قراءة في كتاب “مجالس القرآن” لفريد الأنصاري: المنهج المضمون والقيمة العلمية

هوية بريس – أحمد عبودي
يُعدُّ كتاب “مجالس القرآن” للدكتور فريد الأنصاري من أبرز المؤلفات المعاصرة في مجال التأمل والتدبر القرآني، وقد شكّل علامة فارقة في إعادة ربط القارئ المعاصر بالقرآن الكريم على مستوى الفهم الوجداني والوظيفي.
الكتاب في الأصل كان دروساً تفسيرية ألقيت في شكل مجالس وعظية، ثم جُمعت في هذا السفر النفيس، ما أعطاه بُعداً عملياً وروحياً قلّ أن يتوفر في كتب التفسير الأكاديمية.
منهج الكتاب:
اتبع الأنصاري منهجاً تدبرياً مقاصدياً، مخالفاً للمنهج التقليدي الذي يركز على اللغة والإعراب والأحكام الفقهية. وبدلاً من ذلك، ركّز على بث المعاني الإيمانية والحضارية للقرآن، من خلال عرض تأملي هادف يستخرج الرسائل الربانية الموجهة للإنسان المعاصر.
ينتمي المنهج التفسيري في “مجالس القرآن” إلى مدرسة الإحياء القرآني، حيث يسعى المؤلف إلى “إحياء الأمة” من خلال تفعيل القرآن في الواقع، وليس مجرد شرحه في القوالب النظرية. كما يُلاحظ انحيازه إلى التفسير الموضوعي، حيث يتناول سور القرآن بحسب موضوعاتها الكلية، وليس الآية تلو الآية كما في التفاسير التقليدية.
مضمون الكتاب:
يغطي الكتاب تفسير عدد من السور المكية والمدنية، مع تركيز خاص على سور المرحلة المكية لما لها من أثر في بناء الإنسان والرسالة. يناقش الأنصاري موضوعات تتعلق بالعقيدة، والبعث، والتوحيد، والدعوة، والصراع الحضاري، مبرزاً كيف أن القرآن يبني الإنسان من الداخل ليكون شاهداً على العالم.
ومن أهم المضامين التي يتكرر حضورها في الكتاب: مركزية الرسالة المحمدية، الدور التربوي للقرآن، البُعد الحضاري للدعوة، وأهمية إصلاح الفرد بوصفه منطلقاً لإصلاح الأمة. كما يظهر أثر التجربة الدعوية للمؤلف، إذ يتحدث من واقع ميداني، يجعل القارئ يحس بقوة الخطاب وصدقه.
القيمة العلمية للكتاب:
رغم أن “مجالس القرآن” ليس كتاب تفسير تقليدي بالمعايير الأكاديمية، إلا أن قيمته العلمية عالية من جهات متعددة. أولاً، يفتح آفاقاً جديدة في فهم القرآن بعيداً عن الجمود. ثانياً، يعيد الاعتبار للقرآن ككتاب هداية حضارية لا فقط مصدر تشريعي. ثالثاً، يُعد مرجعاً أساسياً لمن أراد دراسة التفسير الموضوعي أو التدبر المنهجي المعاصر.
كما يتميز بلغة بيانية راقية، تمزج بين العمق المعرفي والصدق الروحي، ما يجعله مؤثراً في النفوس إلى جانب كونه مفيداً للعقول. وقد ترك أثراً واضحاً في العديد من الحركات القرآنية والدعوية، خاصة في المغرب الإسلامي، حيث أسهم في تأسيس ما يُعرف بـ”المنهج الرباني في التربية والدعوة”.
خلاصة:
“مجالس القرآن” ليس مجرد تفسير، بل مشروع إيماني متكامل لإحياء الأمة من خلال القرآن. جمع بين المنهج التجديدي، والمضمون الإيماني، واللغة المؤثرة، ما جعله مرجعاً حياة، لا مجرد كتاب للبركة أو التلاوة.



