تلخيص كتاب: “ثلاثون عاما من التدريس بالتعليم العالي” (ج2)

هوية بريس – ذ.الحسن شهبار
رابعا:أهم الأفكار الرئيسة في القسم الثاني من الكتاب
- انتساب المؤلف إلى المدرسة العليا للأساتذة بفاس:
بعد حصول المؤلف على دبلوم الدراسات العليا، بدأ البحث عن الكلية التي يمكنه الانتساب إليه، وقد استقر به المقام بالمدرسة العليا للأساتذة بفاس سنة 1994م في إطار أستاذ مساعد، وأصبح رئيسا لشعبة الدراسات الإسلامية منذ سنة 1997م. وقد نبه المؤلف إلى أن أكبر خلل يعاني منه التدريس الجامعي، هو عدم استفادة الأساتذة من أي تكوين بيداغوجي قبل ممارسة التدريس، خلافا لما هو معمول به في التدريس بالتعليم المدرسي. حتى أصبح كثير من الأساتذة الجامعيين يعتقدون أن من يتحدث عن الجانب البيداغوجي في التعليم العالي، هو الأستاذ الذي لديه ضعف معرفي في تخصصه.
- أركان التدريس:
- الركن الأول: التمكن المعرفي.
- الركن الثاني: تحصيل الضروري من علم النفس التربوي. وهو العلم الذي يقدم للأستاذ كيف يتعلم المتعلم.
- الركن الثالث: تحصيل الكافي من المعارف المتعلقة بالمجال البيداغوجي.
- الركن الرابع: تحصيل الضروري من علم التدريس.
ويرى المؤلف أن التكوين البيداغوجي ضرورة ملحة لا مندوحة عنها في التعليم العالي.
- تسجيل دكتوراه الدولة بكلية الآداب بفاس:
كان الأستاذ المشرف على أطروحة المؤلف هو الدكتور الشاهد البوشيخي، وهو أستاذ قوي في تخصصه، ومتمكن بشكل دقيق من منهج الدراسة المصطلحية. لكن المؤلف كانت له عليه ملاحظات، وهي:
- أنه كان يشرف على عشرات الأطروحات، وذلك راجع لقلة الأساتذة الذين كان لهم الحق في الإشراف.
- أنه كان مشغولا جدا بكثرة الأسفار والالتزامات داخل المغرب وخارجه. فيتأخر في إرجاع الأعمال إلى الطلبة الذين يشرف عليهم.
- أنه لا يقبل أن تناقشه في أي أمر، وهو الأمر الذي لم يقبله المؤلف، وتسبب في حدوث خلافات بينهما.
- أنه لا يخصص الوقت الكافي ليُفهم للذين يشرف عليهم ما تعسر عليهم من البحث.
وقد استفاد المؤلف من هذه التجربة؛ فحرص حينما أصبح له الحق في الإشراف على الأطروحات الجامعية على الالتزام بالضوابط التالية:
- إرجاع أعمال الطلبة إلى أصحابها في حدود أسبوع إلى خمسة عشر يوما.
- السماح للطلبة الباحثين بالدفاع عن أفكارهم، وحثهم على ذلك، وعدم فرض أي شيء عليهم. وذلك لأجل صنع باحثين أحرارا قادرين على الدفاع عن أطروحاتهم وأفكارهم.
- تخصيص الوقت الكافي للطلبة الذين يشرف عليهم.
- الحرص على شرح الإشكالات وإزالة التعثرات التي يقع فيها الطلبة.
وقد قدم نصيحة غالية للطلبة الباحثين أنقلها هنا: “إن اختيار أستاذ مشرف في غير تخصصك، مشكلة كبيرة، وعائق لا تحقق معه الجودة المطلوبة في البحث العلمي… اختيار مشرف غير مختص بتخصصك خطأ استراتيجي” (ص: 297).
- ثقافة تدوين التجارب ضعيفة:
لما تحدث المؤلف عن الأستاذ عبد اللطيف باكري، وهو مشرف تربوي في مادة التربية الإسلامية في نيابة بولمان حينها، وأثنى عليه ثناء كبيرا، في جده واجتهاده وقدرته على تنزيل الأفكار والمشاريع، وأنه ساهم بشكل كبير في إنجاح تجربة التكوين المستمر بالمدرسة العليا للأساتذة بفاس.. قال متحسرا: “هذا الأستاذ المبدع والمتميز للأسف لم يكن يسجل تجاربه الرائدة والمتميزة، وقد بذلت مجهودا كبيرا في الدفع به إلى تدوين تجربته الغنية؛ سواء في التدريس، أو في الإشراف التربوي، لكن للأسف الشديد لم أفلح في ذلك”؛ ثم قال معقبا: “ثقافة تدوين التجارب ضعيفة عند عامة الأساتذة وغيرهم في مختلف القطاعات. ولو كانت التجارب تسجل في كل قطاع؛ لاجتمعت من ذلك فوائد كثيرة، ومعلومات متنوعة؛ يمكن أن يستفاد منها في كل قطاع؛ لتجويد الأداء، وتحسين المستوى إلى الأفضل والأحسن” (ص: 302).
- أسباب تدني المستوى المعرفي والتربوي للأساتذة بعد تخرجهم من مراكز التكوين:
- ضعف عدد المشرفين التربويين في مختلف المواد والتخصصات على الصعيد الوطني.
- اختلاف مستوى المشرفين التربويين بين من يجتهدون ويحملون الرسالة بقوة، وبين من يتراخون ويتكاسلون.
- ضعف مراقبة عمل المشرفين التربويين.
- غياب إطار قانوني ينظم التكوين المستمر.
- غياب التكوين المستمر الخاص بالمشرفين التربويين.
- غياب أو ضعف العمل بالبحث الإجرائي التدخلي.
- ضعف ثقافة التقويم.
- ضعف العمل بالتكوين التبادلي.
- أسباب فشل الإصلاحات التربوية في المنظومة التعليمية التعلمية بالمغرب:
- اعتماد النظريات الغربية في المجال التربوي: وهو أمر يتحكم فيه جانبان؛ الأول: التبعية لصندوق النقد الدولي. والثاني: عقدة الإعجاب بالغرب، و”نحن لا نرفض ما يأتي من الغرب جملة وتفصيلا؛ فهذا القول لا يقول به عاقل. لكن الذي أريد قوله، هو أن استيراد النظريات التربوية، ينبغي أن تسبقه دراسات علمية نظرية وميدانية للواقع التعليمي المغربي؛ حتى نعرف ما يصلح لنا وما لا يصلح من هذه النظريات” (ص: 321).
- عدم ربط الإصلاح بالبحث العلمي التربوي.
- مثالية التنظير وعدم مراعاة خصائص الواقع.
- فتور النشاط المصاحب للإصلاحات التربوية.
- عدم مصاحبة التقويم لمراحل التنزيل.
- عدم إشراك الفاعلين الرئيسيين في الإصلاح؛ إذ لا يمكن أن ينجح أي إصلاح تربوي بدون إشراك فعلي للأساتذة في جميع مراحل الإصلاح.
- ضعف التحفيز أو انعدامه.
- انعدام أو ضعف التكوين المستمر.
- محاولة فاشلة لحذف مادة (التربية الإسلامية) من التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي.
لما تحدث المؤلف عن مشاركته في (اللجنة البيسلكية: متعددة التخصصات)، وهي لجنة وطنية تتكون من (75) أستاذا من مختلف التخصصات والمستويات، والتي عهد إليها التدقيق في كثير من المجالات التربوية والتعليمية؛ أشار إلى الصراع المرير الذي خاضه رفقة الدكتور خالد الصمدي ضد اليساريين الذين كانوا يخططون لحذف مادة (التربية الإسلامية) من التعليم الإعدادي والثانوي. “مرة سألت أحد هؤلاء، وقلت له: إذا أزلنا التربية الإسلامية من التعليم الإعدادي والتأهيلي، فماذا نضع مكانها؟ فأجاب بدون حياء: نضع مكانها مادة (التعبير الجسدي)؛ فقلت له معقبا: يعني الرقص. قال: ذلك هو المقصود” (ص: 340).
كان اليساريون داخل هذه اللجنة يضمرون حقدا لمادة (التربية الإسلامية)، وكانوا يدفعون بقوة لحذفها من التعليم الإعدادي والتأهيلي، وبذلوا جهدا كبيرا لإقناع الوزير بهذا الاختيار؛ فاستعان الأستاذان حليم والصمدي ببعض نواب حزب العدالة والتنمية، وبالجمعية المغربية لأساتذة مادة التربية الإسلامية، ووصل الخبر إلى الخطباء وجمعيات المجتمع المدني. ولما خرج الوزير في جولة عبر ربوع المملكة للاجتماع مع جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، كانوا يسألونه عن مصير مادة التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي؛ فكان الوزير ينفي هذا الخبر، وأكد في اجتماع أمام اللجنة البيسلكية بالدار البيضاء سنة 2001م أن مادة التربية الإسلامية باقية في مكانها من التعليم الثانوي بشقيه الإعدادي والتأهيلي؛ فكان كلامه بمثابة صفعة لتلك الثلة من اليساريين الذين كانوا يحلمون بحذفها. يقول المؤلف: “وهنا لا بد أن أحيي عاليا الدور الذي قام به فضيلة الدكتور خالد الصمدي في هذه المعركة الساخنة والطويلة. فقد كان رجلا صامدا، يحاور بهدوء، وبحجة، وبيان مقنع، لا يمكن أن ترده عن مقصده، ولا يمكن أن تستفزه؛ فهو يحاور دائما والابتسامة تعلو محياه، وهذه نقطة قوة كانت تميز الأستاذ خالد الصمدي” (ص: 342).
كما قدم الشكر والتقدير للجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية التي شارك مكتبها بقوة في هذه المعركة الحامية، وعقد لقاء مع الوزير. وكذلك شكر الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية الذي دافع عن بقاء المادة في لقائه مع الوزير.
- مناقشة دكتوراه الدولة والبدء في تأليف الكتب:
ناقش المؤلف دكتوراه الدولة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بظهر المهراز بفاس سنة 2002م، بعد سبع سنوات وصفها بالعجاف، معتبرا تلك الفترة صفحة سوداء في مساره يفضل طيَّها. وبعد المناقشة بسنة بدأ في إصدار كتبه ومؤلفاته، ومنها:
- أول كتاب صدر له هو (الإجراءات العملية في إنجاز البحوث الجامعية).
- الكتاب الثاني (موقع المسألة السياسية من مشروع التجديد الإسلامي)، وهو رد على كتاب الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله (البيان الدعوي وظاهرة التضخم السياسي)، ولم ينشر هذا الكتاب بسبب موت الدكتور فريد الأنصاري.
- الكتاب الثالث (علاقة المتعلم بالأستاذ في ظل المستجدات التربوية).
- المشاركة في كتاب جماعي بعنوان (مجالات وآفاق تكوين الأساتذة منهجيات التدريس). وهو أول عمل مشترك وآخره. ولكن ذكر المؤلف في الكتاب السابع عشر (المعجم التاريخي للمصطلحات الحديثية المعرفة) أنه تأليف جماعي أيضا.
- الكتاب الخامس (جماعة العدل والإحسان: قراءة في الخلفية الفكرية). وقد ألفه بعد مغادرة جماعة العدل والإحسان بسنة أو سنتين، وشرح فيه أسباب تركه للجماعة، والتي كان قد انتسب إليها منذ المرحلة الثانوية.
- الكتاب السادس (المرجع في كيفية التدريس).
وقد بلغ عدد المؤلفات التي نشرها الدكتور سعيد حليم (20) كتابا، و(9) كتب أخرى منجزة ولم تنشر بعد. وقد كانت في مجالات متعددة وتخصصات متنوعة.
- التدريس بجامعة محمد الخامس (أبو ظبي):
درس المؤلف بجامعة محمد الخامس بأبي ظبي لمدة ثلاثة مواسم جامعية (2015/2018م)، وما يمكن استفادته من هذه التجربة:
- ذكر المؤلف استفادته من كثرة التكوينات التي استفاد منها الأساتذة، خصوصا ما له علاقة بتوظيف الوسائل التعليمية الجديدة.
- كانت الجامعة تلزم الأساتذة بإنجاز بحث في كل فصل دراسي يقدم لإدارة الجامعة.
- إجبار الأساتذة على البقاء بالجامعة خلال فترة الدوام، جعل المؤلف يستفيد كثيرا من مكتبة الجامعة؛ حيث اعتبر هذه المرحلة (مرحلة للتكوين المستمر).
- توجيهات لتسديد التدريس بالتعليم العالي:
- التنسيق بين الأساتذة: فهو ركن من أركان نجاح العملية التعليمية التعلمية.
- التخطيط الجيد للدروس: ويكون بالجواب على الأسئلة التالية: (لماذا أدرس المادة؟ ولمن سأدرسها؟ وماذا أدرس؟ وكيف أدرسها؟ وما الوسائل التي ينبغي أن أستعين بها لتنزيل طرق التدريس، وتحقيق أهدافه؟ وكيف أقيس مدى تحقق أهدافه؟ وكيف أدعم التعثرات التي تظهر عند الطلبة؟).
- التقويم المستمر أساس النجاح والتميز: لأنه يساعد على معرفة مواطن القوة والضعف.
- التكوين المستمر أساس النجاح والتميز: ويمكن أن يشمل التكوين المجالات التالية: (المجال البيداغوجي، ومجال استعمال الوسائل الحديثة، ومجال تطوير المكتسبات في اللغات الحية، ومجال النشر في المجلات العلمية المفهرسة).
- البحث العلمي أساس النجاح والتميز: وضعف البحث العلمي عند الأساتذة ناتج عن ثلاثة أسباب: (غياب أو ضعف التشجيع على البحث، وغياب المحاسبة، وربط الترقي بالبحث العلمي).
خامسا: محاسن الكتاب وإيجابياته
لقد قرأت الكتاب مرتين خلال ثلاثة أسابيع فقط، وحرصت على تلخيصه وتسجيل ملاحظات عليه، واقتباس فقرات نفيسة منه. وأذكر في خاتمة هذا التلخيص بعض محاسنه التي وقفت عليها:
- الصدق والأمانة في النقل، ونسبة الأقوال والفوائد لأصحابها، وهذا أمر نادر وعزيز، فقلما تجد باحثا ينسب ما لا يمكن للقارئ اكتشاف حقيقته إلى أصحابه. وقد كان يكفي مؤلف هذا الكتاب أن يقتصر على ذكر بعض الأحداث والتفاصيل دون نسبة ذلك لمن استفادها منهم، ولكنه حرص في كثير من المواطن ذكر أسماء الأساتذة الذين اتصل بهم أثناء كتابة كتابه وأفادوه في بعض المعلومات والتواريخ والأسماء.
- الثناء على الأقران الذين كانوا معه في مرحلة الطلب، وهذا الأمر نادر مثل سابقه؛ بل الغالب بين الأقران الحسد والتنافس غير الشريف. وممن أثنى عليهم المؤلف وذكر نبوغهم وتميزهم في العلم والجد والاجتهاد: محمد السرار وإدريس بن الضاوية بكلية الشريعة بفاس، ومحمد رستم، ومحمد ابن عزوز بدار الحديث الحسنية.
- تقديس الكتب: فمما لا يخطئه قارئ هذه السيرة، اهتمام مؤلفها بالكتب اهتماما كبيرا، حتى أنك تستطيع أن تسميها (سيرة الكتب)؛ فلو تتبعت الكتب التي ذكرها المؤلف في هذه السيرة لوجدتها بالمئات، في كل العلوم والفنون والتخصصات، منذ كان تلميذا بالمرحلة الابتدائية إلى أن أصبح أستاذا بالتعليم العالي. وكيف لا يكون كذلك وهو القائل: “ومن نعم الله علي أنني أعشق شراء الكتب، وأبذل في سبيل ذلك كل ما أملك من المال دون بخل أو تردد” (ص: 430).
- الجد والاجتهاد والعصامية عند المؤلف: لقد استطاع المؤلف بفضل جده واجتهاده وحرصه على الرقي في سلم العلم والتعليم، وهو بذلك يصلح أن يكون قدوة للتلاميذ والطلبة والباحثين والأساتذة؛ فقد انطلق من لا شيء تقريبا، ولم يجد الطريق مفروشا بالأزهار والورود، بل واجهته كثير من الصعاب التي استطاع التغلب عليها بالصبر والمثابرة في كل محطة من المحطات. وهو بذلك يرسم طريق النجاح لمن يتأسى به في هذا الباب.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي المختار، وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار.




