أكد فوزي الشعبي، على صفحته الخاصة في فايسبوك، أن والده سيوارى الثرى بعد عصر اليوم بمقبرة الشهداء بالرباط.
وكان الفقيد قل لفظ أنفاسه الأخيرة يوم السبت 16 أبريل الجاري، بإحدى المصحات الخاصة بالمانيا، عن سن يناهز 85 سنة، بعد معاناته مع المرض.
ولد ميلود الشعبي سنة 1929 بمدينة الصويرة، وهو أحد رجال الأعمال العصاميين القلائل الذين جاؤوا من عائلة قروية متواضعة، قبل انه يصبح واحدا من بين أثرياء المملكة المغربية.
المسار الإقتصادي
بعد تلقيه تعليما بسيطا في طفولته بمسجد بلدته خرج لميدان العمل، تارة كراع للماعز، وتارة أخرى كعامل زراعي. لم يكن يتجاوز عمره الخامسة عشر، بعد أن وفر بعض المدخرات من تلك الأعمال البسيطة، بدأ من مراكش وانتقل إلى مدينة القنيطرة حيث أنشأ هناك سنة 1948 أولى شركاته، وهي عبارة عن شركة صغيرة متخصصة في أشغال البناء والإنعاش العقاري.
في القنيطرة وجد الشعبي وسطا اقتصاديا منغلقا، فمجال المال والأعمال في المغرب كان انذاك محتكرا من قبل المعمرين الفرنسيين، وبعض التجار اليهود، وبعض الأسر المغربية العريقة. دخل الشعبي ميدان التحدي والمنافسة ونوع نشاطه واتجه نحو صناعة السيراميك عبر إطلاق شركة متخصصة سنة 1964. وما أن توفر للشعبي ما يكفي من التجربة والترسيخ في مجال الأعمال حتى بدأ ينظر لفرص شراء شركة عصرية كبيرة. فتقرب من مجموعة دولبو ـ ديماتيت لصناعة وتوزيع تجهيزات الري الزراعي ومواد البناء. غير أن عائلة «دولبو» الفرنسية التي تسيطر على رأسمال المجموعة لم تستسغ دخوله كمساهم في رأسمالها. رفع الشعبي راية التحدي، وأطلق شركة منافسة حطمت أسعار منتجات «دولبو ـ ديماتيت». واستمرت غزوات الشعبي الاقتصادية لسنوات طويلة قبل أن ينتهي الأمر بعائلة دولبو إلى إعلان الهزيمة، واتخاذ قرار بيع مجموعتها الصناعية، التي كانت مشرفة على الافلاس للشعبي نفسه، وذلك عام 1985. وشكلت هذه العملية طفرة في مسار الشعبي المهني. فعلى إثرها قام بتأسيس مجموعة يينا القابضة.
أصبحت مجموعة يينا كواحدة من أقوى المجموعات الاقتصادية بالمغرب. ففي سنة 1992 أنشأ الشعبي شركة جي بي سي للكارتون والتلفيف. ثم فاز بصفقة تخصيص الشركة الوطنية للبتروكيماويات سنيب سنة 1993. وفي 1994 أطلق شركة إليكترا للمكونات الكهربائية والكابلات وبطاريات التلفزيون، وفي 1998 أطلق سلسلة متاجر أسواق السلام العصرية، تبعها إطلاق أولى وحدات سلسلة فنادق رياض موغادور سنة 1999، لتصبح بذلك إحدى المجموعات الاقتصادية المهمة في المغرب.
وكما هو حال كل فاعل اقتصادي تناسلت الروايات بخصوص أسباب نجاح الشعبي، لكن لم يستطع احد إلى غاية اليوم أن يتبث أن الفقيد نهب مترا واحد من اراضي المغاربة، بل في مراكش وفي مساحة ارضية واحد اشترى المتر بـ1200 درهم، فيما اشترى أنس الصفيري بـ60 درهم من صندور الإيداع والتدبير على عهد مصطفى الباكوري. كما لم يستطع أحد أن يتبث أن رجل الاعمال الشعبي قدم يوما درهما واحدا لأي موظف للحصول على وثيقة لإنجاز مشروع ما. الأمر الذي كان يجعله في كثير من الاحيان في انتظار وثيقة لمدة سنة وربما سنتين، في وقت كان يتطلب استصدارها خمس دقائق، الامر الذي كان يخلق له متاعب من بزنائه خاصة في مجال السكن.
لا لبيع الخمور
استطاع الفقيد وهو قيد حياته أن يخترق بانشطته الإقتصادية العديد من الأسواق العالمية، إلى جانب السوق المغربي، كتونس، ليبيا، مصر والإمارات وهو مالك سلسلة فنادق رياض موغادور المعروفة بعدم تقديمها وبيعها الخمور لزبائنها إضافة إلى سلسلة متاجر أسواق السلام، التي تعد أول سلسلة سوبرماركت عصرية لا تبيع الخمور.
يتحدى الحسن الثاني
قليلون من يعرفون أن الشعبي ابتدأت مسيرته مع حزب “الإستقلال” قبل أن ينتمي لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية. وفي ستينيات القرن الماضي، منع الحسن الثاني الإتحاديين بزعامة عبد الرحيم بوعبيد من استغلال أي قاعة في مدينة القيطرة، لكن الشعبي فتح منزله لهم، فكانت غضبة كبيرة عليه، من طرف الملك، لم يستطع الشعبي التخلص منها إلى بعد زمن طويل كلفه خسارة العديد من مصالحه وأنشطته.
فاز اسمه بمقعد في مجلس النواب المغربي في انتخابات 2002. وفي الانتخابات البرلمانية 2007 فاز بمقعد تمثيل مدينة الصويرة. في يوليو 2008 شن هجوماً حاداً على حكومة إدريس جطو ودعا إلى تشكيل لجنة تقصّي الحقائق بعد فضيحة بيع الحكومة أراضي الدولة بثمن زهيد دون احترام الإجراءات القانونية لمجموعة الضحى.
أعمال خيرية
اشتهر الشعبي بأعماله الاجتماعية التي تقوم بها مؤسسته الخيرية الحاملة لاسمه. تقدر أمواله بأزيد من 2.9 مليار دولار.اختاره قراء يومية Le Matin du Sahara الفرنكفونية، كأفضل مدير مؤسسة لسنة 2007. سنة 2012 صنفته المجلات المختصة كأغنى رجل في المغرب، متجاوزا الملك محمد السادس وعثمان بن جلون.وسادس أغنى رجل أعمال في أفريقيا.
تأسست مؤسسة ميلود الشعبي للأعمال الاجتماعية والتضامن سنة 1965 وهي تتمتع بصفة جمعية ذات المنفعة العامة بالمغرب. لها عدة فروع في جغرافيا المغرب تلعب دورا مهما في تغذية وإيواء الطلاب والأطفال المتمدرسين.
معروف عن ميلود الشعبي أنه يرفض بيع المشروبات الكحولية في متاجر “أسواق السلام” التابعة له، كما أنه معروف عنه أنه يوقف البيع و الشراء في جميع محلاته خلال وقت صلاة الجمعة احتراما لمبادئ الدين الإسلامي، مما يلاقي احتراما و استحسانا من طرف فئات واسعة من الشعب المغربي.
فكر دستوري
سنة 1992 استدعي الشعبي ليكون في لجنة مكونة من رجال الاعمال الكبار في المغرب عهد لها الإشراف على بيع عدد من القطاعات والشركات العمومية، لكن الشعبي رفض التمثيلية بداخلها، احتراما لمنشور حكومي، كان يقضي بعدم تعارض المصالح، إذ ينص المنشور على عدم جواز عضوية أي رجال أعمال داخل اللجنة إذا كان يريد المشاكرة في شراء القطاعات او الشركات.
كان بين رجال الاعمال في اللجنة من جمع بين الوظيفتين دون مشكل، بل إن بعضهم سخر من الشعبي وحاول إقناعه بإلحاح على الجمع بين الوضعين، ولكنه أصر على عدم ذلك، احتراما للمنشور الحكومي، الذي تحول إلى نص دستوري سنة 2011 ينص على عدم تنازع المصالح واستغلال النفوذ.
نموذج أسري
رغم ثروته الهائلة تفيد المصادر أن الفقيد لم يصرف درهما واحدا في سجارة ولا ذاق لسانه قطرة خمر ولا لعب في حياته ميسرا او قمارا ولا انحرف نحو فساد أخلاقي ولا فكر في زوجة بديلة عن زوجته، أم أبنائه، التي ظلت تربطه به لعقود أواصر قوية جدا، ترجمتها الزوجة بشكل قوي ومثير خلال الأيام الأخيرة من عمر الراحل، حين ظلت تنام بقربه غير قادرة على فراقه بحسب مصادر مطلعة. حرص الفقيد الشعبي على تنشئة أبنائه تنشئة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
مواقف للتاريخ
كان الفقيد هو صاحب الوصف الشهير للماجيدي والصفريوي بـ”آل الطرابلسي” وذلك خلال حوار أجرته معه “الأسبوع الصحافي” شهر أبريل من سنة 2013. وخلال نفس الحوار انتقد الشعبي بشدة تدخل الماجيدي لعرقلة إنجاز 30 ألف شقة في مراكش، فبعد أن بعث الشعبي بالمشروع إلى الوكالة الحضرية، فوجئ بمسؤولي الوكالة وهم يبعثون بالملف لمنير الماجيدي، الذي ظل يرفضه، فانتفض الفقيد بحجة ان المصالح المعنية والمختصة هي وزارة السكنة والوالي والعامل ولا دخل للماجيدي.
وكان الشعبي هو أول من انتقد أنس الصفريوي، بعد أن ظفر الأخير بالعديد من اراضي المغاربة باثمنة زهيد جدا، وتارة مستغلا اسم الملك محمد السادس في ذلك.
بنكيران يدشن المشاريع!
لم يسبق في تاريخ الحكومات المغربية أن دشن وزير أول أو رئيس حكومة مشروعا ضخما، لكن الشعبي، بعد إيمانه بدستور 2011، استدعى بنكيران سنة 2013 لتدشين قصر المؤتمرات بموغادور في مراكش. حضر الحفل العديد من الوزراء ورجال الاعمال ولكن كان لافتا عدم حضور والي جهة مراكش آسفي.
المثير أن رئيس الحكومة هذا ظل يتفرج على العديد من مشاريع الفقيد وهي معطلة في أكثر من مدينة مغربية دون أن يقدم له يد العون، رغم أن الشعبي كان الملجأ المادي لحزبه في بعض المناسبات وهو في المعارضة، شأنه شانه العديد من الأحزاب والهيئات الحقوقية والفعاليات المدنية.
وحين صار بنكيران وصحبه في الحكومة، لم يردوا له الجميل، عدا مجاملات مجانية إذا أوجبتها ضرورة ما، بل ومن طرائف هذه القضية أن والي جهة الدار البيضاء حاول مساعدة الشعبي في حل قضية “أسواق السلام” بسوق الجملة “مارشي كريو” فيما أعطى زعيم حزب “العدالة والتنمية” عبد العزيز العماري، عمدة الدار الببيضاء أوامره لعرقلة حل هذا المشكل رغم أن الفقيد يملك عقد كراء للسوق موقع عليه وزير الداخلية وعمدة المدينة السابق.
رحمه الله