد قال: “يا بني النجار ! ثامنوني بحائطكم هذا ، فقالوا : و اللّه لا نطلب ثمنه إلا إلى اللّه تعالى. أي فأخذه فبناه مسجداً . (رواه الثلاثة)

وعن عثمان رضي الله عنه أن رسول اللّه {صلى الله عليه وسلم} قال ” من حفر بئر  رومة فله الجنة ” قال : “فحفرتها”. {رواه البخاري والترمذي و النسائي} . وفي رواية للبغوي:  “أنها كانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمُدٌ، فقال له النبي {صلى الله عليه وسلم} : تبيعها بعين في الجنة ؟ “فقال : يا رسول اللّه ليس لي ولا لعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي {صلى الله عليه وسلم} فقال: أتجعل لي ما جعلت له؟ قال نعم . قال : جعلتها للمسلمين.

وعن أنس رضي الله عنه قال : ” كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالاً وكان أحب أمواله إليه بيرحاء (بستان من نخل بجوار المسجد النبوي) وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول اللّه {صلى الله عليه وسلم} يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب . فلما نزلت هذه الآية الكريمة {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} (آل عمران:92) قام أبو طلحة إلى الرسول {صلى الله عليه وسلم} فقال: إن اللّه تعالى يقول في كتابه {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إلي بيرحاءُ ، وإنها صدقة للّه أرجو برها وذخرها عند اللّه فضعها يا رسول اللّه حيث شئت ، فقال رسول اللّه {صلى الله عليه وسلم} : بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه” (رواه البخاري والترمذي). قال الشوكاني : يجوز التصدق من الحي في غير مرض الموت بأكثر من ثلث المال لأنه {صلى الله عليه وسلم} لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به و قال لسعد بن أبي وقاص في مرض موته: “والثلث كثير”.

وعن ابن عمر رضي اللّه عنه قال : “أصحاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي {صلى الله عليه وسلم} يستأمره فيها فقال: يا رسول اللّه إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به؟ فقال له رسول اللّه {صلى الله عليه وسلم} “إن شئت حبست أصلها و تصدقت بها” فتصدق بها عمر: أنها لا تباع ولا توهب ولا تورث، و تصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل اللّه و ابن السبيل و الضيف، لا جناح علي من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول (أي غير متخذ منها ملكاً لنفسه). (متفق عليه)الوقف من خصائص الإسلام:والوقف من خصائص الإسلام، قال الإمام النووي: “وهو مما اختص به المسلمون”، وقال الإمام الشافعي:” لم يحبٌس أهل الجاهلية داراً ولا أرضاً فيما علمت، إنما حبٌس أهل الإسلام”. الحكمة من مشروعية الوقف: إن الحكمة في مشروعية الوقف: هو إيجاد مورد مالي دائم ومستمر لتحقيق أغراض مباحة من أجل مصلحة أو مصالح معينة. فبالوقف يتم تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بين الأمة الإسلامية و إيجاد التوازن بين المجتمع، وفيه ضمان لبقاء المال و دوام الانتفاع به و الاستفادة منه مدة طويلة ، وفيه استمرار للنفع العائد من المال الموقوف فيستمرّ ثوابه لواقفه حيّاً وميّتاً ، وبه تتحقق أهداف اجتماعية واسعة وأغراض خيرية شاملة كدور العلم و الوقف على طلبة العلوم الشرعية وتنمية المجتمع الإسلامي وإغنائه عما بيد عدوه. وفوق هذا وذاك إن الوقف امتثال لأوامر اللّه ورسوله بالإنفاق في سبيل اللّه فيحصل للواقف الأجر الكثير و المثوبة العظيمة عند اللّه تعالى يوم القيامة إذا أخلص في نيته.وقد كان للأوقاف في حياة الأمة الأثر البالغ والدور الفاعل ظهر ذلك في بناء المساجد والمدارس و الإنفاق علها وترتيب أرزاق المعلمين و الطلاب مما كان له الأثر الكبير في دفع مسيرة العلم و الدعوة إلى اللّه قدماً في تاريخ الأمة على مدى قرون متتابعة.

أهداف الوقف :

  • رجاء الأجر والمثوبة من الله تعالى: فالواقف يسعى لمرضاة الله و طلب جنته بتلك الحسنات الجارية التي يدرها ذلك الوقف عليه في حياته و بعد مماته.
  • تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفراد الأمة،وإيجاد عنصر التوازن بين الأغنياء والفقراء في المجتمع المسلم؛ إذ يعمل الوقف على تنظيم الحياة من خلال تأمين حياة كريمة للفقير وإعانة العاجزين من أفراد الأمة، وحفظ كرامتهم، من غير مضرة بالأغنياء، فيتحصل من ذلك مودة وألفة وتسود الأخوة، ويعم الاستقرار. وذلك يؤكد الوقف أواصر المحبة والقربة والأخوة الإسلامية حين يكون على الذرية، أو الأقارب والأرحام، أو أوجه البر والإحسان.
  • يضمن الوقف بقاء المال وحمايته،ودوام الانتفاع به، والاستفادة منه أكبر مدة ممكنة والمحافظة عليه من أن يعبث به من لا يحسن التصرف فيه. وهذا من شأنه أن يضمن للأمة نوعاً من الرخاء الاقتصادي، والضمان المعيشي.
  • نشر روح التعاون و المحبة بين المسلمين: فقدكان لانتشار الأوقاف الخيرية و المنافع العامة دور في غرس الخلاق الاعتدال و المحبة و الرحمة بين المسلمين و أن تخفيف المشاعر و الأمراض النفسية المتمثلة في الأنانية و البخل و الشح بالنسبة للواقفين و الكراهية و الحسد بالنسبة للمستضعفين و تصبح العلاقات القائمة في المجتمع هي التعاون وتبادل المنافع و المحبة و التراحم و الرحمة و الإخلاص في المجتمع.
  • تخفيف الأعباء الاجتماعية على الدولة: إن من أهم الأهداف التي يحققها الوقف هو تخفيف الأعباء عن كاهل الدولة وخاصة من الناحية الاجتماعية والصحية والتعليمية.
  • استقلالية العلماء: فالوقف على العلماء والدعاة وطلبة العلم يؤدي إلى استقلالية العلماء وأن لا يؤثر عليهم أحد في معاشهم لذا كان العلماء قبل ذلك اكثر جرأة و أقوى كلمة من الفترة الأخيرة و لقد وعى الاستعمار و الطغاة لهذه الفائدة فاخذوا في تقليص و بيع الوقف مما أدى إلى تبعية العلماء في مرتباتهم إلى الجهات الحكومية التي تضغط عليهم فأصبحوا أبواقا للحكومات ينفذون ما تأمرهم و يطيعونها في كل شان نظير ما يتقاضون من مرتبات.

شروط الوقف :

لصحة الوقف شروط أهمها:

  • أن يكون الواقف مسلماً حراً عاقلاً بالغاً مالكاً رشيداً فلا يصح من العبد لأنه لا ملك له، ولا من المجنون ومختل العقل بسبب مرض أو كبر ، ولا يصح الوقف من الصبي سواءً كان مميزاً أو غير مميز. ولا يصح الوقف من غير المالك إذ لا بد للواقف أن يكون مالكاً الموقوف وقت الوقف ملكاً كاملاً. و كذلك اشترطوا في الواقف أن يكون رشيداً غير محجور عليه بسفه أو فلس أو غفلة.
  • أن يكون الوقف مؤبداً غير مقيد بمدة.
  • أن يكون مالاً متقوّماً من عقار أو غير عقار مثل الحيوان و السلاح و الكتب و المصاحف و غيرها من المنقولات، ويصحّ كذلك وقف الحلي للبس أو الإعارة لأنها عين يمكن الانتفاع بها دائماً فصحّ وقفها كالعقار.
  • أن يكون فيما أصله يدوم الانتفاع به فلا يصح وقف الطعام و الرياحين لسرعة فسادها
  • أن يكون الموقف معلوماً محدداً .
  • أن يمكن الانتفاع بالموقف عرفاً.

صيغة الوقف:

ينعقد الوقف بأحد أمرين (الأول) بالقول الدال على الوقف بألفاظ صريحة مثل أن يقول: “وقفت” و “حبست” و “سبلت” أو بألفاظ كناية مثل أن يقول: “تصدقت ” و “حرٌمت” و “أبّدت”. وفي الصورة الأخيرة يشترط أن تقترن نية الواقف مع لفظه. (الثاني) ينعقد الوقف كذلك بالفعل الدال على الوقف في عرف الناس، كمن بنى مسجداً وأذن للناس بالصلاة فيه إذناً عاماً، أو جعل أرضه مقبرة وأذن للناس بالدفن فيها.

أنواع الوقف و محله:
ينقسم الوقف بحسب الجهة الأولى التي وقف عليها في الابتداء إلى ثلاثة أقسام:

الوقف الذري : وهو أن يجعل الواقف الوقف في ذريته و أقاربه.

الوقف الخيري : وهو ما يصرف ريعه على جهة خيرية كالفقراء و المساكين و بناء المساجد والمستشفيات و دور الأيتام وغيره

الوقف المشترك : وهو الذي يوقف في أول الأمر على جهة خيرية ولو لمدة معينة ثم من بعدها إلى الذرية و الأقارب ، كأن يقول الواقف أوقفت هذه الدار على الفقراء والمساكين مدة سنة ثم على نفسي وأولادي. أو العكس كأن يوقف على الذرية و الأقارب مدة معينة ثم بعدهم على جهة خيرية.نوع عقد الوقف و حكم التصرف فيه:الوقف عقد لازم بمجرد ثبوته بأي قول أو فعل دال عليه سواء حكم به قاض أم لا.إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز التصرف في الوقف ببيع أو هبة أو نحوهما ، كما أنه لا يجوز الرجوع فيه.

مجالات الوقف:

حفظ الدين وبيضته: وذلك عن طريق الإسهام في جميع الأوقاف التي تخدم الجانب الدينيّ، كوقف السلاح والمصاحف والكتب، والمساجد والدور والزوايا والأربطة ودور العلم والمدارس والمكتبات، وأوقاف الحرمين والهيئات الدعوية والمرافق التابعة لكل ذلك، واستثمارُ الأوقاف المخصصة لها، وجعل غلتها في مصلحتها .

 الوقف  على المساجد : ولقد ساهم أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم- في الوقف على المساجد و الجهاد في سبيل الله و نذكر لكم عدة أمثلة:  عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ كَانَ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَامِنُونِي بِهِ يَا بَنِي النَّجَّارِ، قَالُوا: لا نَبْتَغِي بِهِ ثَمَنًا إِلا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَطَعَ النَّخْلَ، وَسَوَّى الْحَرْثَ، وَنَبَشَ قُبُورَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ) (أخرجه البخاري. وحديث أبي طلحة – رضي الله عنه – في وقفه لأحب ماله إليه (بيرحاء) صدقة جارية لله، معروف ومشهور.

الوقف على الجهاد في سبيل الله: عن عمر رضي الله عنه قال: كانت أموالُ بني النضيرِ مِمَّا أفاء الله على رسوله مما لم يُوجِفِ المسلمون عليه بخَيلٍ ولا رِكَابٍ، كانت لرسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلم – خالصاً، يُنفِقُ على أهل بيتِه -قال ابن عَبْدةَ: يُنفِق على أهلِه- قُوتَ سنةٍ، فما بقي جُعِلَ في الكُراعِ وعدَّةً في سبيل الله. أخرجه البخاري ومسلم. وأما خالد رضي الله عنه فقد احتبس أدراعَه وأعتُدَه في سبيل الله.

وعن عمرو بن عبد الله بن عنيسة قال سمعت محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان يقول لم يزل خالد بن الوليد مع أبي عبيدة حتى توفي أبو عبيدة واستخلف عياض بن غنم الفهري فلم يزل خالد معه حتى مات عياض بن غنم فاعتزل خالد إلى ثغر حمص فكان فيه وحبس خيلا وسلاحا فلم يزل مقيما مرابطا بحمص حتى نزل به فدخل عليه أبو الدراداء عائدا له فقال خالد بن الوليد إن خيلي هذه التي حبست في الثغر وسلاحي هو على ما جعلته عليه عدة في سبيل الله وقوة يغزى عليها ويعلف من مالي وداري بالمدينة صدقة حبس لا يباع ولا يورث وقد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب ليالي قدم الجابية وهو كان أمرني بها ونعم العون هو على الإسلام والله يا أبا الدرداء ألئن مات عمر لترين أمورا تنكرها )أخرجه ابن عساكر في تاريخه.

ووقف الملكُ المظفر الأول تقي الدين عمر بن شاهنشاه صاحب حماة وقفًا على جماعة خيَّالة ورجَّالة برسم الجهاد، وشرط عليهم أن يكونوا في أقرب الموانئ إلى دمشق، فصاروا يجولون على شواطئ البحر المتوسط، حتى إذا استوطن المسلمون مدينة بيروت -بعد دحر الصليبيين وإخراجهم منها-استقر المجاهدون فيها لقربها من دمشق.

الوقف لحفظ العرض والنسل: ويُعد الوقف من أبرز الوسائل المعينة على ذلك، عن طريق الأوقاف المختصة بتجهيز المتزوجات وتزويج المسلمين، وتزويدهم بما يحتاجونه من أثاث ومتاع وماعون ونحوها، كما له فضل كبير في القضاء على كل ما يضر بجانب العرض، ويكفي أن تتأمل – يا رعاك الله – فيما خرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، قال: اللهم، لك الحمد على غني، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم، لك الحمد على زانية، وعلى غني، وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق يستعف بها عن سرقته”.

وقف الأعراس: وقف لإعارة الحلي والزِّينة في الأعراس والأفراح، يَستعير الفقراء منه ما يَلزمهم في أفراحِهم وأعراسهم، ثم يُعيدون ما استعاروه إلى مكانه، وبهذا يتيسَّر للفقير أن يَبرز يوم عرسه بحُلَّة لائقة ولعروسه أن تجلَّى في حُلَّة رائقة؛ حتى يَكتمل الشُّعور بالفرح، وتَنجبِر الخَواطِر المَكسورة.

وقف على الفقراء والمساكين: وقف الأراضي و الشركات و المياه على المحتاجين من المسلمين.

الوقف التعليمي : ومنه الوقف التعليمي على العلماء وطلبة العلم   و ذلك عملا بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا نَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ.(أخرجه ابن ماجه.

وفي المجال التعليمي والثقافي، انتشرت المكتبات ودُور العلم، وظهرت المدارس الوقفية ومرافقها، وما في ذلك من خدمات، كما أوقفوا لتلكم الأوقاف الاستغلاليةِ أوقافًا استثماريةً تجارية تعود غلَّتها عليها أيضًا. فكانت الخانقاه،أولًا “تم إنشاء مدرسة بنيسابور منذ بداية القرن الرابع الهجري، أنشأها الإمام أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الشافعي”، والخانقاه عند أهل اللغة: “بُقْعَةٌ يَسْكُنُها أَهْلُ الصَّلاةِ والخَيْرِ، والصُّوفِيَّة”، وزاد عليها ابن حبان وظيفة التعليم. و مدرسة أبي الوليد قبل سنة (349هـ)، ثم مدرسة محمد بن عبد الله بن حماد (ت 388هـ)، فيحتمل أن تكون دورًا أو خانقاه، والله أعلم. وفي هذه المرحلة ظهرت دُور العلم ومكتباتها، وهي دُور أشبه بالمدارس بل بالجامعات.

الرعاية الصحية: من أهم الأمور التي اهتم بها المسلمون فأسسوا المستشفيات ودور الرعاية الصحية وأوقفوها على المسلمين . و نجد أن أول مستشفى بعد بعثة خير الخلائق محمد صلى الله عليه وسلم كان وقفا أسس في عهد الوليد بن عبد الملك وخصص هذا المستشفى لعلاج المجذومين وبه أطباء متخصصون وتجري على المرضى فيه الأرزاق والرواتب للعاملين. وكذا وقفت المستشفيات للمدارس أيضا لعلاج طلبة العلم والعلماء، ومستشفيات للفقراء والمساكين كالمستشفى النوري الكبير الذي أسسه السلطان العادل الشهير نور الدين سنة 549 هـ. ويذكر ابن جبير في رحلته: أنه لما ورد بغداد، وجد حيًّا من أحيائها كان يسمى بسوق المارستان، كل ما تحويه من مرافق ومبان أوقاف لعلاج المرضى، فكان بمثابة حيٍّ طبيٍّ، وكان هذا الحي قبلة كل مريض، حيث يجد فيه طلبة الطب والأطباء والصيادلة الذين أخذوا على عاتقهم تقديم خدماته لقاء ما كان يجري عليهم من الخدمات والنفقات من أموال الوقف.

الوقف على الحيوان : ومن عجائب غرائب الوقف، الوقف على الحيوان ورعايته فقد كان من مجالات الوقف على الكلاب الضالَّة: وهو وقف في عدَّة جهات يُنفق من رَيعه على إطعام الكلاب التي ليس لها صاحب، استنقاذًا لها من عذاب الجوع، حتى تستريح بالموت أو الاقتناء.

وقف الأواني المكسورة:وهو وقف تُشترى منه صحاف الخزف الصيني، فكلُّ خادم كُسرت آنيته، وتعرَّض لغضب مخدومه، له أن يذهب إلى إدارة الوقف فيترك الإناء المكسور، ويأخذ إناءً صحيحًا بدلاً منه؛ وبهذا ينجو من غضب مخدومه عليه.

وقف الزوجات الغاضبات:وهو وقف يؤسَّس من رَيعه بيت، ويعدُّ فيه الطعام والشراب، وما يحتاج إليه الساكنون، تذهب إليه الزوجة التي يقع بينها وبين زوجها نفور، وتظل آكلة شاربة إلى أن يذهب ما بينها وبين زوجها من جفاء، وتصفو النفوس، فتعود إلى بيت الزوجية من جديد.

وقف مؤنس المرضى والغرباء:وهو وقف يُنفق منه على عدَّة مؤذنين، من كلِّ رخيم الصوت، حسن الأداء، فيرتلون القصائد الدينية طول الليل، بحيث يرتِّل كلٌّ منهم ساعة، حتى مطلع الفجر، سعيًا وراء التخفيف عن المريض، الذي ليس له مَن يخفِّف عنه، وإيناس الغريب الذي ليس له مَن يؤنسه.

وقف الإيحاء إلى المريض بالشفاء:وهو وقف فيه وظيفة من جملة وظائف المعالجة في المستشفيات، وهي تكليف اثنين من الممرِّضين يقفان قريبًا من المريض، بحيث يسمعهما ولا يراهما، فيقول أحدهما لصاحبه: ماذا قال الطبيب عن هذا المريض؟ فيردُّ عليه الآخر: إن الطبيب يقول: إنه على خير، فهو مرجو البُرء، ولا يوجد في عِلَّته ما يُقلق أو يزعج، وربما نهض من فراش مرضه بعد يومين أو ثلاثة أيام. فهذا لون من الإيحاء النفسي للمريض يقرِّب الشفاء، واكتساب العافية، وقد ثبت علميًا: أن هذا له أثره الإيجابي في التعجيل بالشفاء بإذن الله.

وقف في بلاد المغرب لمن عجز عن دفع أجرة الحمام:وفي بلاد المغرب: عُرفت أنواع أخرى من الأوقاف، مثل: الوقف على مَن يريد دخول “الحمَّامات العامَّة” ولا يجد أجر الحمَّام، فيأخذ من هذا الوقف ما ينظِّف به جسده، ويقضي وطره.

وقف على نوع مهاجر من الطير:وفي مدينة فاس: وُجد وقف على نوع من الطير، يأتي إلى فاس في موسم معيَّن، فوقف له بعض الخيِّرين ما يعينه على البقاء، ويسهِّل له العيش في تلك المدَّة من الزمن، كأنما شعر هؤلاء الخيِّرون من المسلمين: أن هذا الطير المهاجر الغريب له على أهل البلد حقَّ الضيافة والإيواء!!

وقف في الشام على القطط التي لا مأوى لها:ومما ذكره الأستاذ الدكتور السباعي في كتابه (اشتراكية الإسلام): وقف رعاية الحيوانات الأليفة التي لا تجد مَن يطعمها، كالقطط – ولا سيما المصابة بالعمى منها – مثل (بيت القطط) الذي قال: إنه كان إلى عهد قريب موجودا في سوق (ساروجة) بدمشق، وكان فيه ما يزيد على أربع مائة قطة من الفارهات السمان!! .

وهكذا سلك الواقفون كلَّ مسالك الخير، فلم يدعوا جانبًا من جوانب الحياة، دون أن يكون للخير نصيب فيه؛ وهم بهذا إنما يصدرون عن إحساسات إنسانية عميقة، تنفذ إلى مواطن الحاجة التي تعرض للناس في كلِّ زمان ومكان، بل هي لم تقتصر على الإنسان، حتى شملت الطير والحيوان!! ولا شكَّ أن العقيدة هي صاحبة الفضل في خلق هذه الأحاسيس الرقيقة، وإيقاظ تلك المشاعر السامية التي تنبَّهت لتلك الدقائق، في كلِّ زاوية من زوايا المجتمع، وكلِّ منحى من مناحي الحياة. ولم يكفِهم أن يكون برُّهم مقصورًا على حياتهم القصيرة، فأرادوها صدقة جارية، وحسنة دائمة، يُكتب لهم أجرها ما بقيت، وبقي مَن ينتفع بها من إنسان وحيوان.

 حرمة مال الوقف وحمايته:

يعد مال الوقف من المال العام الذي حرم الله تعالى عليه وجرم سبحانه أكله وتوعده بالعذاب الأليم قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾ [البقرة: 188].والله تعالى توعَّد بالوعيد الشديد لِمَن أخَذَ من المال العام شيئًا، فقال: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 161].

 ما هي الوسائل التي  نحافظ بها على بقاء الوقف واستمراره ؟

ضبط الاسلام التصرُّف في المال بحدود المصلحة العامة التي قف من أجلها عن نافع عن ابن عمر أن عمر تصدق بمالٍ له على عهد رسول الله ((صلى الله عليه وسلم)) وكان يقال له ثمغٍ وكان نخلاً فقال عمر يا رسول الله إني استفدت مالاً وهو عندي نفيسٌ فأردت أن أتصدق به فقال النبي ((صلى الله عليه وسلم)) تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره) أخرجه البخاري.

كما حرَّم الإسلام الاعتداء على مال الغير بالسرقة، أو السطو، أو التحايُل، وشَرَع العقوبة على ذلك؛ قال – تعالى -: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38].

وأوجب الضمانَ على مَن أتْلَفَ مالَ غيره؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمه، وماله، وعِرْضه” ولا خلاف بين الفقهاء في أنَّ مَن أتْلفَ شيئًا من أموال بيت المال بغير حقٍّ، كان ضامِنًا لِمَا أتْلَفَه، وأنَّ مَن أخَذَ منه شيئًا بغير حقٍّ لَزِمَه ردُّه، أو ردُّ مِثْله إنْ كان مثليًّا، وقِيمته إنْ كان قِيميًّا،

منع الإسلام إنفاقَ المال في الوجوه غير المشروعة، وحثَّ على إنفاقه في سُبل الخير، وذلك مبنيٌّ على قاعدة من أهمِّ قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي، وهي أنَّ المال مالُ الله، وأنَّ الفردَ مستخلفٌ فيه ووكيلٌ؛ قال -تعالى -: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ﴾ [الحديد: 7]، ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33].

وأوجب على المتعدي عليه النار: في الصحيحين عن عمر – رضي الله عنه -: “لَمَّا كان يوم “خَيْبر” أقْبَلَ نفرٌ من صحابة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرُّوا على رجلٍ، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلاَّ؛ إني رأيْتُه في النار في بُرْدَة غَلَّها أو عَبَاءَة))، ثم قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا ابن الخطاب، اذْهَبْ فنادِ في الناس، أنَّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون))، قال: فخرجتُ، فناديتُ: ألاَ إنَّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون”.

حالات انتفاع الواقف بالموقوف: 

أن يقف شيئاً للمسلمين فيدخل في جملتهم مثل أن يقف مسجداً فله أن يصلي فيه أو مقبرة فله الدفن فيها أو بئراً للمسلمين فله أن يستقي منها أو سقاية أو شيئاً يعم المسلمين فيكون كأحدهم ، وهذا لا خلاف فيه لما روي عن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه أنه سبّل بئر رومة وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين .

أن يشترط الواقف في الوقف أن ينفق من ريعه على نفسه أو أهله فيصحّ الوقف و الشرط.إبدال الوقف و بيعه إلا إذا كان في ذلك مصلحة له مثل مسجد هجر الناس موضعه فلا بأس بإبداله في موضع آخر، أو بيت تهدم و هجر الناس موضعه يباع و يشتري أفضل منه في موضع أنسب ، و يكون ذلك تحت نظر المحكمة الشرعية لأنها تقدر المصلحة و لئلا يحصل التلاعب بالأوقاف أو الخطأ فيها.

=============================================================================================

 انظر كتاب “نظام الوقف في الفقه الإسلامي” لفضيلة العلامة يوسف القرضاوي.

من بيان لوزير الأوقاف الشيخ أحمد الباقوري عن الأوقاف ودورها، ألقاه في مجلس الشعب المصري.

 انظر: اشتراكية الإسلام للسباعي ص ـ110 –

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M