جنازة الشيخ الكَرعاني ومكانة أهل الدين في المجتمع المغربي

هوية بريس – نور الدين درواش
رغم المحاولات التي يقوم بها الإعلام العلماني لتشويه صورة المتدينين عموما والنُخَب منهم على وجه الخصوص حيث تقدمهم في صورة نمطية ممعنة في السلبية فتُصورهم بشكل كاريكاتوري أو متطرف، أو متخلف يعيش خارج الحضارة مما يؤدي إلى تشكل صورة ذهنية مشوّهة عند الجمهور العام.
ويتم ذلك من خلال كل وسائل الإعلام وفي مقدمتها الدراما والسينما العربية التي تصور الشيخ أو المتدين كإرهابي عابس لا يعرف الابتسامة وليس في قلبه رحمة أو شفقة، ليس له همّ إلا ترويع الآمنين، أو تصوره كمنافق يظهر للناس صلاحا وينطوي على خلافه، وقد تم ذلك كذلك من خلال البرامج الحوارية على القنوات والإذاعات… ومن خلال الأخبار الملفقة والإشاعات المختلقة، والأخطاء الصغيرة المضخمة.
ولم تُدَّخر أي وسيلة في سبيل تحقيق هذا المقصد الظالم لأهل الدين والحط منهم وتنفير الناس عنهم وتهميشهم في المجتمع والحد في تأثيرهم المبارك ومن لمستهم الحانية على أمتهم ومجتمعهم ووطنهم.
رغم كل ذلك يبقى المجتمع المغربي مرتبطا ارتباطا وثيقا بأهل القرآن والعلم والفقه والدين والخير في البلد ليبرز تعلق الناس بهم في كل مناسبة رغم غياب الإعلام عن تغطية كل ما يتعلق بهم وتغييبه لكل شؤونهم.
هذا الإعلام الذي يوفد مراسليه لتغطية مناشط عموم الكتاب والأدباء والفنانين نجده يصم أذنه وبعطل أجهزته وفُرُقَهُ عن مناشط علماء المغرب ودعاته الكبار ومقرئيه وحتى عند رزية الموت لا يعطيهم أي مساحة لتغطية حدث الوفاة ولو في ثواني معدودة.
رغم ذلك فإن الإعلام البديل -رغم محدوديته- يجلي ما يكتمه الإعلام الرسمي وشبه الرسمي فيظهر عظم جنائز العلماء والدعاة والمقرئين.
وكمثال على ذلك وفاة الشيخ القارئ عبد العزيز الكَرعاني التي تجلي بوضوح هذا الأمر فرغم التهميش الذي يمارسه الإعلام حجّ مئات الآلاف من الناس كل أحياء مدينة الدار البيضاء، بل ومن مختلف مدن المغرب بمجرد انتشار خبر وفاة الشيخ رحمه الله الذي فجع الجميع.
جنازةٌ كانت إحدى أكبر الجنائز بتاريخ المغرب هذه الجنازة كسابقتها من جنائز أهل العلم والفضل والخير من أمثال العلامة المسند محمد بوخبزة، والعلامة أبي عبيدة امحرزي والشيخ العالم محمد زحل والداعية الأستاذ حماد القباج… تبين ارتباط المغاربة بأهل العلم والدين.
كما أنها تبين بأن الآلة الإعلامية العلمانية الفاسدة مهما اجتهدت في تسويد وجوه الصالحين فإن الله عز وجل من فوق سبع سموات، قال:
(إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا) [مريم:96].
فالمغاربة يستشعرون حقيقة الأثر الذي يتركه أهل الاستقامة فيهم سواء في الجانب السلوكي والأخلاقي، أو في الجانب الاجتماعي أو في الجانب التعليمي في نشر القرآن الكريم والثقافة الشرعية عن طريق الكتاتيب والمدارس القرآنية والجمعيات الإصلاحية. ولهذا فهم يبادلون هذه الجهود بالمحبة الصادقة.
شهادات جيران ومحبي الشيخ الكرعاني التي استقتها وسائل الإعلام وقنوات التواصل تبين شدة حبّ المغاربة لهذا الرجل وشدة الحرقة التي يعبرون عنها بفقده حتى لكأنك تستشعر أن كل متحدث منهم ينعي قريبا له من أسرته الصغيرة.
هذه المحبة تذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ إِذا أحبَّ عبداً دعا جبريلَ، فقال: إِني أحبُّ فلاناً فأحِبَّه، قال: فيُحِبُّه جبريلُ، ثم ينادي في السماءِ، فيقول: إِنَّ اللهَ يحبُّ فلاناً فأحِبُّوه، فيحبُّه أهل السماء، ثم يوضَعُ له الَقبُولُ في الأرض، وَإِذا أَبغض عبداً دعا جبريلَ عليه السلام، فيقول: إِني أُبْغِضُ فلاناً فَأَبْغِضْه، قال: فَيُبْغِضُه جبريلُ، ثم ينادي في أهل السماء: إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فلاناً فأَبغضوه، ثم تُوضَعُ له البغضاءُ في الأرض» [متفق عليه واللفظ لمسلم].
إن جنازة الشيخ عبد العزيز الكَرعاني ومئات الآلاف الذين شاركوا فيها تجسّد أعمق ارتباط لمجتمعنا المغربي بأهل العلم والدين، وتؤكد أن المحبة والاحترام لهم لا تُمحى، رغم محاولات التشويه الإعلامي المستمرة. هذا التعلق ليس وليد اللحظة، بل هو انعكاس لتراث ديني وثقافي وتاريخي راسخ في وجدان كل مغربي أصيل، يجعل من العلماء والدعاة وأهل الخير رموزًا حقيقية للهدى والخير في المجتمع. ولئن حاولت الآلة الإعلامية العلمانية محو هذه الصورة أو تحريفها، فإنها حتما ستفشل لأن الله عز وجل قد رفع من قدْر أهل الصلاح والمحبة في القلوب، فكان لهم حبّ الناس، وذكرهم بالخير، ومكانتهم المرموقة في الأرض والسماء.



