كيف ينظر المغرب والجزائر لعودة ترامب للبيت الأبيض؟
هوية بريس – بلال التليدي
ثمة ما يشبه اليقين لدى كل من الرباط والجزائر بأن عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض، أو بالأحرى عودة دونالد ترامب للرئاسة، تعني تغيرا في التعاطي الأمريكي مع الإقليم، حتى ومنطقة شمال إفريقيا لا تشكل لا بالنسبة إلى الديمقراطيين ولا الجمهوريين، عناوين رئيسية في السياسة الأمريكية.
الرباط تنظر بتفاؤل كبير لهذه العودة، وترى أن الالتزامات الأمريكية التي قدمت عند توقيع الاتفاق الثلاثي بالرباط، لم تستكمل بسبب انتهاء ولاية دونالد ترامب، وأنه ما عدا الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، لا يزال ملف إقامة قنصلية أمريكية بالداخلة، واستثمار نحو 5 مليارات دولار لتنمية منطقة الصحراء مشاريع مفتوحة، على ذمة الرئاسة الجديدة لكي تنظر في استكمالها أو توسيعها.
أما الجزائر، فتتجاذبها نظرتان: نظرة تخوف كبير لفوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، وما يمكن أن ترمز له هذه عودته للبيت البيضاوي من اتجاه بملف الصحراء في اتجاه الحسم النهائي وفق المقترح المغربي للحكم الذاتي. ونظرة أخرى مقابلة، ترى الجزائر في هذه العودة إيذانا بقرب التخفف من الضغط الذي كان تمارسه واشنطن وبروكسيل على الجزائر لمنعها من تقديم دعم لوجستي يساعد روسيا على التمدد في منطقة الساحل جنوب الصحراء، فسياسة دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وجعل التحدي الصيني الأكثر أولوية، ستقلص من حجم الضغوط الغربية على الجزائر، مقابل سياسة طاقية تخدم مصالح كل من واشنطن وبروكسيل.
الملك محمد السادس، بعد أن هنأ الرئيس الأمريكي على عودته للبيت الأبيض، استثمر مناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء ليوجه هذه المرة خطابا مباشرا للجزائر، يسائل فيه حقيقة ما تطلبه في ملف الصحراء، إذ عدد بهذا الخصوص، ثلاث أطروحات محتملة تؤطر السياسة الجزائرية تجاه قضية الصحراء، وأن المغرب أجاب عن أطروحتين منها بجواب سياسي محدد، إذ أجاب عن أطروحة تقرير المصير بجواب الحكم الذاتي، بحكم أن القانون الدولي، يحدد آليتين لتقرير المصير، إما الاستفتاء أو الحكم الذاتي، وبحكم أن الأمم المتحدة نفسها، أثبتت في تجربتها أن خيار الاستفتاء غير واقعي وغير قابل للتنفيذ، كما أجاب عن أطروحة رغبة الجزائر في منفذ بحري في المحيط الأطلسي، بجواب التفاعل الإيجابي مع هذ المطلب، من خلال شراكة ضمن السيادة المغربية، تؤطرها المبادرة الأطلسية التي أطلقتها الرباط، ثم أطروحة استثمار قضية الصحراء لامتصاص المشاكل الداخلية، والتي ترك الملك الجواب عنها لضمير النخبة الجزائرية الحاكمة، التي كان بالإمكان، إن تفاعلت مع سياسته في«مد اليد» لها، لأمكن رؤية اندماج إقليمي واسع في المنطقة، تتحسن عنده مؤشرات التنمية في المنطقة، ويتخفف الاحتفان الداخلي الذي تعيشه الجزائر من جراء إرهاق الميزانية بميزانية تسلح ضخمة (تقارب هذه السنة 25 مليار دولار) في مقابل متاعب اجتماعية كبيرة فقط مع المعاش اليومي.
من الواضح جدا، أن انشغال الرئيس الأمريكي الجديد بملف إنهاء الحرب في غزة ولبنان، لن يكون بعيدا عن أطروحته التي اشتغل عليها قبل أن يغادر البيت البيضاوي، فهو لا يملك أوراقا كثيرة يقدمها بين يدي الحكومة الإسرائيلية، لوقف عدوانها على الشعب الفلسطيني واللبناني، فالمقاومة في البلدين، وضعتا شروطهما، ومن ثم، فخيار الضغط عليهما سيكون مصيره الفشل كما فشل سلفه جو بايدن في هذه السياسة من قبل. ولذلك، من غير المستبعد أن يلعب دونالد ترامب بورقتين اثنتين: الأولى استثمار توسع الانقسام داخل الكيان الإسرائيلي بين المؤسسة الحكومية والعسكرية والأمنية، من أجل البحث لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن مخرج مريح يعفيه من مواجهة ما بعد فشل عدوانه على غزة ولبنان. والثانية، هو إقناع الحكومة الإسرائيلية، بضرورة استئناف ما بدأه من قبل ولم يتيسر له إكماله من صفقة القرن، وأن توسيع دائرة التطبيع مع الدول العربية، أفضل بكثير من أن يستمر الكيان الإسرائيلي في فقدان أسهمه لدى أقرب حلفائه فضلا عن خصومه والمنتقدين لجرائمه.
تبدو الرباط أكثر تفاؤلا من الجزائر، فقد وقعت الاتفاق الثلاثي، ولم تمنعها الحرب على غزة، والعدوان على لبنان، من أن تستمر على نفس موقفها الذي أعلنته، بالاستمرار في الالتزام بالاتفاق من جهة ضمن سقوف واطئة ومحدودة في التطبيع، والاستمرار من جهة ثانية في التعبير عن موقفها الرافض للعدوان والجرائم الإسرائيلية.
الجديد في الموضوع، بالنسبة إلى الرباط شيئان: أولهما هو تنظيم تظاهرة دولية ضخمة (كأس العالم 2030) إلى جانب كل من إسبانيا والبرتغال، والثاني أنها طرحت مبادرة أطلسية، عمقها الأساسي اقتصادي تنموي، وهما ملفان كبيران، يتجاوبان مع مقاربة ترامب الأكثر ميلا نحو الاقتصاد والصفقات منها إلى القضايا السياسية، فالرجل، حتى في مقاربته لقضايا الأمن في المنطقة، لا يلتفت لمقاربة الديمقراطيين التي تتمحور حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإنما يميل إلى الاعتبارات الاستثمارية، وما يمكن أن تنتجه من تثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة، فبدل أن يرفع ترامب الفيتو ضد الأنظمة الانقلابية في دول الساحل جنوب الصحراء، كما فعلت واشنطن وكثير من العواصم الأوروبية، فإنه ينظر بمنظار مختلف، يجعل الاستثمارات والصفقات مدخلا للتطبيع مع هذه الدول وحرف اتجاهها عن حلفائها (روسيا أو الصين).
من هذا المنظور، وخارج ورقة النفط والغاز، التي لم تحسن الجزائر استثمارها بشكل جيد لإيقاف زخم الدبلوماسية المغربية المنشطة، لا تملك الجزائر ما تتفاوض به مع دونالد ترامب، فقد أضحت مرهونة لديه بسوء علاقتها مع جوارها في كثير من حدوها (المغرب، مالي، النيجر) وبسبب أزمات ما تبقى من جوارها في الأطراف الأخرى من حدودها (ليبيا، وتونس) في حين، بالنسبة إلى الرباط لا تزال ملفات استثمارية ضخمة عالقة، تركها ترامب قبل أن يغادر الرئاسة، ولا يتصور أن يتركها، خاصة وأنها تفتح آفاقا كبيرة، ليس فقط على مستوى تمتين الشراكة المغربية الأمريكية، ولكن أيضا، لمحاصرة النفوذ الروسي بشكل ناعم بعيدا عن أطروحة الديمقراطيين في عزل دول الساحل جنوب الصحراء.
في العهد السابق لدونالد ترامب، قدم للرباط وعدا مهما باستثمار وكالة التنمية الأمريكية خمسة مليارات دولار لتعزيز الوجود الأمريكي في منطقة إفريقيا الغربية وتقديم الدعم لمواجهة الإرهاب والتنمية الاقتصادية، ويبدو أن الشروط السياسية التي نضجت قبل عودته للرئاسة، ترجح أن ترفع الولايات المتحدة الأمريكية من سقف هذا الرقم، فتغيير مدريد وبرلين لمواقفهما من الصحراء، ودخولهما بقوة على خط الاستثمارات في المنطقة، وباريس التي غيرت موقفها، وفتحت قنصلية لها في الداخلة، وحكم محكمة الاستئناف بلندن برفض نهائي لطلب بإبطال الشراكة بين المغرب وبريطانيا تقدمت به منظمات غير حكومية داعمة للانفصاليين، كل هذه المؤشرات، تؤكد جاذبية الاستثمارات في الصحراء، ووجود بيئة تنافسية واسعة، وترجح أن يتجه دونالد ترامب نحو رفع مستوى الطموح الاستثماري الأمريكي في المنطقة، بما يعزز الأمر الواقع، ويمضي بملف الصحراء نحو حله النهائي.