حديث عن”الأم فرنسا”..البارحة واليوم!
هوية بريس – طارق الحمودي
هل تستعد فرنسا لثورة ثانية؟ أم أنها تستكمل الأولى..؟ بل…هل نجحت الثورة الفرنسية أصلا؟
فرنسا اليوم على صفيح ساخن..تحت نار تراكم الإخفاقات السياسية وتواطئ المشاكل الاقتصادية والإشكالات الاجتماعية، فليس يخفى على المتتبعين حالة الاحتقان الكبرى التي تعيشها فرنسا، على الأقل في قصر الإيليزي، فهو مقر صناعة الأزمات في الحقيقة، وهناك في المؤسسات الإعلامية حيث تقوم الآلات التحريرية بالنفخ في النار لإضرامها بإثارة ما يشغل الرأي العام عن حقيقة “أزمة الدولة الفرنسية”،تارة بتتبع إصدارات الكتب المثير أصحابها، وتارة بالتركيز على حادثة صغيرة هنا أو هناك، كزواج ممثل أو طلاق آخر، أو ضحكة مغنية أو بكاء أخرى، ومرة بإشغال الناس بقضية طائفية يربطونها بقصة امرأة متحجبة رافقت ولدها إلى مؤسسة وطنية “علمانية”، فتجتهد القنوات الفضائية والصحف الورقية والمجلات وغيرها في تحويل الأنظار عن المشكلات الكبرى بالحديث عن”الفولار”على رأس المسلمات!
من أراد أن يعرف حقيقة ما يجري في فرنسا بعيدا عن كل هذا، فليسأل نفسه، لماذا تستعد النقابات العمالية الفرنسية لمظاهرات في الخامس من شهر دجنبر، حاشدة أعضاءها للخروج للشارع للمطالبة بـ”الحقوق” ومحاربة “الفساد”…؟
لماذا يعلن أصحاب “السترات الصفر” انضمامهم إلى المظاهراتبعد سنة من تأسس حراكهم الاجتماعي؟
لماذا خرج الأطباء والممرضون إلى شوارع المدن الفرنسية يوم 14 نونبر 2019 في مظاهرات بالآلاف ضد الحكومة الفرنسية، بعد خروج السترات الصفر ورجال المطافئ وغيرهم في مظاهراتوقبيل موعد المظاهرة الكبرى لنقابات العمال والموظفين الفرنسية في دجنبر؟
لماذا توجه نحو ألف جرار فلاحي يوم 27 نونبر 2019 إلى العاصمة الفرنسية باريس احتجاجا على السياسات الاقتصادية؟ صحيح أن هذه القافلة توقفت بعد مفاوضات بين الحكومة والفيديرالية الوطنية لنقابات الاستغلال الزراعيFNSEA ، لكن المهم هو الذي دفعهم إلى هذا الحراك، والذي قد يستأنف إذا لم تلبى طلباتهم!
لقد ابتلي الشعب الفرنسي كما ابتلي غيره من الشعوب بأيادي سوء تقتل أبناءه بتفجير هنا أو هناك، وهو ضحية لسوء التدبير وظلم تاريخي لم تتخلص منه فرنسا بالتوبة ورد الحقوق إلى أصحابها، ومع كل هذا لا تزال الدولة الفرنسية تمارس الظلم في حق شعبها وغيره من الشعوب، فإن كانت تقاتل “داعش” في شمال سوريا بطريقة قانونية، فلماذا تساعد الميليشيات الكردية؟ لماذا تسمح لأبنائها بالتطوع في صفوف هذه الميليشيات الداعشية الكردية العلمانية اليسارية المسلحة؟! ومساعدتها في تهجير القرى العربية المسلمة، وانتهاك حرمات السيادة في تركيا وغيرها؟
أليس هؤلاء إرهابيون أيضا؟
بل ما معنى أن يحتفل بالعائدين منهم إلى فرنسا، ويؤلف بعضهم كتابا يوثق فيه انضمامه لهذه الميليشيات الداعشية العلمانية اليسارية الكرديةويطبع في بعض أشهر دور النشر الفرنسية؟
أليس هذا أمارة من أمارات كثيرة تعين على فهم السبب الحقيقي الذي جعل فرنسا تستنكر تدخل تركيا في شمال سوريا!؟
يسألونك عن البرلمان الفرنسي المشهور، البرلمان الذي أقام دعائمه الجديدة ثوار فرنسيون غسلوا داخله أيديهم من دماء الرهبان والحكام بماء الديمقراطية، قل هو مرتع للوبيات الضغط التابعة للشركات الكبرى المحلية والخارجيةالتي تستطيع أن تتحايل على إخراج أو منع إخراج قانون من البرلمانيصد من تغول شهيتها الرأسمالية، حتى وإن كان ذلك على حساب الصحة العامة ورداءة الغذاء..بل حتى وإن كان كل ذلك يفسد الديمقراطية الفرنسية!
تتحدث جهات سياسية وصحف فرنسية وغربية عن تمويل روسي لبعض الأحزاب السياسية اليمينية، وعن لوبي إماراتي في الدوائر السياسية والإعلامية، وقبل كل هذا اللوبي الصهيوني والأمريكيوالرأسمال العالمي..!
كنت أعرف وجود لوبي إماراتي في فرنسا، يتدخل في صناعة الإعلام والقرار السياسي، لكنني لم أكن أتوقع أن يصدر كتاب في الموضوعبعنوان “الوجه الخفي للإمارات العربية المتحدة” وبقلم باحث فرنسي..اسمه ميشيل فوب “Michel Taube” لقد تحولت فرنسا لسوق أسهم سياسية كبير..!
هذه هي فرنسا التي احتلت كثيرا من بلاد أفريقيا، واستغلت مواردها، وسرقت مقدراتها،وقتلت طائفة من شعوبها، ناظرة إليهم بعين الاحتقار والاستعلاء، فرنسا التي استمر تحكمها في كثير من سياسات مستعمراتها السابقة، واستمرت تستفيد مما كانت تستفيده من قبل، بل أكثر، وهاك مئات الشركات الفرنسية العاملة في شمال أفريقيا، في تونس والجزائر والمغرب، تستحوذ على أسواقها، وتهمش شركاتها الوطنية، ها هي فرنسا تضع يدها على مقدرات مالي بدعوى محاربة الإرهاب، حتى كدنا نعتقد أن “محاربة الإرهاب” دليل على مصادر الطاقة والمناجم الذهبية واليورانيوم؟ وربما اعتقدنا ذلك قريبا!
آخر الأمر في فرنسا، أن تعمد دول أفريقية إلى المطالبة بسحب ودائعها من البنك المركزي الفرنسي، وهذا مشعر بما لا يخفى على باحث، وكل ذلك ينعكس على حالة بلادنا…وعلى كل هذا شواهد، وإنما يعقل هذا أولو الألباب.