من لها يومَ السَّبُع
هوية بريس – د. عبد الله الشارف
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “بينَما راعٍ في غنَمِهِ ، عدَا علَيْهِ الذِئْبُ فأخَذَ مِنْهَا شاةً ، فطلَبَهُ الرَّاعِي فالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فقالَ : مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ ، يَوْمَ لَيْسَ لَها رَاعٍ غيرِي ؟” (رواه البخاري).
قال الحافظ بن حجر (فتح الباري 7/27): “إذا أخذها السبع لم يقدر على خلاصها منه، فلا يرعاها حينئذ غيري أي أنك تهرب منه وأكون أنا قريبا منه أرعى ما يفضل لي منها. وقال الداودي معناه من لها يوم يطرقها السبع أي الأسد، فتفر أنت منه فيأخذ منها حاجته، وأتخلف أنا لا راعي لها حينئذ غيري. وقيل إنما يكون ذلك عند الاشتغال بالفتن، فتصير الغنم هملا، فتنهبها السباع، فيصير الذئب كالراعي لها لانفراده بها”.
عندما قرأت هذا الحديث وتأملته مَلِيّاً، تأثرت بمعانيه وإشاراته، وشعرت بألم في صميم قلبي. ذلك أن هذا الحديث العظيم، وهو يشتمل في بنائه الأسلوبي على تشبيه بليغ محكم، رسالة موجهة إلينا معشر المسلمين.
إن مجتمعنا المُضَعضع المكلوم هو المشبَّه، والراعي وغنمه هم المشبَّه بهم. ما أفصح لسانك يا رسول الله، وما أجمل كلامك وأصدقه. كيف لا وقد أوتيت، صلوات الله وسلامه عليك، جوامع الكلم.
لقد نظرت إلينا بعين الوحي والبصيرة، ونقلت الصورة والمشهد إلى صحابتك الكرام، وأخبرتهم من خلالها بتردي أحوال المسلمين وتقهقرهم. ولقد صدَّقوا رضي الله عنهم كلامك وما عاينوا المشهد، بينما كثير من المسلمين اليوم قد يُنكِر هذا الخبر وهو شاهد عليه !!
لقد بدلوا وغيروا وأنكروا لما قست قلوبهم، واتبعوا أهواءهم وشهواتهم، وأخلدوا إلى الدنيا. قال تعالى: “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ” (الحج 46).
انطلاقا من مضمون هذا الحديث النبوي الشريف، ومراميه ومقاصده، يمكن تشبيه المستعمر الغربي القديم والحديث تحت قيادة أمريكا، بالسبع، كما يمكن تشبيه كل ذي سلطة أو مسؤولية؛ من رؤساء ووزراء وقضاة… وعلماء… وآباء وأمهات بالرعاة، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”.(أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر).
كما يمكن تشبيه كل ظالم فاسد مُفسد، أو ناهب خائن متواطئ مع المستعمر الحديث وخادم له، بالذئب. وما أكثر الذئاب في بلادنا وبلاد المسلمين. إن الخلل يكمن إذن، في عدم قيام الرعاة بواجبهم ومسؤوليتهم، مما جعل الذئاب ينفردون بالرعية، فينهبونها ويفسدونها في اتفاق وتواطئ مع السبع.
إن أفراد مجتمعاتنا الإسلامية اليوم، عبارة عن أغنام رعاتها الذئاب. فهلا تاب الرعاة الحقيقيون وقاموا بمسؤوليتهم وواجباتهم ؟