خطاب العرش والعلاقة المغربية الجزائرية
هوية بريس – الصادق بنعلال
“نؤكد مرة أخرى، لإخواننا الجزائريين، قيادة وشعبا، أن المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء؛ وكذا الأهمية البالغة، التي نوليها لروابط المحبة والصداقة، والتبادل والتواصل بين شعبينا”: ملك المغرب محمد السادس – 29/7/23
شكل خطاب الملك المغربي محمد السادس، الذي صادف الذكرى الرابعة والعشرين لتربع جلالته على العرش، حدثا سياسيا مفصليا لما تضمنه من رسائل ومحددات بالغة الأهمية لحاضر ومستقبل الأمة المغربة، فعلى مستوى الاستحقاقات التنموية الشاملة تمكن المغاربة بفضل جديتهم وتفانيهم في العمل من بلورة إنجازات غير مسبوقة عربيا وإفريقيا، من قبيل تألق المنتخب الوطني لكرة القدم في مونديال قطر، و تقديم ملف مشترك مع الجارتين الصديقتين إسبانيا والبرتغال لاحتضان نهائيات كأس العالم 2030، وتصنيع أول سيارة مغربية محلية الصنع، بكفاءات وطنية وتمويل مغربي، وتقديم أول نموذج لسيارة مغربية تعمل بالهيدروجين، و توالي الاعترافات بمغربية الصحراء من قبل دول وازنة ومؤثرة عالميا، مما يعكس من جملة ما يعكس نبوغ المغاربة وقدرتهم غير المحدودة في الإبداع والاجتهاد في شتى المجالات.
وعلى الرغم من اعتزاز جلالة الملك بما جسده رجال ونساء المغرب من إنجازات هيكلية رفيعة، إلا أنه عبر بوضوح عن طموحه إلى رفع المزيد من منسوب الجدية والفعالية في الحركية المجتمعية، سياسيا و إداريا وقضائيا، لأن المبتغى هو الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى أكثر تقدما وازدهارا، خاصة وأن المغرب في ظل تداعيات الأزمة العالمية، في حاجة ماسة إلى إطلاق برامج تنموية من الجيل الجديد للتعاطي الإيجابي مع مشكل ارتفاع الأسعار وبطء وتيرة النمو الاقتصادي. كما أن الخطاب السامي لم يغفل عن الإشارة إلى أولوية تشبث الشعب المغربي بثوابت الأمة ومرجعياته الرئيسية، أقلها التعاليم الدينية السليمة والملكية والوحدة الترابية، في سياق عالمي موسوم باضطراب القيم واهتزاز الأسس المشكلة للمشترك الوطني والإنساني.
غير أن الانشغال بقضايا الأمة المغربية ونضالها من أجل رهان الإقلاع التنموي متعدد الأبعاد، لا ينفصل بحال من الأحوال عن أحوال القضايا العربية المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية.
تماما كما أن جلالة الملك أبى إلا أن يعود إلى الحديث عن موضوع العلاقة المغربية الجزائرية، تلك العلاقة التي وصفها، عبر لغة راقية وأسلوب حافل بالمودة والاحترام، بكونها مستقرة لكنه يتطلع إلى ما هو أفضل وأرقى، بفضل القواسم المشتركة اللغوية والدينية والعرقية والتاريخية ووحدة المصير، التي تجمع القطرين المغاربيين الكبيرين.
إن المغرب ملكا وشعبا لا يكن أي عداء للجزائر، ولم يكن ولن يكون مصدر سوء أو شر في اتجاه أشقائه، بل إنه (المغرب) يتطلع إلى فتح الحدود والتطبيع الكامل، بين بلدين جارين وجدا ليعيشا جنبا إلى جنب في تواصل وأخوة وتضامن ومودة.