مقدمة كتاب “أربعة قرون من تاريخ المغرب”
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
نشرت في أوائل 1908 عملا بعنوان (الواحات الصحراوية) في 400 صفحة، والذي بدأ بالتحذير التالي:
عندما وصلت الواحات في 1904 ظننت أن كل ما عرف عن هذا الغزو منذ أربع سنوات، أصبح متقادما.
لشهور وشهور، تنقلت متجولا من واحة لأخرى، ومن كصر لكصر، أستجوب الناس، وأفتش المنازل القديمة، والفنادق العتيقة، حيث الأرضة تقرض لسنوات طويلة أوراق الأجداد على مهل، كنت ألاحظ وأستمتع.
من كل هذا قمت بإعداد هذا الكتاب، متجنبا أية أفكار مسبقة، أو أطروحات شخصية، لفهم روح السكان الصحراويين، ناقلا بصدق، بدقة الحقائق المستفادة، والأشياء التي رأيتها.
حاولت جاهدا أن أعيد إحياء ماض غابر، وآثار ضائع حتى من قبل الذين ورثناهم، لقد قمت بجرد حاضر لميتم بعد إطلاق العنان لعناصره بشكل كامل، وهكذا قمت بتقسيم كتابي إلى جزأين، ولكن لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية.
نشر الفصول المتعلقة بتاريخ الشرفاء -الإمبراطورية الشريفة- سيتم “تأخيره لبعض الوقت”.
لذلك سأقدم اليوم للجمهور التاريخ القديم، الغزو الفرنسي، والمخزون الإقتصادي، والباقي سيأتي في مؤلف ثان عندما يسمح الوضع السياسي بذلك.
كان هذا كل ما سمحت لي به خدمتي العسكرية أن أقوله آنذاك، لكن من الممكن اليوم أن أروي كيف تم اتخاذ قرار هذا “الإيقاف”، وأي نوع من “السياسة” كان سببا في إرضائي.
بعد عودتي من الصحراء مع الوثائق التي جمعتها خارج أوقات وظيفتي العسكرية كمترجم للقيادة، مع انطباع ممثل الكولونيل لابيرين، وصلت الجزاير العاصمة في شهر غشت 1906، وقدمت نفسي للكومندار لاكروا مدير الشؤون الأهلية لدى الحاكم العام للجزاير، وطلبت منه تسهيل عملي في تحديث وثائقي.
رحب بي هذا الضابط الكبير على الفور، في مكاتبه، مكان جاء إليه سريعا للإستفسار عما كنت على وشك إنتاجه:
أشبعت فضوله تماما، من خلال إصلاحين مناسبين ظهرا له من خلال مستنداتي، وهما: الإصلاح الضريبي، والتنظيم الإداري للواحات.
وفي أحد الأيام أحضر لي وثيقتين مخطوطتين وقدمهما لي قائلا: “عزيزي، الكتاب الذي تعده سيكون في غاية الأهمية، وأريد المساهمة فيه، إليك أول جهازين صغيرين أحضرتهما لك من مكتبتي الشخصية، وسأحضر لك جهازين آخرين شاهدهما وإذا كان هذا يناسبك، أدرجهما في كتابك، كل ما عليك فعله هو وضع اسمي بجانب اسمك.
فكرت لعدة أيام، وبعد ذلك سلمت وثائقه إلى رئيسي رافضا التكريم الذي قدمه لي.
قال لي على راحتك.
مر أكثر من شهر، وفي أحد الأيام الجميلة، قدم لي الكومندار لاكروا بعض الشكوك التي ولدها نشر مشروعي، فشعرت بمخاوف من عواقب التي قد تترتب على ذلك في فترة المنافسات الدبلوماسية التي أثارتها بعد ذلك من قبل ألمانيا بخصوص المغرب.
بعد ذلك أخطرني بأمر من الحاكم العام يقضي بتسليم جميع الوثائق التي نقلتها من الصحراء إلى المكتبة العامة للحكومة، حيث سيتم السماح لي لاحقا باستخدامها، عندما تنفرج الوضعية الخارجية.
لقد حاولت عبثا أن أضع أمام رئيسي كل الحجج التي اعتقدت أن من شأنها تهدئة مخاوف حاكم الولاية، وحرب متعبة، عرضت عدم نشر أي شيء إلى وقت آخر تكون الأوضاع مواتية على أن تبقى الوثائق بين يدي، لأني من جمع واكتشفها، فرفض مقترحي هذا أيضا، فقررت أن أخاطب الحاكم العام جنار نفسه.
في قصر مصطفى ذات صباح، استقبلت فقط من قبل السيد إينارد رئيس مجلس الوزراء الذي كان يعني لي ذلك أن أمر الحاكم بتسليم مستنداتي غير قابل للنقض، لذلك كنت مؤهلا بضربة هاتف، لتكرار هذا الأمر، بمجرد عودتي إلى مكاتب مديرية الشؤون الأهلية من قبل الكومندار لاكروا نفسه، الذي استمد قوته من رفضي التعاون معه، ويضيف:
“لقد تظاهرت بالمشي بمفردك وهذا ما سيكلفك”.
من أجل التحدث للسيد جنار شخصيا، الذي كانت سلطته ضدي، ذهبت من سباق السيارات إلى الفيلا التي كان يشغلها في كورايه، قرب شرشال: لم يتم استقبالي، بل أُرسلت فقط إلى السيد أينارد، ثم أرفقت مستنداتي في حقيبة بها مخطوطة كتابي التي أكملت ثلاثة أرباعها بالفعل، حملتها كلها لباريس، أمام وزير الحرب.
هناك تم فحص المخطة والوثائق، وفي نهاية ثلاثة أسابيع، أعلن لي الكولونيل طوطي رئيس مكتب الوزير الجنرال بيكوار حرفا حرفا تقريبا ما يلي:
“أرجع لك أوراقك بعد فحصها من قبل أشخاص مختصين وجدوها هامة وليست خطيرة، عكس ما كتب عنها جونار من الجزاير، كليا أو على الأقل بالنسبة للنقطة الثالثة، ولأن جونار من أركان الجمهورية فلا أحد يقوى على السير ضده.
أسندك، عزيزي ورفيقي المتهور، أدعوك لأن تقوم بنفسك حيثما شئت بقص جدي في مخطوطتك نشر ما تبقى منها في وقت لا حق، وبذلك سترضي جنار، وسيصلك الإذن الوزاري بهذا المعنى عبر التسلسل الإداري حيثما كنت، هيا دعك حكيما.
إنحنيت أمام هذا القرار، دون تعليق.
انتهت جلسة الإستماع، وعدت في وقت لاحق إلى الجزاير العاصمة، حيث استلمت للتو مهمتي في ملحق العريشة (وهران).
هناك بعد شهرين حوالي مارس 1907 وصلني أمر موقع من جونار يقضي بالعمل دون تأخير على تسليم مستنداتي الصحراوية، بين يدي رئيس الملحق الذي أرسلها للجزاير؛ هذا الأمر استلم أولا بالجزاير، وبعث به لكومندار الفيلق 19 الذي حوله لوهران، ثم للجنرال ليوطي الذي أكد توقيعه الخادع على حالة الجمود الحتمية، ومن ثم فقد أصبح أمرا عسكريا سيؤدي رفض تنفيذه إلى اتخاد إجراء ضدي أمام القضاء العسكري.
قمت بتسليم مستنداتي مرقمة ومحرَّزة، لكن (أخبرت) باريز… وبعد ستة أشهر تم إرسالي إلى المقر العام بتونس، دون إخباري عن الوثائق المهمة التي بقي قسم هام منها لفحصها واستخدامها.
مع ذلك أكملت مخطوطتي، ونشرت المؤلف سنة 1908 في 133 صفحة، وهي الموجودة في الفصول من 7 إلى 14.
في اليوم الذي بدت فيه هزيمة ألمانيا مؤكدة… طلبت الإذن الوزاري بتاريخ 17 نونبر1916 وحصلت علىه.. اثني عشر شهرا وعشرين يوما…
جاء جواب الوزارة مؤرخا في 4 دجنبر 1917 “أرجو ألا ينشر إلا بعد إبرام الصلح”.
لكن مع ذلك نقول الوزير “احترم التعديلات التي اقترحها السيد ليتود الحاكم العام للجزاير (على منشوري) في الحدود والشكل”، الذي أحكم عليه “بأنه مقبول” وهذه “التعديلات ” مذكورة في رسالة من هذا المسؤول الرفيع بتاريخ 20 نونبر 1917 والتي أرسل لي الوزير نسخة منها.
لن أعيد إنتاجه بالحجم الكامل، لأنه عبارة عن وقائع غزيرة مكونة من أربع صفحات كبيرة، وهي عبارة عن مسبحة طويلة من التكهنات المتعلقة بالسياسة الداخلية، وهي بعيدة كل البعد عن “اعتبارات السياسة الخارجية، “التي ذكرها السيد جونار، والمؤامرة الأولية الإنتقامية للاكروا”.
السيد لوتود لامني لاقترابي “على وضع نفسي في وجهة نظر مغربية للغاية” زيادة على “الإعتماد على مصادر شريفية حصرية للغاية”.
أجابتي تكمن في مقدما في “التحذير” بمجلدي الأول الواحات الصحراوية مستنسخة في مطلع عرض المقدمة، لأنها تنبع من من العرض الجغرافي الذي بدأ به هذا المجلد الأول، وكما ستنبثق مرة أحرى من المقدمة وكل شيء في الفصول التالية: المضي قدما بكل نزاهة دون أفكار مسبقة، وتقديم التقرير بأمانة، كل ما رأيته وقرأته، سواء كان متعلقا بالجزائر، أو تركيا، أو تونس، أو طرابلس، أو الصحراء الجنوبية، أو الساحل السنغالي، أو السودان، أو فرنسا، وكذلك بعض الأنجليز.
أنهى السيد لوتود بنصحي بحصر مؤلفي “في تاريخ مختلف: إما بوصول الفرنسيس لإفريقيا، أو في غضون العمل الحكيم والمثمر المجيد للكومندار لابيرين بتوحيد إمبراطوريتنا الإفريقية وإنهاء هذا الزحف التقليدي عن طريق هذا الإزدهار الوطني المثير للإعجاب، أو في عهد الحرب الكبرى الحالية”.
الآن سأكمل الجزء التاريخي المحتجز كما فعلت سابقا في 1908 وهو إدانة لكل من وضع عقبات أمام نشره، بسبب كشفي فيه عن ماضي الغزو الفرنسي للصحراء والعقد الدولي الذي دفع سلطان المغرب إلى إسناد سيادته على الصحراء لفرنسا عبر الإتفاق الفرنسي المغربي في سنة 1901 و1902.
أخيرا وبنفس أساليب المعلومات الأهلية التي تمكنت من تطبيقها مؤخرا على المغرب نفسه، سأثبت شكل وإيماءات السلطان الذي وافق على هذه الإتفاقيات، وأبين سلسلة الأحداث التي وقعت، بعد فترة وجيزة في الصحراء، وأخضعت فيها بقية الإمبراطورية كلها، لسلطة فرنسا وحمايتها.
يتداخل هذا التاريخ الحديث، وماضي الواحات التواتية، ليبين بعضه البعض، وهذا هو ما جعل من السهل بالنسبة لي، تقديمهما كوحدة متكاملة، في مجلد واحد، بعدما كان يتصور، أنهما عملين منفصلين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة:
quatre siecle d,hitoire marocain au sahara de 1504a1902 au maroc de 1894a 1912: Mrtin Alfred-Georges-Paul(1863-1938).