استعجال فرنسا نشر خبر توقيع «معاهدة حماية المغرب»
ذ. إدريس كرم
هوية بريس – الثلاثاء 26 ماي 2015
تـذكيـر
سبق لنا الإشارة في أكثر من مقالة بأن تطلع فرنسا للاستحواذ على المغرب، وإلحاقه بكل من الجزائر وتونس، إما كمقاطعة فرنسية كما هو حال الجزائر، وإما كمحمية كما هو الحال بالنسبة لتونس؛ بيد أن مقاومة شعبية وشبه رسمية شرسة أوقفت تطلعات الغزو العسكري الفرنسي، لتحقيق الضم، قياسا لما كان متوقعا، ومناورات دبلوماسية لتحقيق حماية سهلة، نتيجة التواجد المغربي على المستوى الدولي، سواء من حيث التمثيل الدبلوماسي على الصعيد الوطني في طنجة، أو عبر سفارات مغربية لعدة بلدان أجنبية كان لها رأي في المسألة المغربية لسبب أو لآخر.
لذلك تم تسجيل تنفيذ المخطط الاستعماري على مراحل، فمن غزو للثغور المغربية شرقا وجنوبا لتوسيع الرقعة المحتلة في الجزائر والسينغال، إلى تواجد تجاري على الموانئ، إلى احتلال للشاوية، وبني يزناسن، وأعالي كير، وواحات تافيلالت، إلى تنفيذ القيام بإصلاحات إدارية وعسكرية ومالية، وأشغال عمومية، بناء على اتفاقيات ثنائية ومتعددة، وخاصة مقررات مؤتمر الجزيرة، التي أدت إلى تحرير يد فرنسا في المغرب، لتأهيله لمرحلة الرقي، والتحضر، والإنتاج الكفيل بتحقيق الثروة التي كان الفرنسيون يحلمون بها، قياسا على ما كان للرومان به.
حيث اعتبر الفرنسيون أنفسهم ورثة لهذا الأخير في شمال إفريقيا عموما، والمغرب خاصة، فقرروا ربط حاضرهم الاستعماري بذلك الماضي المنقرض، معتبرين أن من جاء بعدهم من وندال، وبيزنطيين، وعرب، إنما قاموا بتخريب الحضارة الرومانية الزاهرة بالمغرب، وأنهم سيعيدون للمدن الرومانية به مجدها الدارس، بمالهم وسواعد السكان المحليين الذين سيقومون بإدارتهم وتسخيرهم ليكونوا ذوي فعالية.
وقد جعلهم ذلك الحلم يتوافدون على المغرب زرافات ووحدانا بمجرد إعلان الحماية، لدرجة أقلقت سلطاته نفسها، التي بادرت بتسخير كل الطاقات المحلية، لتحقيق رغبات الكولون على كل المستويات، من الإيواء إلى العلاج إلى العمل، تحت شعار: “لنجعل المغرب ذا قيمة” فانطلقت التنظيمات الأساسية في ظل المناهضة الشعبية المسلحة، وهو ما سيكون موضوع المراسلات التالية:
1- تقرير وزير الخارجية لرئيس الجمهورية حول الحماية الفرنسية بالمغرب (27 أبريل 1912)
“سيادة رئيس الجمهورية:
مباشرة بعد يوم 18 يناير الأخير، حيث تشرفت بتقلد إدارة الشؤون الخارجية، عقدت اجتماعا ضم ممثلين عن الخارجية والحربية والمالية، خصص لدراسة الإجراء المطلوب عمله، للقيام بتقديم المعلومات الكافية والضرورية الكفيلة بتحقيق إقامة حمايتنا للمغرب على وجه السرعة.
وفعلا قامت اللجنة بكامل عملها بشكل سريع، سمح للحكومة بتهييء مشروع المعاهدة، وإيجاد الأدوات اللازمة لتنظيمها إداريا وماليا، وتزويد وزير فرنسا بالمغرب، بالمعلومات التي يحتاجها غداة التحاقه بمقر عمله، وقبل المصادقة على الاتفاقية الفرنسية الألمانية لـ 4 نونبر 1911.
ذلك التصديق الذي سيؤدي بالتأكيد إلى تقديم معاهدة الحماية للتوقيع في 12 مارس 1912، وفي غضون ذلك، تلقى السيد رونو الأمر بالتوجه إلى طنجة ثم فاس، إلا أن صعوبة التنقل بسبب الأحوال الجوية الموسمية، ورداءة الطرق، صعبت من مهمة التنقل تلك، وقد غادر إلى هناك في 16 مارس دون انتظار قراركم النهائي على الميزانية اللازمة للبعثة، التي طولب بها في 22 فبراير، قبل التصديق على الاتفاق الفرنسي الألماني، الذي كان موضوع قانون 22 مارس.
وبمجرد وصوله إلى فاس، بدأ السيد رونو بإجراء الاتصالات اللازمة مع السلطان، حيث استقبل بحفاوة من قبل مسؤوليه، وبعد يومين من اللقاءات الصعبة تم التوقيع على معاهدة الحماية يوم 30 مارس.
لقد كان السيد رونو يفضل تأجيل الإعلان عن الحماية لأطول مدة ممكنة، لإتاحة الفرصة للسلطان، كي يخبر الشعب المغربي بها على طريقته الخاصة، لضمان التهدئة وعدم المقاومة، بيد أن ذلك لم يكن ممكنا، ولو لمدة أربع وعشرين ساعة، لمعرفة الصحافة الأوربية بها، عن طريق مراسليها، كما أن الشعب الفرنسي، كان ينتظرها بفارغ الصبر.
وانطلاقا مما تم فقد بدأ رونو من فاتح أبريل عملية تنفيذ مخطط ودراسة إنشاء مؤسسات الحماية، على مستوى المؤسسات الإدارية والمالية الجديدة، في تنسيق مع الجنرال موانيي، إلى أن انفجرت أحداث فاس المؤسفة، وتبعتها ثورات أخرى، لأنه طالما لم يستتب الأمن بالعاصمة فإنه لا يمكن تنفيذ أي شيء مما اتفق عليه كل من رونو وموانيي، وسيصبح من اللازم توحيد طريقة التدخل في المغرب، حتى يتسنى تنفيذ الحماية، وضمان حق التساوي في التجارة، والعمل التجاري بين الدول كما وعدت بذلك فرنسا، لكن بحضور ملائم لقواتنا عن طريق رجال بالمكاتب الأهلية، وفق استراتيجية سياسية واقتصادية متزامنة تؤهل لقبول حمايتنا من طرف القبائل المغربية.
من أجل ذلك لي الشرف أن أعرض على موافقتكم مرسوم تكليف لهذه المهمة الخبير الوطني الجنرال ليوطي.
رئيس المجلس ووزير الخارجية بوانكاري”. (أنظر: المجلة الدبلوماسية، مجلد 122/5 و6 و7، 1912، ص. 75).
تعليق
يتضح مما سبق أن الاتفاق الألماني الفرنسي كان هو الإعلان الحقيقي للحماية الفرنسية على المغرب، وخاصة الفصل الثالث منه، الذي ينهي السيادة المغربية من خلال التمثيل الفرنسي لها في الخارج، وعدم إبرام أي عمل بالداخل إلا بموافقة الممثل الفرنسي المختص، وهو ما بقي محل منازعة لغاية 30 مارس 1912 بين السلطان وممثليه من جهة والمفاوضين الفرنسيين من الجهة الأخرى، كما سبق أن بيناه في حينه، وكما سيتضح لاحقا في التقرير التالي المقدم للجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الفرنسية، الذي رصد حركة التدخل الفرنسي بالمغرب بين سنتي 1911 و1912، وقسمه لقسمين:
1- من اتفاق 16 مارس 1911 إلى 17 أكتوبر 1911، ويتعلق بتحركنا مع السلطان منذ احتلال فاس وتوجهنا لإقامة الحماية.
2- من 17 أكتوبر 1911 إلى 30 مارس 1912، ويقدم عرضا لأهم المشاكل المالية والاقتصادية والإدارية التي ستظهر في هذا البلد بمجرد الشروع في تطبيق الحماية.
جاء في القسم الأول:
1- من اتفاق 16 مارس 1911 إلى17 أكتوبر 1911، ويتعلق بتحركنا مع السلطان منذ احتلال فاس وتوجهنا لإقامة الحماية.
قبل مفاوضات شهري أكتوبر ونونبر 1911، ونهاية مارس 1912 التي أوصلت لمعاهدة الحماية بفاس، كانت هناك سلسلة من المباحثات، وبالرغم من الاتفاقيات المبدئية مع الحكومة الفرنسية والسلطان مولاي حفيظ منذ 1909، لم نتوصل إلى إقامة تعاون بين المخزن وفرنسا طيلة السنوات الثلاثة التالية 1909 و1910 و1911.
وغداة أول اتفاق مع ألمانيا في 8 فبراير1909 حول السيادة الفرنسية على المغرب، التي أصبحت اليوم من التاريخ، يذكرها الدبلوماسيون فقط، والاتفاق المالي في 16 ماي 1911 الذي لم يعلن كحماية، بل كان فقط مقدمة لها، لأن الموارد المالية التي أقرضت للمخزن، شكلت المدخل العام للإصلاح الإداري، والأشغال العمومية الواجب اعتمادها، وفي نفس الوقت شكلت شروط الرسائل المتبادلة بين السفير المغربي والحكومة الفرنسية، المتعلقة بالمساعدة العامة، والحماية السياسية التي وعد بها السلطان من جهة، والتزام المخزن بالخضوع لنصائح ورأي فرنسا في إصلاح الدولة المغربية.
في الحقيقة كانت الضائقة المالية للمخزن المعروفة دائما، وخطرها العسكري والسياسي هي التي جاءت به إلينا شيئا فشيئا خلال سنتي 1909 و1910 وبداية 1911، حيث هيأته لاتباع توجيهاتنا، بحيث يمكن أن يقال بأنه صار أكثر استعدادا لإيقاف التعسفات التي كنا نرى أنها يجب أن تختفي، لكن عندما سنستدعى لتولي زمام مراقبة تلك الإدارة سيتسنى لنا وقتها وضع نظام جديد لها ينفذ ما نبتغيه، بيد أن ثورة القبائل أعاقت تنفيذ اتفاق مارس 1911.
وأثناء الحملة العسكرية على فاس، بدأت تظهر لنا صعوبات الحلول المختلفة التي اخترناها، وكانت أكثرها خطورة، تلك التي اقتضت منا القيام بعمل عسكري جوهري لم يكن هناك خيار آخر غيره لصيانة أمننا في فاس، بيد أن ذلك الاختيار كان يتطلب موافقة سياسية وإدارية، فتم الاكتفاء منه بالدفاع والتهدئة فقط.
وهكذا فقد وصلت قواتنا يوم 21 مارس إلى أسوار فاس، دون أن تلقى مقاومة حقيقية، لكن بعد معاناة جسدية قاسية، وبالرغم من النجاح البين الذي حققه موانيي في طريقه إلى فاس، ثارت القبائل مرة أخرى في وجه قافلة التموين العسكرية بقيادة الكولونيل كورو، حيث هاجمته في عدة أماكن من طريقه إلى فاس.
ومن أجل حماية طريق إمدادات القوات بالمؤونة والذخيرة هاته ترك حامية صغيرة أمام فاس، وأخذ طريقه عائدا للغرب يوم 29 ماي، تاركا في كل مرحلة فرقة صغيرة لحماية الطريق، ومن 6 إلى 15 يونيو تم إخلاء تام لطريق مكناس من مناصري مولاي الزين المبايَع في مكناس، ثم إلقاء القبض عليه وإقامة حامية دائمة للتمركز في المدينة.
وهكذا ساد الأمن حول فاس، فقط بنو امطير جنوب مكناس واصلوا الثورة، فكان لابد من التصرف مع تلك القبائل، والتمركز في حامية بينهم للاستيلاء على البلد، وذلك ما تم بالفعل بعد مناوشات بسيطة بين 18 و28 يونيو، أقيم على إثرها مركز في قصبة الحاجب، وفي طريق الرباط وقعت عدة معارك مع زمور، وأقيمت مراكز على الطريق، في سوق الأربعاء، وتيفلت، وسيدي علال البحراوي.