وظَنِّي فيكَ جميلٌ.. يا وطني
ذة. لطيفة أسير
هوية بريس – الإثنين 06 يوليوز 2015
الانتماء للوطن أو لأيّ مؤسسة عامة أو خاصة، يُلزم المنتمي بمراعاة القوانين المسَطرة في ذاك الوطن أو تلك المؤسسة حفاظا على النظام وضمانا للأمن العام. فحين تختار العمل في شركة -مثلا- تصبح مُلْزَما بالخضوع لنظامها العام، ومتى ما شعرت بالضيق منها فَلَك حق الانسحاب منها، وليس عليك إملاء شروطك عليها.
وكذلك الإسلام حين اخترتَ أخي المسلم أن تكون مسلما فقد صرتَ ملزَما بالتقيد بتعاليم هذا الدين الذي تنتمي له، وحريتك لم تعد على إطلاقها، بل صارت لك ضوابطٌ تحكمك في لباسك وأكلك وشربك وفكرك و كل أمور حياتك، وهذه الضوابط ملزمة لك كمسلم وليست ملزمة لغيرك من غير المسلمين.
فلست مخيرا في اتباع ما يروق لك ونبْذ ما يخالف هواك، ولهذا قال ربنا سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسير الآية: (هذا أمرٌ من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا ﴿فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ أي: في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئًا، وألا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه تركه، بل الواجب أن يكون الهوى تبعًا للدِّين، وأن يفعل كل ما يقدر عليه من أفعال الخير، وما يعجِز عنه يلتزمه وينويه فيدركه بنيته).
فاتِّباع الدين الذي ارتضيناه حتْمٌ لازم، ومن لم يعمل به فهو آثم. وكما لا يجوز الخروج على مؤسسات الدولة التي لها قوانينها، كذلك لا ينبغي الخروج على دين الإسلام الذي له أحكام وقواعد تضبطه. وحين تقترف أخي المسلم معصية بحكم الجِبلة البشرية، فهذا لا يسوغ لك حِلها أو الدفاع عنها، بل يجب أن تتوارى عن الخلق طالبا العفو والستر من ربك عسى أن يشملك بعفوه ورحمته.
أما ما بِتنا نراه اليوم من جرأة بل وقاحة في المجاهرة بالمعاصي والتفاني في الدفاع عنها فهو أمر يدمي قلب كل غيور على دينه.
إن هذه الدعوة الصريحة للفسوق والمجاهرة بأمور تخالف ديننا خلافا صريحا بدعوى حرية الإنسان لَهوَ انتكاسة عظيمة في (تدين) الكثير منّا، بل هي محادّة جليّةٌ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وَالَمُحَادّة: كما قال الشيخُ ابن قاسم -رَحِمَهُ اللهُ- هِيَ: “الْمُجَانَبَةُ وَالْمُخَالَفَةُ وَالْمُغَاضَبَةُ وَالْمُعَادَاةُ”. قال الحق سبحانه: (إن الذين يحادّون الله ورسوله أولئك في الأذلين) (المجادلة:20)، والمعنى كما قال الدكتور راتب النابلسي في موسوعته الإسلامية: (هذا الذي يقف في خندق معادٍ للدين، هذا الذي يُنصّب نفسه عدوا لدين الله، هذا الذي يطعن في كل من دعا إلى الله عزّ وجل، هذا الذي يسفه كل من دعا إلى طاعة الله، هذا الذي يبين أن الدين لا يصلح لهذا الزمان، هذا الذي يجند نفسه لمحاربة الله ورسوله، لا بد من أن يكون في مزبلة التاريخ).
وفي موضع آخر قال الله تعالى: “إن الذين يحادون الله ورسوله كُبِتُوا كما كُبِتَ الذين من قبلهم” (المجادلة:5). أي (إن الذين يشاقون الله ورسوله ويخالفون أمرهما خُذلوا وأهينوا , كما خُذل الذين من قبلهم من الأمم الذين حادّوا الله ورسوله) (تفسير السعدي).
إن ما نشهده في مجتمعنا اليوم من (خرجات مقززة) لبعض الجهات ذات التوجه العلماني بإعلامها وجمعياتها المشبوهة، ما هو إلا مظهر من مظاهر هذه المحادّة، وسعي منكوس لمسايرة موجة الغرب في شرعنته لكل ما هو شاذّ ومنحرف باسم الحرية الشخصية. وتعزير المجاهرين بهذا الفسوق واجب شرعي، وما التعزير إلا تأديب فرضه الشرع الحكيم لحماية المجتمع من الفوضى والفساد، وردعا لأولئك المخالفين لشرع الله تعالى.
لكن من يقوم بهذا التعزير؟
هل الأفراد كما حدث في واقعة فاس؟ أم الجماعات التي تدّعي سفهاً الدفاع عن الدين كما تفعل “داعش”؟
طبعا لا هؤلاء ولا أولئك. إذ ستَعُمّ الفوضى ويضطرب الأمن وتختل الكثير من الموازين. إنما الذي يُعزر الإمام أو نائبه.
قال ابن حجر: “والمراد بالإمام كل قائم بأمور الناس”. فالإمام صمام أمان جعله الله راعيا لشؤون عباده وقائما على تنفيذ شرعه، جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنما الإمام جُنّة، يُقاتَلُ من ورائِه ويُتّقَى به، فإن أمر يتقوى الله وعَدَلَ كان له بذلك أجرٌ، وإن يأمر بغيره كان عليه منه” رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي -رحمه الله-: ”الإمام جُنّة أي كالسّتر لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس، ويخافون سطوته”.
فحين تطفو على السطح توجهات تخالف الدين العام الذي يدينُ به أهل البلد كلهم -والذي ينصّ الدستور على احترامه- فالواجب على الإمام الضرب على أيدي هؤلاء المخالفين تعزيرا وتأديبا لهم ما داموا مسلمين، ويهددون بمخالفاتهم الأمن العام للبلد. و”التعزير كالحدود والقصاص منوط بالإمام أو نائبه، وليس لأحد حق التعزير إلا لمن له ولاية التأديب مطلقاً كالأب.. والزوج.. والسيد.. والحاكم.. والمعلم..” من كتاب (موسوعة الفقه الإسلامي).
وقد أثلج صدري ما قرأته عن وزير العدل والحريات المغربي، مصطفى الرميد، الذي أكد بصرامة رفضه رفع تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، مؤكدا استمرار المغرب في تجريم المثلية الجنسية، ومعاقبة كل منتهك لحرمة شهر رمضان بالإفطار العلني مبررا كل ذلك بأنه لا يمكن قبول مطالب أقلية وفرضها على معتقدات الأغلبية. وهذا رأي سديد يستحق التنويه، وثبات على المبدأ يشكر عليه السيد الوزير.
لكن نتمنى أن يرتفع صوت القانون أكثر فأكثر فيسمع من به صمم ليدرك أن المغرب بلد إسلامي. فالتزام الصمت أمام هذه التحديات السافرة التي تهدد المغرب في سيادته ودينه لن يزيد هذه الشرذمة إلا جرأة ووقاحة على دين الله أولا وعلى أمن وطننا ثانيا.لذا فالواجب على الدولة التصدي بقوة لكل من يحاول زرع الفتنة في وطننا، ولا تفتح باب المزايدات الفارغة أمامهم، وليعلموا أن المغرب بلد إسلامي ومهما توارى الناس في خلواتهم بالمعاصي، فإن الحس الإيماني يبقى راسخا، وتثور ثائرته حين المساس به، “فاتقوا شرّ الحليم إذا غضب”.