طبيبة تطلق صيحة نذير.. الأطباء يَندُرون في المستشفيات ونحن مقبلون على كوارث طبية!!
هوية بريس – إبراهيم الوزاني
نشرت الطبيبة وداد أزداد في صفحتها على “فيسبوك”، تدوينة بمثابة صيحة نذير، تحذر فيها من تناقص عدد الأطباء في المستشفيات المغربية وكثرة الضغط عليهم، وفي المقابل الوزارة الوصية على الشأن الصحي تسهم في الوضع الكارثي للمجال الصحي ببعض إجراءاتها، وهو الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي أيضا على الأطر الطبية، ويفتح المجال أمام الأطباء المبتدئين، ما سيكون له نتائج خطيرة، بسبب كثرة أخطائهم الطبية.
الدكتورة والناشطة وداد أزداد دعت في تدوينتها إلى المسارعة لإصلاح هذه الوضعية، لأن صحة أبناء الشعب وأطبائهم على المحك، حسب وصفها.
وإليكم نص تدوينتها:
“عند بداية تخصصي منذ 5 سنوات, وعندما كنت أعمل بمصلحة الأشعة المركزية بمستشفى ابن سينا على سبيل المثال, كنت أجد في العادة 6 أطباء في السكانير, و3 أو 4 في قاعة الفحص بالصدى و3 في الIRM و3 يتكلفون بالصور الإشعاعية radios.. ولكن هذا العدد الكبير من الأطباء كان يكفي بالكاد لمواجهة ضغط المرضى الذين يقصدون هذا المشفى الكبير بغية العلاج من جميع أنحاء المملكة..
ولذلك يؤسفني أن أخبر عموم المواطنين أنه ابتداء من بداية الأسبوع المقبل, فلن يتجاوز عدد الأطباء المقيمين 2 أو 3 ككل بذات المصلحة, و2 في مصلحة الأشعة بقسم المستعجلات (التي أعمل فيها حاليا).. أي أن مجموع أطباء الأشعة في أحد أكبر المستشفيات الجامعية بالمغرب لن يتجاوز الأربع أو الخمس, في الوقت الذي أصبح فيه عدد المرضى مضاعفا عشرات المرات بسبب الراميد.. هؤلاء الأطباء يتوجب عليهم القيام بكل المهام سابقة الذكر (كان عدد من الأطباء يقومون بمهمة واحدة, الاَن أصبح طبيب واحد يقوم بعدة مهام وفحوص في نفس الوقت, ولكم أن تتصوروا نتائج ذلك على التركيز), بالإضافة إلى خوض غمار ليالي بيضاء تماما لوحدهم خلال الحراسات المتوالية ومن دون récupération ولا مساعدة.. حيث يعمل الطبيب طيلة الصباح, ثم يقوم بحراسة مهولة دون أن يغمض له جفن أو يتبقى له الوقت للأكل, قبل أن يباشرالعمل في اليوم الموالي لغاية الثامنة مساء أحيانا.. هذا الطبيب هو الذي سيحدد مصير وعلاج مصابين في حوادث خطيرة ومرضى بالسرطان, وعشرات وعشرات من الأجساد المعتلة المصابة بأنواع من الأمراض التي تتطلب تركيزا وتدقيقا من أجل التشخيص وجرد الإصابات.. أما إذا مرض هذا الطبيب بدوره, اختل نصف أو ثلث المصلحة.. كل هذه التضحيات مقابل 3000 أو 8000 درهم, فمالذي أفضى إلى هذه الوضعية المأساوية؟
إذا كان فوج أطباء الأشعة الذي أنتمي إليه كان يضم 19 طبيبا مقيما, فالفوج الموالي والذي واكب وصول الوردي إلى منصب وزير الصحة لايضم ولا طبيب واحد, نعم 0 طبيب في جميع الاختصاصات على الصعيد الوطني لأن الوزير الهمام ألغى ببساطة مباراة الإقامة (التخصص) لسنة 2013.. ثم لم تعد الوزارة توظف سوى 5 أو 6 أطباء مقيمين في هذا التخصص بالرباط في السنوات الموالية, وقس على ذلك في باقي التخصصات, بل ويصل العدد إلى 0 أو طبيب واحد في بعضها.. حيث انتقل عدد المناصب في الرباط من 170 خلال سنة 2012/2013 إلى حوالي ال60 حاليا, مع احتساب العجز الناجم عن إلغاء المباراة السالفة الذكر والذي جعل الأطباء على وشك الانقراض.
العجز كبير لدرجة أن عددا من التخصصات ليس فيها أي خريج طبيب مختص هذه السنة ولا السنة الماضية, في اختصاصات طبية وجراحية جد مطلوبة.. والقادم “أحلى”!
بالإضافة إلى تأخر المواعيد ونقص الجودة والتأثير على نفسية الأطباء وصحتهم الذي ينعكس بدوره على التعامل مع المرضى, فإن هذا الخصاص تسبب وسيتسبب في أخطاء طبية كارثية.. وأنا من موقعي كطبيبة أشعة يمكنني القول أن المضاعفات بعد الجراحة قد تزايدت بشكل مهول, حيث نتوصل بعدد منها يوميا, في الوقت الذي كانت فيه نادرة في بداية تخصصي, وذلك كنتيجة طبيعية للوضعية الراهنة, حيث ينقص الإتقان ويُترك الجراحون المبتدئون في سنة أولى إقامة يقومون بعمليات معقدة بسبب ندرة الأطباء وكثرة المرضى.. فعندما يُطالَب الطبيب أن يعالج الناس à la chaine كما لو كان في معمل للسيارات أو في abattoir وأن يهتم بالكم على حساب الكيف, تكون هذه هي النتيجة..
باختصار, اَخر فوج طبي “محترم” نسبيا من حيث العدد سيغادر المستشفيات الجامعية في غضون الشهر المقبل, وسيشهد المغرب بالتالي موجة غير مسبوقة من الأخطاء الطبية والاعتداءات ضد الأطر الطبية بسبب التأخير والعجز عن مواجهة جحافل المرضى, والانتحارات والأمراض النفسية في صفوف الأطباء, والنزاعات داخل المصالح الطبية والأزمات بعلاقة مع القطاع الصحي, قد تفضي لنتائج لا تحمد عقباها بالنسبة للاستقرار الوطني.. فلاينبغي أن يكون المرء عالم مستقبليات ليتنبأ بذلك, وقد أعذر من أنذر.
ملحوظة: أريد الحديث عن موضوع الخصاص بإسهاب, فهذه المعضلة يجب أن تصبح قضية الساعة وأن يسعى الجميع لحلها, خاصة وأن الإضراب الذي خضناه منذ سنتين لمدة 80 يوما لم يجد اَذانا صاغية لدى المسؤولين ولا المجتمع المدني.. في الوقت الذي تتشكل فيه بوادر الانتفاضة الطبية الثانية بعلاقة بالموضوع, لأن الوضعية جد خطيرة.. فقط يجب أن ينضم كل حر لحراك الأطباء المقبل ويعي بشرعية المطالب وانعكاسها على حياته وصحته الشخصيتين.. صحة أبناء الشعب وأطبائهم على المحك!”.