توثيق التعاون القطري الأمريكي وتداعياته على الأزمة الخليجية
هوية بريس – الأناضول
يتوج الحوار الإستراتيجي القطري الأمريكي الذي عقد في واشنطن ، الثلاثاء، محطات تقارب بين الجانبين خلال المرحلة الماضية، ويرسم في الوقت نفسه خارطة طريق لتوثيق العلاقات المستقبلية بينهما بشكل أكبر على مختلف الأصعدة، خصوصا الصعيدين العسكري والسياسي.
ويتوقع أن يكون لهذا التقارب تأثير كبير على مسار الأزمة الخليجية التي بدأت منذ 8 شهور، في ظل متغيرات طرأت على مسار الأزمة، وأيضا في ظل تغيرات في موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الأزمة من جانب آخر، التي بدأت تصريحاته في بداية الأزمة مؤيدة لموقف الدول المقاطعة إلى قطر، ثم تحولت تدريجيا إلى موقف أقرب للدوحة حاليا.
وفي 5 يونيو الماضي، قطعت كل من السعودية ومصر والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها “إجراءات عقابية”، بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الدوحة.
وفي بداية الأزمة كان هناك تضارب في الموقف الأمريكي ما بين ترامب الذي بدا مؤيدا لموقف الدول المقاطعة لقطر، وسط توقعات قوية إن الأزمة اندلعت بضوء أخضر منه، وبين أقطاب إدارته سواء في وزارة الدفاع أو وزارة الخارجية، الداعين إلى أهمية حل الأزمة عبر الحوار لتأثيرها على الأمن والاستقرار في المنطقة، من جانب ومخاوفهم من تزايد النفوذ الإيراني، أيضا بسب مخاوفهم من تأثير تلك الأزمة على الحرب على الإهاب الذي تدار عملياته الجوية من قاعدة العديد الأمريكية في قطر .
** قطر تروض أمريكا؟
وبدأت أولى محطات توثيق التعاون القطري الأمريكي عقب الأزمة، حيث وقعت قطر في 14 يونيو الماضي اتفاقية شراء طائرات مقاتلة من أمريكا من طراز إف 15 بتكلفة مبدئية تبلغ 12 مليار دولار، ثم وقعت مذكرة تفاهم لمكافحة تمويل الإرهاب في 11 يوليوز الماضي، كما تم تنظيم عدة مناورات أمريكية قطرية مشتركة لتعزيز التعاون العسكري بين الجانبين، ثم زيارات متبدلة من مسؤولين من الجانبين.
ويحسب لقطر نجاحها في قراءة الموقف الأمريكي (المتضارب) من الأزمة الخليجية سريعا، والتعاطي معه، ثم كسب (ترامب) تدريجيا، وخلال وقت قصير توجت علاقتها مع أمريكا بعقد حوار إستراتيجي ، الثلاثاء الماضي، سيعقد بشكل سنوي.
وقبل أسبوعين فقط من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، أجرى ترامب اتصالا بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بحثا فيه “سبل تعزيز مجالات التعاون المشترك بين البلدين الصديقين خصوصا في مكافحة الإرهاب”، وأشاد ترامب بدور قطر في مكافحة الإرهاب.
تلك الإشادات تكررت خلال الحوار الإستراتيجي من كل من وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ووزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، الذي أسفر عمليا عن توسيع استخدام واشنطن لقاعدة العيديد في قطر. أن تتوحد الإدارة الأمركية بكل مؤسساتها في الإشادة بدور قطر في مكافحة الإرهاب، في الوقت الذي تقول فيه الدول المقاطعة لقطر أن جوهر أزمتها مع قطر هو دعمها للإرهاب، هو بلا شك يدعم موقف قطر في الأزمة بشكل مباشر وصريح.
بل وأكثر من الدعم، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية، في بيان مشترك صادر عن الدولتين في ختام الحوار الاستراتيجي عن استعدادها للعمل بصورة مشتركة مع قطر “بما يتسق وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، لردع ومجابهة التهديدات الخارجية لوحدة الأراضي القطرية”.
وشددت الدولتان على ضرورة الحل الفوري للازمة الخليجية لها بشكل يحترم سيادة دولة قطر”.
وعبرت الحكومتان عن “قلقهما بشأن التأثيرات الأمنية والاقتصادية والإنسانية الضارة للأزمة”، معربتين عن “القلق كذلك بشأن السلام والاستقرار في الخليج وبشأن الإلتزام بالقانون الدولي”.
هذا البيان المشترك شكل دعما قويا لموقف قطر من الأزمة الخليجية ، ويمكن القول إنه قضى بشكل نهائي على احتمالية التصعيد العسكري للأزمة مع وجود اتفاق أمني أمريكي لحماية قطر من التهديات الخارجية.
** قمة خليجية أمريكية في كامب ديفيد
يبقى التساؤل هل تلك الالتزامات والدعوات الأمريكية ستقوم واشنطن بترجمتها على أرض الواقع، وتدفع نحو حل للأزمة الخليجية.
جريدة “الشرق” القطرية قالت في عددها الصادر اليوم الخميس إن هناك أنباء عن عقد قمة خليجية أمريكية بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وولي عهد السعودية محمد بن سلمان وأبوظبي محمد بن زايد في مايو القادم برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ظل رغبة الأخير في حل الأزمة.
والحديث عن الموقف الأمريكي من الأزمة ينبغي الإجابة على سؤالين؟ هل أمريكا قادرة على حل الأزمة الخليجية؟ وهل ترغب أمريكا في حل الأزمة الخليجية؟
ولعل تصريحات وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، خالد العطية في مقابلة ، مع “مؤسسة هيرتيج” البحثية، في واشنطن، الإثنين الماضي، تقدم إجابة للسؤالين.
ففي معرض حديثه عن الدور الذي يمكن أن تضطلع به واشنطن في الأزمة الخليجية، قال العطية: “الوحيد الذي يستطيع حل مشكلة الخليج هو (الرئيس الامريكي دونالد) ترامب، ويستطيع أن يحلها بمكالمة هاتفية واحدة”.
إذن فأمريكا قادرة على حل الأزمة ولكن التصريحات نفسها، تعكس تلك القراءة القطرية للدور الأمريكي المتراخي في حل الأزمة، وهذا هو الرهان في الفترة القادمة تحويل القدرة الأمريكية إلى رغبة حقيقية جدية لحل الأزمة.
وحتى اليوم تبدو أمريكا مستفيدة من بقاء الأزمة على حالها دون تصعيد لها أو الدفع بمقاربة لحلها، في ظل صفقات مليارية وخصوصا في مجال التسليح والدفاع تعقدها مع كل الأطراف.
** متغيرات حالية.. وآفاق مستقبلية
وثمة متغيرات حالية على مسار الأزمة وآفاق مستقبلية على طريقة التعاون القطري الأمريكي، كلاهما يدفع باتجاه وجود تحرك أمريكي جاد لحل الأزمة الخليجية.
من أبرز المتغيرات الحالية:
– تهدئة متبادلة عقب مرحلة تصعيد واتهامات متبادلة بين كلا من قطر والإمارات (حيث اتهمت الدوحة أبو ظبي بانتهاك مجالها الجوي، وفي المقابل اتهمت الإمارات مقاتلات قطرية باعتراض طائرات مدنية لها).
– تزايد الضغوط الدولية الحقوقية على الدول المقطاعة لقطر، فخلال شهر يناير الماضي صدر أول تقرير أممي، يوجه انتقادات حقوقية للدلو المقاطعة لقطر على خلفية الأزمة الخليجية، أصدرته البعثة الفنية من المفوضية السامية لحقوق الإنسان (مقرها جنيف)، التابعة للأمم المتحدة، وهو التقرير الذي رفضته الدول الأربع معتبرة إياه “يعكس انحيازاً واضحاً لأحد أطراف الأزمة السياسية (يقصد قطر)”، مبينة أنه يتضمن “خللًا منهجيًا تضمن توصيفاً مضللاً للأزمة السياسية”.
– بث تسجيل صوتي منسوبًا للشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، أحد كبار أفراد الأسرة الحاكمة في قطر، والذي سبق أن قدمته الدول المقطاعة لقطر كبديل للقيادة الحالية، كشف فيه أنه “حاول الانتحار، بعد تعرضه لضغوط شديدة بينما كان محتجزًا في أبو ظبي”.
وقال فيه آل ثاني، إن: “الأزمة الخليجية قائمة على مصالح ورغبة الأمير محمد بن سلمان ومحمد بن زايد الحصول على ثروة قطر”، بحسب التسجيل الذي لم يتسن للأناضول التأكد من صحته، وهو الأمر الذي شكل إحراجا للدول المقاطعة لقطر الذي لم تعلق رسميا على التسجيل.
– تزايد المخاوف الأمريكية من تزايد النفوذ الإيراني في المنقطة بسبب الأزمة الخليجية.
– تزايد المخاوف الأمريكية من تأثير استمرار الأزمة على جهود الحرب على الإرهاب التي تقودها واشنطن.
أما أبرز الآفاق المستقبلية التي يتوقع أن يكون لها تأثيرها أيضا:
– اعتزام قطر، بحسب ما كشف وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، خالد العطية، الاثنين- توسيع قاعدة “العديد” الأمريكية، لتكون قاعدة “دائمة”، وتوسيعها لاستضافة البحرية الأمريكية أيضا بها بشكل دائم.
ويتمركز نحو 11 ألف عسكري أمريكي، غالبيتهم من سلاح الجو، في قاعدة “العديد” العسكرية الجوية، على بعد 30 كلم جنوب غرب العاصمة القطرية الدوحة.
وتستخدم واشنطن هذه القاعدة، التي تمثل أكبر تواجد عسكري لها بالشرق الأوسط، في حربها على “داعش” بسوريا والعراق.
– إصرار الكويت على استمرار وساطتها رغم التحديات التي تواجهها، وهو من شأنه دعم الجهود الأمريكية – حال جديتها- في حل الأزمة.
– – تزايد الدعوات الدولية لحل الأزمة بالحوار، لاسيما مع عدم تقديم الدول المقاطعة لقطر دلائل على اتهاماتها للدوحة بدعم الإرهاب.
وختاما أيا ما كان التأثير المتوقع على مسار الأزمة الخليجية، نتيجة توثيق التعاون القطري الأمريكي، فإنه لن يكن على المدى القريب، وسيبقى الأمر رهن بوجود رغبة أمريكية جادة نحو حلها، وممارسة ضغوط على الدول المقاطعة لقطر لتليين موقفها، في ظل عدم وجود مؤشرات حتى الآن على رغبة تلك الدول في حل الأزمة، وتمسك طرفي الأزمة بمواقفهما.