“مشروع إيران” و”اغتيال هنـ.ية”.. نقاش إسلامي ساخن حول الموضوع بالمغرب
هوية بريس – عابد عبد المنعم
لازالت ردود الأفعال تتوالى حيال اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في 31 من يوليو 2024 بطهران، وذلك عقب مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وبعد ساعات قليلة من اغتيال أحد أبرز قادة حزب الله في لبنان فؤاد شكر بغارة على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وكما أثارت عملية الاغتيال نقاشا كبيرا على المستوى السياسي، فقد أثارته أيضا على المستوى الفكري والإعلامي والديني أيضا، حيث جددت الحديث حول الخلاف السني الشيعي، وتحالفات وأهداف دولة إيران في المنطقة.
وإذ اعتبر طيف من التيار الإسلامي أن الدخول في هذا النقاش خلال العدوان على قطاع غزة، وتراجع الأنظمة العربية عن دعم المقاومة، يعدّ خطأ كبيرا، بل خذلانا لأهل غزة، على اعتبار أن إيران هي الدولة الوحيدة التي تمد المقاومة بالعتاد والسلاح.. لمواجهة العدو..
فقد اعتبر طيف آخر أنه إزاء مراعاة المصالح الجيوسياسية بالمنطقة، وفقه الضرورة الذي يعمل به سكان غزة عموما، فلا يحق البتة الاندفاع والإغراق في لغة العاطفة، والتغافل عن أهداف إيران في المنطقة، سواء من جهة مصالحها السياسية من وراء دعم المقاومة، باستعمالها كورقة للتفاوض مع الغرب وتبييض وجهها في المنطقة العربية عقب عمليات الإبادة التي قامت بها في سوريا دعما لنظام بشار، كما صرح بذلك أبو الوليد خالد مشعل في لقاء إعلامي، أو من جهة أهدافها العقدية المعلنة عبر مراجعها وتصريحات ملاليها وزعمائها السياسيين.
هناوي: بين الجرائم السنية والجرائم الشيعية
وتعليقا على هذا النقاش الذي احتد خلال الأسابيع الماضية، نشر ذ.عزيز هناوي، الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع تدوينة على صفحته الرسمية بالفيسبوك، جاء فيها:
“مجرد سؤال.. ترى لماذا لا يتم ذكر جرائم عواصم سنية كبرى في حق شعوب سنية مقهورة بوصفها أنها جرائم سنية.. مثلما يتم وصف جرائم أخرى في مناطق من المنطقة بأنها جرائم شيعية..؟!”.
ليعقب بعد ذلك موضحا “إلى الذين استعصى عليهم تساؤلنا البسيط.. نضعه مرة أخرى ببساطة أكبر.. لماذا لا يتم استدعاء الانتماء السني لوصف جرائم عدد من أنظمة وعواصم السنة بحق الشعوب السنية. مثلما يتم توظيف الانتماء الشيعي في وصف جرائم أخرى واضح الآن؟”.
محمد عوام: صراع طائفي تحركه المخابرات
وكتب د.محمد عوام مساندا للأستاذ هناوي بقوله “..اليوم الذي يحرك الصراع السني الشيعي هم المخابرات الصهيونية والأمريكية الغربية وبلداء العرب، أدخلوهم في حرب طاحنة بين العراق وإيران بتمويل خليجي، وروجوا كل الأكاذيب والأراجيف لمناهضة التشيع، ولكن في الوقت ذاته هذه الدولة التي تدعي أنها سنية هي من تحارب أهل السنة، وتعادي العلماء وتملأ سجونها بهم، إذن ادعاء السنة للتوظيف السياسي فقط، أما الواقع فشيء آخر.
مع الأسف أن بعض أبناء الحركة الإسلامية انخرط في هذه اللعبة الخبيثة، بدل من الدعوة إلى وحدة الأمة تجاه العدو الحقيقي طفق يردد مقولات الصهاينة والأمريكان والغرب”.
بنكيران: إيران دولة قائمة على إيديولوجية دينية
هذا وعقب د.رشيد بنكيران، مدير معهد غراس للتربية والتكوين وتنمية المهارات، على تدوينة ذ.هنواي بقوله:
“سيدي الكريم، يعلم الله كم أني أقدرك وأبارك نضالك البطولي فيما يخص القضية الفلسطينية، أحسبك والله حسيبك أنك تقف على ثغر عظيم، هذا أولا.
وثانيا: أنا مع المقاومة الفلسطينية لتحرير أرضها المغتصبة، وأرفض كل أشكال التطبيع مع الكيان الغاصب.
وبعد هذه المقدمة، التي كان ولا بد من قولها لكي تتضح الصورة، فأقول جوابا بسيطا على سؤالك البسيط كما وصفته:
– الأنظمة التي تسأل عنها ليست سنية،
نعم صحيح أن شعوبها سنية وتدين بدين السنة، لكن أنظمة هذه الدول ليست سنية، وحينما يتم الاعتداء من طرف هؤلاء الأنظمة على شعوبها لا يكون ذلك بناء على السنة أو الانتماء الطائفي، فمثلا وليس للحصر، هل ما قام به النظام المصري في حق جماعة إخوان المسلمون السنية كان بناء على موقف سني، فالجميع يعلم أن أسس النظام المصري السياسي لا علاقة له بالسنة لا من قريب ولا من بعيد، ولا يمكن أن نصف ما قام به من تنكيل لشعب مصر كان بناء على بعد طائفي سني، والآن ما يقع في تونس من طغيان النظام في حق طائفة من الشعب التونسي هل لأجل انتماء هذا النظام للسنة!!؟
– نحن شعوب سنة، ليست أنظمتنا سنية ولا دولنا سنية، بمعنى أن سياسة تلك الأنظمة وخصوصا الخارجية لا تنبني على عقيدة السنة، هذا بخلاف إيران..
– إيران دولة قائمة على إيديولوجية دينية، وتبني سياستها الخارجية على ذلك، وترى تصدير ثورتها الخمينية مشروعا توسعيا موجها إلى الشعوب السنية… ومن الشواهد على صحة ذلك ما اعترف به الشيخ القرضاوي وغيره من العلماء أن مشروع التقريب بين الشيعة والسنة آل أمره إلى غزو التشيع في بلاد أهل السنة.
– وآخرا وليس أخيرا، أن السؤال البسيط الذي تفضلتم به غير مفض إلى المقصود، وكان يمكن أن يكون له وجه لو وجدنا أن إيران تعتدي على الشيعة في مكان ما، وبادر أحدنا بوصفها أنها فعلت ذلك بناء على حس أو انتماء طائفي، فهنا يصح منك هذا السؤال وتطالب أصحاب التفسير الطائفي لماذا لا تصفون الأنظمة السنية حين الاعتداء على أهل السنة بأن ذلك كان بناء على انتماء طائفي… فتأمل أخي الفاضل رعاك الله بكرمه وعنايته”.
وأضاف د.رشيد بنكيران معقبا:
“- سيدي الفاضل
ليس مطلوبا منا شرعا ولا عقلا ولا واقعا أن نطبل لإيران لكي نقول بمشروعية أن تستعين المقاومة بخدمات إيران…
فالشرع يسمح لها حسب السياسة الشرعية وقواعد المصلحة والمفسدة بجواز ذلك وبشروط.
– وإذا كان الشرع يجوّز لمن هو في حالة الضرورة، فإنه في الوقت نفسه يمنع من كان في غير حالة الضرورة أن يدخل في تمجيد وتطبيل بالمجان للشيعة وهم كما وصفت آنفا بخصوص مشروعهم التوسعي.
– وما علينا فعله الآن هو أن نساند المقاومة بما تيسر لنا، كل بحسبه ومن موقعه، وأن ندافع على اختياراتها، ونحذر فيما بيننا وبينها من خطر المكر الشيعي من له إمكانية ذلك، وقد ثبت أنهم أدرى بهذا الواقع وبحقيقة من يساعدهم، وكذلك أن نجتنب في هذه الظرفية التصريحات الطائفية التي لن يستفيد منها إلا الكيان الغاصب والمنافقون، ولكن في الوقت نفسه، أن يكون لنا مشروع قوي في منع غزو التشيع في بلاد أهل السنة، بل ومدّ الجسور بين سنة إيران المهضوم حقهم هناك، وتقويتهم، وجعلها ورقة قوية بأيدي حقوق أهل السنة….
اعتذر عن الإطالة، فالجواب البسيط أبى إلا أن يكون بسيطا”.
هذا وقد تفاعل الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع بشكل إيجابي مع رسالة د.بنكيران فأجاب بقوله “حياكم الله استاذنا الفاضل وجزاكم الله خيرا على رسالتكم البليغة اتفق مع خلاصاتكم.. المقاومة ضد العدو المحتل المجرم.. والحذر من الانزلاق للطائفية التي يستفيد منها العدو والمنافقين”.
في الختام:
هذا وقد ثمن عدد من المتتبعين النقاش الهادئ الذي يحترم فيه الطرفان بعضهما البعض، ويقدر كل منهما الآخر، وطالبوا برصِّ الصف الإسلامي بمفهومه العام، لأنه وفق قولهم، ما ينتظرنا من تحديات قد يأتي على الأخضر واليابس، وجل الدول والتكتلات تبحث عن مصالحها في عالم يعاد تشكيله من جديد وفق خارطة ترسمها قوى الاستكبار العالمي.
كما أدان ذات المتتبعين لغة التصعيد والتحريض والشيطنة التي تقوم بها جهات وأطراف معينة، والتي تكرس في مجملها الشرخ بين الصف السني وتخدم أجندات العدو بالدرجة الأولى.