سيادة المغرب والخطوط الملكية بين الدرهم واليورو

15 مايو 2015 20:39
سيادة المغرب والخطوط الملكية بين الدرهم واليورو

سيادة المغرب والخطوط الملكية بين الدرهم واليورو

ذ. إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)

هوية بريس – الجمعة 15 ماي 2015

يتساءل المغاربة دوما لماذا كلما أراد أحد منهم أن يسافر إلى الخارج أول ما يفكر فيه قبل الإقلاع من بلده، هو أن يبحث عن اليورو أو الدولار؟

ويتتابع التساؤلُ: لماذا لا يسافر بنقود بلاده التي تعتبر جزء من سيادة وطنه، وجزء من هويته الوطنية، تحمل رموز قومه، ولها من حمولات الانتماء الشيء الكثير؟

هل في ذلك امتداد لحملات الاحتلال الأوربي أو الغربي عموما؟

أم هو استلاب وتبعية حضارية تكرس الإلحاق الثقافي بالغرب؟

ربما استعجل أحدهم الجواب وقال: لماذا هذا التهويل؟ الأمر عادي جداً، لكن المشكلة أنك لا تفهم الشؤون الاقتصادية، وعالم المال والأعمال، والسياسات النقدية وهلم جرا.

والجواب: حنانيك لا تستعجل، فالكل يعرف أن دولتنا ضعيفة سياسيا، فليس لها صناعة تنافس الغرب، ولا تجارة تسندها في السوق العالمي، وبترولها منذ ما يقارب 20 سنة ونحن نسمع أنهم اكتشفوا النفط هنا وهناك لكن لم نر شيئا، فتخلفنا الاقتصادي لا يترك مجالا للتعامل دوليا بعملتنا الوطنية، فقوة الدرهم لا تذكر أمام قوة اليورو والدولار.

لكن قبل هذا وذاك، يبدو أن الأمر ليس فيه الجانب الاقتصادي فقط، بل يتعداه إلى ضعف الانتماء لمقاولاتنا الكبرى الرافعة لاقتصادنا الوطني. ولنأخذ مثالا: الخطوط الملكية الجوية، فخلال إحدى رحلاتي الجوية على متن طائرة تابعة لهذه الخطوط، صدّع طاقم الرحلة رؤوسنا بأننا سنعرض على الركاب الكرام بضائعنا المعفية من الرسوم الجمركية، وتجدونها منشورة في المجلة المثبتة في الكراسي أمامكم.

بالفعل حاول أحد الركاب من جنسية عربية -أردني كان قدره أن يسافر على متن الخطوط الملكية- أن يقتني شيئا من المعروضات، نادى على المضيفة، طلب منها بضاعته التي يريد، ملوحا بورقة نقدية من فئة 200 درهم.

دون مناقشة أو مقدمة، صكت المضيفة سمعه بعبارة الخذلان: «لا نقبل إلا اليورو أو الدولار»، ثم قامت بحركة كلها لا مبالاة وقلة أدب.

استغرقني التأمل، أحسست بالخجل من كوني مغربيا لأن ذلك كان باديا علَيّ لكوني أرتدي جلبابي المغربي الأنيق، فقد تابعت المشهد وكُلي أسف.

قلت لنفسي لَعلي لم أسمع جيدا، فقررت أن أحشر أنفي وفمي في الموضوع، فسألت الراكب عن المشكل، أكد لي ما رأيت وما سمعت، ثم زاد مستنكرا: لماذا تفتخر علي هذه السيدة بالعملة الأجنبية، وترفض قبول عملة بلدها؟ نحن في الطيران الأردني نشتري بعملتنا الوطنية.

أردف الأخ العربي سائلا:

هل عندك يورو؟

فأجبته: أي نعم!

ثم طلب مني: من فضلك هل يمكنك أن تُصرِّف لي الدرهم إلى اليورو؟

رغم أنني كنت متوجها إلى حيث سأحتاج اليورو الأوربي ولا ينفق الدرهم المغربي، إلا أنني لم أستطع أن أرد طلبه، شكرني واستدار إلى الأمام.

عدت لنفسي أتساءل: ألا يعد هذا مساسا بسيادة دولتنا على أسطولها الجوي، خصوصا وأنه يحمل نعت: «الملكية» وشرف الانتساب إلى: «المغربية»؟

لقد درسونا في القانون الدولي الخاص، أن الطائرات والبواخر مثلها مثل القنصليات والسفارات، تعتبر امتدادا للتراب الوطني، وتمارس فيها كل مظاهر وأفعال السيادة؟

بل من ولد على متنها أعطيت له الجنسية الخاصة بالدولة المالكة، كما لو ازداد على تراب بلادها، (وهذا حسب تشريعات بعض البلدان).

إذن لماذا لم تقبل المضيفة التعامل بالعملة المغربية؟

إنه لا يهيننا أحد إنما نهين أنفسنا.

ثم استغرقني التفكير في الحادث مرة أخرى لأجد نفسي تتصارع مع دلالات الموقف المحرج، متسائلا: كيف يمكن لشركاتنا أن تخدم اقتصادنا الوطني بمثل هكذا تصرفات؟

وبدأت تمر أمام عيني لحظات مقرفة ومشاهد مؤسفة عشتها مع الخطوط الملكية المغربية، ففي كل مرة أسافر فيها على متن خطوطنا الجوية -وخصوصا في موسم الحج والعمرة- ترتفع حدة المأساة التي يعيشها، من يستقل الأسطول الجوي لهذه الشركة.

ففي رمضان المنصرم بينما تأخرت الطائرة كعادتها لما يفوق الساعة، أذن المؤذن لصلاة المغرب وشرع المسافرون في تناول وجبة الفطور، فإذا بموظفي الخطوط يفتحون الأبواب لصعود الطائرة، سارع المعتمرون إلى صلاة المغرب، بعد انخراطهم في الصلاة تفاجأوا بأحد مستخدمي الشركة ينهال عليهم بالسب وفي فورة قلة أدبه سب الربَّ سبحانه، مما أحدث رد فعل متشنج من طرف المعتمرين.

وفي نفس الرحلة وعند رجوع المعتمرين بعد انقضاء المناسك، دخلت مطار جدة، وبينما نحن في طابور وزن الأمتعة تدخل أحد المعتمرين ليوقف مهمة العاملين في الميزان احتجاجا على حبسه ورفقائه المغاربة في المطار لمدة يومين كاملين دون أن يكلمهم مسؤول الشركة أو يفهمهم وضعهم، استدعى مستخدمو المطار الشرطة التي اصطحبت أخانا المغربي بعيدا عن موقع الحادث تبعته وحضرت الحوار الذي دار بينهما، حيث طالب المعتمر بحضور ممثل عن شركة الخطوط الملكية المغربية، موضحا أن الشركة لم تزد عن إخبارهم بأن رحلتهم ستتأخر عن موعدها المحدد، والذي مرت عليه 48 ساعة، بقوا خلالها مشردين دون ماء ولا طعام ولا سكن هملا كالبهائم.

تركت المشهد بعد أن لاحظ أحد رجال الشرطة أني كنت أصور المشهد وردود الفعل، نزع مني آلة التصوير ثم مسح الشريط، فلما صعدت الطائرة وجدت بطل الاحتجاج برفقة ثلاثة من رفقائه، سألته عن الأمر، فأخبرني أن احتجاجهم بوقف السير العادي لميزان الأمتعة قد أعطى أكله، بحيث سمح له أن يصعد معنا الطائرة رغم أنها ليست رحلته، سألته عن باقي المغاربة، فأخبرني أنهم محتجزون في المطار حتى يمن عليهم مسؤولو الشركة بطائرة تقلهم إلى بلدانهم.

عدت لنفسي أتساءل: أين يجب أن تقف الأرباح التجارية وتحصيل العملة الصعبة، على حساب مقوماتنا الدينية والوطنية وكرامة أفراد شعبنا؟

الرب سبحانه يسب من طرف العاملين في الشركة، والمسافرون المغاربة يرمون في المطار ككلاب جرباء دون كرامة.

من أجل الاقتصاد نغض الطرف عن السياحة الجنسية.

من أجل الأرباح، ملايين الليترات من الخمر تدخل سنويا أجواف المغاربة المسلمين، لتلعب بعقول أبنائهم فيوزعون بعضهم بعضا على المستشفيات والقبور والسجون.

من أجل المال، يتواطؤ حارس الصحة العامة مع مروجي القرقوبي والمخدرات، حتى أصبحت الجرائم ضد الأصول طافحة على صفحات الجرائد كل يوم.

من أجل المال والربح تهتك أعراض الفتيات المغربيات وهن في عمر الزهور، في العلب الليلية بالفنادق والفيلات المفروشة.

أين يجب أن يقف كل شيء مهما كانت أهميته، ومهما كان ربحه، احتراما لكينونتنا ووجودنا وأمننا، حتى لا تعتدي الأطماع الاقتصادية على مقومات الهوية والدين ورمزيات الانتماء.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M