ما مات رسول الله! لكنه نام أو ارتقى؟

24 مارس 2015 15:29
ما مات رسول الله! لكنه نام أو ارتقى؟

ما مات رسول الله! لكنه نام أو ارتقى؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الثلاثاء 24 مارس 2015

مشكورة جريدة “هسبريس” التي وضعت نفسها -عبر المسؤولين عن إدارتها- رهن خدمة كتاب الآراء، ورهن خدمة قراء هذه الآراء. ورهن خدمة الدؤوبين على انتقادها وغربلتها تأييدا مرة، واعتراضا واستهاجنا إلى حد السخرية مرة أخرى.

فعندما كتبت مقالي تحت عنوان “مات رسول الله؟ أم إنه لا يزال بيننا حيا يرزق“، فلأنني قصدت مخاطبة أربع فئات داخل المغرب وخارجه، لكوني أعتبر الفكر الظلامي الديني أداة سياسية في يد الحكام منذ أزمان بعيدة؟

1- فئة تمثل اليوم بقايا فلول متصوفة الحقائق، الذين شوهوا الدين بافتراءات، من واجب علماء الأمة المتحررين من الضغوط السلطوية، اتهامهم بممارسة عملية التضليل بدون ما رقيب أو محاسب! إنهم باختصار، من يميزون في زعمهم بين الشريعة ومسمى الحقيقة. فالشريعة مصدرها كتاب الله وسنة نبيه ومختلف الكتب الدينية عامة، وكتب الفقه خاصة. والحقيقة مصدرها الإلهام أو الكشف الصوفي.

ولهذا أطلق على العلماء المتسننين كمالك والشافعي وسحنون وغيرهم: علماء الرسوم! يقصدون بهم المعتمدين على الكتاب والسنة فيما يقولون وفيما يفعلون. إذ قال لهم المتصوفة المغالون: أنتم أخذتم علمكم ميتا عن ميت، ونحن أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت! ومن جملة ما أخذوه على سبيل المثال: ادعاء ابن عربي الحاتمي أفضلية الأولياء على الأنبياء! لأن الأنبياء أخذوا ما أخذوه بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام.

لكن الولي يأخذ مباشرة معارفه اللامحدودة واللامعقولة مباشرة عن الله بدون أية واسطة. فكان أن أصبح له علمان: علم الشريعة وعلم الحقيقة، مما يعني أن الأولياء -كما يحدد هويتهم الصوفيون- ليسوا أفضل من كافة الرسل والأنبياء فحسب، وإنما هم كذلك أفضل من كافة العلماء لأنهم ليسوا بأولياء الله الصالحين!!!

والحقائق الصوفية للتذكير، هدف لتحقيقه لا بد من التضحية بثالوث الكتاب والسنة والعقل! وهذا ما أخبرنا به صاحب التعليق رقم 2 على مقالنا المذكور قبله. قال بالحرف: “نحن المغاربة الأقحاح نتأدب مع رسول الله فلا نقول: مات؟ بل نقول: نام أو ارتقى”؟

وقد تعمدت جعل عبارة المعلق الأخيرة عنوانا لمقالي هذا، حتى أثير انتباه ذوي العقول الناضجة المتنورة، إلى أكثر من إساءة صدرت عن صاحبه الذي يبدو أنه من سكان مملكة اللامنطق!

– إنه يتحدث عن كيفية تأدب المغاربة الأقحاح مع رسول الله، وكأنه يصر على التمييز بين المخلصين الصادقين منهم وبين الفاسدين أو الخسيسين!

– إنه يتجاوز بدون وعي منه كلام الله! وكأنه تعالى لم يقل في كتابه المبين: “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمومنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله”. يعني أن إيمان المؤمن الذي هو -عند الغالبية العظمى من العلماء- قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح، لا يعقل تصوره لدى أي مؤمن إلا إن هو وثق بكتاب الله، تعبيرا منه عن انقياده له. فإن خاطب الله نبيه بقوله: “إنك ميت وإنهم ميتون” وبقوله: “وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد” يلغي معلق متهور على مقالنا هاتين الآيتين بجرة قلم! ويدعي أن المغاربة الخلص لا يقولون: مات رسول الله (فيزداد كذبه ضخامة). وإنما يقولون: “نام أو ارتقى”. في حين أن المطلوب عقلا ودينا هو الوقوف عند حدود الله ورسوله أمرا ونهيا. لا تقديم آراء مبنية على الوهم والخرافة والهوى والتخمينات الواهية.

– كذب المعلق رسول الله الذي طالما أخبر صحبه الكرام بأنه ميت لا محالة كبقية البشر، لأنه بشر بنص القرآن الكريم في غير ما آية.

– ثم إنه كذب أبا بكر الصديق الذي قال: “من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات“! ولم يقل: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد نام أو ارتقى!!!

– ولا أريد هنا تقديم شروح ضافية منسوبة إلى كبار الفقهاء والعلماء والمفسرين لقوله تعالى: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل” الآية!

– لم أعرف قط بأن للمغاربة الأقحاح (لا الرديئين) فهما للدين يختلف عن فهم غيرهم له في العالمين: العربي والإسلامي.

ولم يخرج صاحب التعليق رقم 8 (محمد أمين) عن نفس الخلط الذي غرق فيه صاحبه رقم 2. فقد ساق الآية 169 من سورة “آل عمران” وهي: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون“.

وهذه الآية لا تفسر بالرأي المذموم حتى يباح التجني على القرآن العظيم. يكفي أن نحيل القراء على تفسيرها لدى الإمام القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” ولدى الإمام ابن كثير في كتابه “تفسير القرآن العظيم”. قال القرطبي: “لما بين الله تعالى أن ما جرى يوم أحد كان امتحانا يميز المنافق من الصادق. بين أن من لم ينهزم فقتل، له الكرامة والحياة عنده. والآية في شهداء أحد. وقيل نزلت في شهداء معونة. وقيل بل هي عامة في جميع الشهداء”.

ثم قال: “وبالجملة وإن كان يحتمل أن يكون النزول بسبب المجموع، فقد أخبر الله تعالى فيها عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون، ولا محالة أنهم ماتوا وأجسادهم في التراب، وأرواحهم حية كأرواح سائر المومنين، وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل، حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم”!

وعندما نعود إلى قوله تعالى: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم” فإننا من باب الإيمان أو التصديق بكل ما ورد في كتابه المبين – نؤكد أنه صلى الله عليه وسلم في غزواته كان باستمرار أمام احتمالين: أن يتعرض للقتل فيعد من الشهداء، أو يموت حتف أنفه عندما يحل أجل موته. يعني عن غير قتل ولا ضرب، وهذا قول رب العالمين، لا قولي ولا قول غيري. فلا داعي إذن لتجاوز النصوص الواضحة الدلالة، بحثا عن أوهام نفسرها بها من عندياتنا، كما أننا -إن كنا عقلاء مؤمنين متسننين- لا نسلم بما أراد صاحب التعليق رقم 8 أن نسلم به إذ يقول: “إذا كان هذا حال الشهداء، فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم: سيد أولي العزم من الرسل، فهو حي يرزق”.

لكن سؤالنا هو بالتحديد: هل مات أم إنه لا يزال بيننا حيا يرزق؟ بحيث إنه يسعى في الأرض كما نسعى فيها نحن؟ وبما أنه قد مات بأكثر من دليل -لا أنه قد نام أو ارتقى- فإنه لم يقتل في ميدان الوغى حتى نعده من الشهداء. مع إخبار صاحب التعليق المهلهل بأن مرتبته أعلى وأسمى من مرتبة أي شهيد في الإسلام. وإلا فهل نضعه في درجة واحدة مع عمر وعثمان وعلي، وكلهم شهداء قتلوا غدرا كما هو مشهور في التاريخ؟؟؟

من جهة أخرى ليراجع من أراد التأكد مما نحن متعلقون به كتابا وسنة، الآيتين 69-70 من سورة “النساء”، حيث يقول الحق سبحانه: “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا“.

وفي البخاري عن عائشة قالت: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا والآخرة“. وكان في شكواه الذي مرض فيه أخذته بحة شديدة فسمعته يقول: “مع الذين أنعمت عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين“. فعلمت أنه خير بين الدنيا والآخرة”.

فالأنبياء إذن -وفي مقدمتهم نبينا- أسمى درجة وأرقى مقاما من الصديقين والشهداء والصالحين. فلا يحق لنا أن نعتبره شهيدا فننزل به درجتين، فضلا عن كون الشهداء معروفة هويتهم المحددة بتعرضهم للموت في سبيل الله، أو بتعرضهم للقتل غيلة كحال الفاروق ، وذي النورين وأبي الحسن.

ثم إن أغرب ما أراد صاحب التعليق رقم 8 الدفاع عنه بدون ما حجج عقلية، هو كون رسول الله يكلم الناس “في الرؤية (؟؟؟) وفي اليقظة!!! وقدم لتأييد ما ادعاه قوله صلى الله عليه وسلم: “من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي“. وموضوع رؤيته إن في المنام وإن في اليقظة، خصصت له كتابا صدر لي عام 2010م تحت عنوان: “رؤية الرسول في اليقظة ممكنة أم إنها مستحيلة؟”.

حيث انتهيت بعد تمحيص أدلة المؤيدين لرؤيته إلى استحالة ما يدعونه بخصوص رؤيته في اليقظة؟ وكيف بالاجتماع به؟ والأخذ عنه؟ واعتباره شيخا يقف وراء تأسيس أكثر من طريقة صوفية، لا نتردد في وصفها بكونها ضلالية؟ ولماذا نقول ضلالية؟ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: “كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة“؟ وابتداع طرق في التعبد مخالفة للسنة التي علينا التعلق بها ونحن نبحث عن رضى الله عز وجل، ضلال وتضليل وإساءة إلى الدين عامة، وإلى سنة رسول الله خاصة؟

وحتى إن سلمنا جدلا بأن الرسول يرى في اليقظة – وهذا مستحيل عقلا ودينا وتجربة – فمن أين جاء للأفاكين المبتدعين كونه صلى الله عليه وسلم، يلقن أورادا، ويملي أحزابا، ويشرح بعض الأحاديث لمن يقابلهم من أولياء الله المفترضين؟ وكأن الدين لم يكتمل بعد؟ وكأنه صلى الله عليه وسلم لم يبلغ كل ما أمر بتبليغه؟ فبدلا من أن يسوق خصوم السنة من المبتدعين أدلة لتفنيد ما طرحناه ونطرحه من تساؤلات، حاولوا الإلقاء بنا في مهواة أفلح متبوعوهم أو شيوخهم أو أساتذتهم في الإلقاء بهم فيها حتى الأعماق!

وأشد قتامة، ما ختم به صاحب التعليق رقم 8 زلاته اللسانية وشطحاته الفكرية -كهمز منه وكلمز مجانيين رخيصين منحطين- قوله يخاطبني: “وأنت يا صاحب المقال، عمرك مضى في الإلحاد!!! وحين رجعت منه إلى الاعتقاد! رجعت للطعن ومعاداة الأولياء! ولا حول ولا قوة إلا بالله”!

وبدون ما تعليق على كلام المعلق الذي لا يعرف تماما حتى من هم الأولياء! أترك للقراء التعليق عليه. وأقف عند التعليق رقم 10 بقلم “مغربي” كما سمى نفسه، حيث خاطبني بقوله: “إذا لم تبحر في البحر، فلا يحق لك أن تنفي وجود الأسماك فيه. في مقالك وجهدك المضني تحاول عبثا نفي تجلي المصطفى على عباده الصالحين سواء في رؤية أو كشف”! فيكون قد ساند ادعاءات صاحب التعليق رقم 8! وليته قدم للقراء مفهوم “التجلي” ومفهوم “الرؤية” ومفهوم “الكشف”؟ وكيف تتم هذه وتلك ومتى وأين؟

ولهذا المعلق، صاحب التعليق رقم 10، أقول باختصار شديد: أبحرت في البحر لمرات – بل كنت صيادا في صغري – لكنني لم أنكر وجود الأسماك فيه، وهي التي أصطادها! حتى من لم يبحروا فيه ولا اصطادوا، لا ينكرون وجودها فيه! وبما أنني أدرك بحرك الذي تقصده، لأن أسرتي أسرة صوفية، ولأنني أصبحت صوفيا طرقيا لفترة، ولأنني عاشرت طرقيين بمختلف مشاربهم، فإنني لم أنكر وجود الأسماك في بحرهم قط! إنما عن أية أسماك يمكن الحديث؟ عن الرخويات؟ أو عن مسمى فواكه البحر؟ أو عن القروش البيضاء الفتاكة؟ إنني في الحقيقة لم أقف في بحر الطرقيين وغلاة المتصوفين إلا على أسماك مسمومة موبوءة تتمثل في الكذب على الله وعلى الرسول وعلى المؤمنين؟؟؟

وهنا أتساءل: هل يبكي قراء ما كتبته أو يضحكون لأنك حولت باندفاعك وتهورك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله المعبود بحق؟ فقولك -وأنت تخاطبني- “تحاول عبثا نفي تجلي المصطفى (تقصد رسول الله) على عباده الصالحين، تجعل المؤمنين جميعهم يعبدونه ويتجلى لهم وهم غارقون في عبادته! ولم لا فالبوصيري قد قال قبلك:

 محمد سيد الكونين والثقلين***والفريقين من عرب ومن عجم!

ويعجبني ما ختم به صاحب التعليق رقم 10 تعليقه إذ يقول بلغة “أكلني البراغيث” كلغة صاحبيه المتقدمين: “لا شك أنه أتت كثير من الخرافات على أتباع هؤلاء الصالحين الذين تحدث عنهم صاحبنا في مقاله. وإنما أعرض أي شيء على الحكم الذي هو القرآن وإذا وافقه أخذنا به”!!! فيكون لزاما علي أن أخبر القراء بأن شيوخ الطرق يضربون – من باب التضليل – على وتر وجوب الالتزام بالكتاب والسنة، هنا في هذه الصفحة من هذا المؤلف! ثم يخوضون في الضلالات للتو في الصفحات الموالية! ويدعون أنهم فيما يخوضون فيه، لم يخرجوا عن الكتاب المبين والسنة النبوية الشريفة!

2- أما الفئة الثانية التي أخاطبها وأستفهمها عما إذا كان رسولنا قد مات؟ أم إنه لا يزال على قيد الحياة؟ فإنها تتمثل في العلماء الذين لا شك يميزون بين البدعي والسني، لكنهم للأسف الشديد سكتوا عما هو من الواجب عليهم بيانه واستنكاره!

3- أما الفئة الثالثة فكافة المناضلين العاملين -من علمانيين ومن إسلاميين- على تحرير العقلية المغربية من الأوهام والخرافات. خاصة وأن الدولة ماضية في الاستثمار السياسي لبدع المبتدعين على أوسع نطاق! دون أن يجدي في وقف العمل بالفكر الظلامي الديني، حضور مسمى الإسلاميين في السلطة كوزراء، وككتاب دولة، وكمدراء الدواوين، وكرؤساء مصالح، وكرؤساء الأقسام وكمديرين!

4- أما الفئة الرابعة فتتمثل في من يقال: إنهم قيمون على تدبير الشأن الديني، مع أن تدبيره وإن كان من هم وراءه جادين، فإنه يجب أن لا يخرج عن وجوب الالتزام باتباع كتاب الله وسنة مجتباه. إلا أن واقع الحال في مغرب اليوم، يشي بإدراج الدولة مسمى الفكر الظلامي الديني في إطار ما يجري تدبير شأنه! مع إحاطته وإحاطة ممثليه برعاية تامة! وكأنه فعلا من الدين الحق. مما حملنا حملا على الصدع بما أمرنا أن نصدع به. إنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالأول يستدعي الدعوة إلى احترام مبادئ الدين وتعاليمه وأحكامه. والثاني يستدعي فضح قناعات وممارسات تشوهه وتحرفه لفائدة الأطراف المستفيدة من تشويهه ومن تحريفه؟؟؟

الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com

العنوان الإلكتروني: [email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M