جبر المستهاض بجلاء مرير واقع الإجهاض

13 مارس 2015 23:01
جبر المستهاض بجلاء مرير واقع الإجهاض

جبر المستهاض بجلاء مرير واقع الإجهاض

د. محمد ويلالي

هوية بريس – الجمعة 13 مارس 2015

تم قبل يومين افتتاح اللقاء الوطني حول تقنين الإجهاض، الذي حضره ممثل منظمة الصحة العالمية بالمغرب، وممثل صندوق الأمم المتحدة للتنمية، واجتهد أغلب من أسهم في هذا اللقاء في الدعوة إلى إعادة النظر في القانون الجنائي المغربي، الذي ينص في مادته 449 على أن: “كل من أجهض، أو حاول إجهاض امرأة حبلى، أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه، سواء كان ذلك بواسطة طعام، أو شراب، أو تحايل، أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من 200 د إلى 500 د”؛

واعتبروا هذا الحكم جائرا، ومتشددا، وقاسيا، ومتجاوزا، وغيرَ محترِم لقيم المغاربة الاجتماعية، والثقافية، والأخلاقية، ومتعارضا مع القوانين الدولية التي تَعتبر مثل هذا الحكم متنافيا مع حقوق الإنسان، ومنها الحقوق الإنجابية للمرأة، التي لها أن تنجب كيف شاءت، ولو كان ذلك خارج العلاقة الشرعية، فإذا لم ترغب في حمل شرعي أو غير شرعي، فلها إجهاضه والتخلص منه بطريقة علنية وعلى رؤوس الأشهاد، مع أن دراسة أجريت سنة 2008 على 27 بلدا، أوضحت أن من أسباب الإجهاض:

– الرغبة في تأخير الحمل.

– وقت الحمل غير مناسب.

– الرغبة في إنهاء الحمل تماما.

– القلق من انقطاع عمل المرأة أو تعليمها.

– عدم كفاية الدعم الاقتصادي للأسر.

– اضطراب العلاقة الزوجية.

– الخوف من ولادة أشخاص معاقين.

– تفضيل الأطفال من جنس معين.

ولم تذكر السبب الرئيس المبيح للإجهاض وهو الخوف على صحة الأم، كما نص عليه فقهاء المسلمين، وكما أشار إليه الفصل 453 من القانون الجنائي المغربي الذي يرى جواز الإجهاض “إذا استوجبته المحافظة على حياة أو صحة الأم”.

ويعتذر البعض بالخوف من فضيحة الزنا، وضرورة الستر على الجاني والمجني عليها، ويرون ذلك من مقاصد الشريعة في الأحكام، ونسوا أن ذلك لو كان جائزا على إطلاقه، لأمَرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- الغامديَّةَ التي زنت بإجهاضِ جنينِها، ولكنه أمهلها حتى تلد، وتفطم وليدها، ويستقل عنها، ثم نفَّذ فيها حكم الزنا، ليشهد لها -بعد ذلك- بأنها: “تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ” صحيح سنن أبي داود، بعد أن دفع بالمولود إلى من يكفله ويرعاه.

أليس هذا تأصيلا حقيقيا لحق الجنين في الحياة، الذي لا ذنب له في إعدامه، سوى جريمة الزنا أو الخيانة ترتكبها امرأة تحادُّ بها شرع الله، وتتعدى بها حدوده، وهو القائل -سبحانهـ: “وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى“؟

ومتى كانت المعاصي أسبابًا للرُّخَصِ؟ إن الذي يسافر سفر معصية لا يستفيد من رخصة قصر الصلاة، وجمعها، والفطر في رمضان. قال الإمام القرافي في “الفروق”: “فأما المعاصي فلا تكون أسبابًا للرُّخَصِ، ولذلك العاصي بسَفَرِه لا يَقْصُر ولا يُفْطِر، لأن سبب هذين السَّفَرُ، وهو في هذه الصورة معصيةٌ، فلا يُناسب الرخصة؛ لأنَّ ترتيب الترخيص على المعصية سعْيٌ في تكثير تلك المعصية، بالتَّوْسِعَةِ على المكلَّفِ بِسببها”.

ولو كان إسقاط الجنين خاضعا لرغبة الزوج أو الزوجة، لأباحه النبي – صلى الله عليه وسلم – للرجل الذي سأله فقال: “إِنَّ لِيَ جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا، وَسَانِيَتُنَا (تسقي النخل)، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ. فَقَالَ -صلى الله عليه وسلمـ: “اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا“. فَلَبِثَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ. فَقَالَ: “قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَامسلم.

فقد علم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الرجل كَرِه هذا الحمل، ومع ذلك لم يبح له إسقاطه، ولم يستفصله: أهو قبل نفخ الروح فيه، أم بعد النفخ؟ حتى لا يفتح الباب لتحكم هوى الناس في نَسَمة خلقها الله لتعيش وتحيى.

أما التفاصيل الفقهية، ودراسة الحالات الفردية، وتقدير المصالح والمفاسد، فهو مبثوث في كتب الفقه بشروطه وضوابطه، لا بدعوى مسايرة العصر، والخضوع للقوانين الدولية، والحرية الفردية، ومحاربة الإجهاض السري، وأن هذا العمل من الشفافية التي ستعطي المغربَ مصداقية أكثر أمام دول العالم فيما يخصّ الحقوق والصحة الإنجابية، وأن الحل يكمن في عدم نعت هذا المولود بابن الزنا، وإجبار الأب على منح اسمه لابنه من الزنا، ضمانا -كما زعموا- لحقوق هذا الطفل، وغير ذلك من الدعاوى التي من شأنها أن تزيد من استفحال ظاهرة الزنا، والخيانة، واختلاط المياه والأنساب، والانحطاط الخلقي الذي يجب أن يعالَج من أصله، لا من خلال تكييف نتائجه، والتماس الأعذار لمقترفيه.

ولم نكد نجد في شيء من حديثهم عن الإجهاض يتعلق بعلاج فاحشة الزنا، واستحضار موقف الشرع منه، وبيان خطورته التي نتجرع اليوم مرارتها بكل أسى وحزن. يقول الله تعالى: “وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا“، وهو نهي لا يتعلق بالزنا مباشرة وحسب، بل بقربانه -أيضاـ، وكأن الشرع أراد أن نجعل مسافة بيننا وبين الفعل، فلا نحوم حوله ولا نقرب أسبابه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِمتفق عليه.

فالصالح الخاص من كل فساد***فلا يحوم حــوله ولا يكــاد

ولذلك صرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بشديد تخوفه من هذه الفاحشة الخطيرة فقال: “إن أخوف ما أخاف عليكم الزنا والشهوةُ الخفيةصحيح الترغيب.

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ تَزَالُ أُمَّتِى بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا، فَإِذَا فَشَا فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَيُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِعِقَابٍصحيح الترغيب.

هذا في الدنيا، أما عذاب يوم القيامة فأشد وأشق. ففي صحيح البخاري في حديث المنام الطويل أنه -صلى الله عليه وسلم- جاءه جبريل وميكائيل -عليهما السلام- قال: “فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسعٌ، فيه لَغَطٌ وأصوات، فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، فإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك ضَوْضَوْا (أي: صاحوا من شدة الحر)، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني“.

وعذاب الله يوم القيامة لا يميز بين شاب زان ولا شيخ. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني، ولا إلى العجوز الزانيةصحيح الترغيب.

وعلق ابن كثير -رحمه الله- على قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ“، فقال: “(وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ)، وهذا يشمل قتله بعد وجوده، كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق، ويعم قتلَه وهو جنين، كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء، تطرح نفسها لئلا تحبَل، إما لغرض فاسد أو ما أشبهه”.

إن التساهل في تطبيق أحكام الله، والأخذِ على يد المفسدين في الأرض، هو ما جعل -في إحصائية غير رسمية- قرابة 600 حالة إجهاض شرعي وغير شرعي تتم في بلدنا كل يوم، ينتج عنها ولادة قرابة 150 طفلا غير شرعي، يتم التخلي عن 24 منهم، يضافون إلى أزيد من 500 مولود خارج مؤسسة الزواج تم تسجيلهم ما بين 2003 و2009، من أمهات عازبات بلغ عددهن في هذه الفترة أزيدَ من 200 ألف. فمن المسؤول عن ذلك؟

ومن خلال دراسة أنجزتها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج، تبين أن نصف نسبة النساء التي تصل إلى 70% من أصل 13 ألف مغربي، سافرن إلى خارج البلاد عن طريق شبكات الدعارة، بذريعة العمل تحت مسميات متعددة. فمن المسؤول عن ذلك؟

أما الذين لا يزالون يرون أن الغرب هو المثال الذي يجب أن يحتذى، وأن المواثيق الدولية وإعلانات حقوق الإنسان تشريع جديد، تقاد له العقول، وتسلم له الرقاب، فليعلموا – ومن خلال الإحصاءات الدقيقة – حقيقة حرية الغرب، وحقيقة انفتاح الشباب ذكورهم على إناثهم، من غير شرط ولا قيد:

ففي أمريكا يَقتل الإجهاضُ أكثر من مليون طفل سنويا.

ويتم اغتصاب 683 ألف امرأة سنويا، أي بمعدل 78 امرأة في الساعة.

والرجل الواحد -هناك- يقيم علاقات جنسية مع ما متوسطه 7 نساء، و29% من الرجال قد أقاموا علاقات جنسية مع أكثر من 15 امرأة في حياتهم.

و10 ملايين أسرة تعيلها الأم فقط من غير وجود الأب.

و65 مليون شخص -هناك- يعاني من أمراض جنسية لا يمكن شفاؤها.

وأكثر من 70% من النساء يُتحرش بهن في القوّات المسلّحة، والتمريض، والتعليم.

وفي أوربا وأمريكا انتشرت مطاعم تقدم الطعام على أجساد النساء العاريات.

وفي أستراليا وبريطانيا نساء عاريات يغسلن السيارات.

هذا حال المجتمعات التي استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، واستعاضت بالعقل شرعَ الله اللطيف الخبير.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M