الموقف من إيران بين الاستراتيجيا والولاء

20 يونيو 2025 16:52

هوية بريس – إبراهيم الطالب

إن الحرب مع الصهيوبية طويلة جدا، لها إلى اليوم قرونا، وستستمر متجاوزة ما يجري اليوم من اقتتال حتى تصل إلى المعركة الفاصلة التي يؤمن بها المسيحيون واليهود والمسلمون جميعا وهي معركة هرمجدون الفاصلة.

(ومن أراد الاستزادة فليدرس عقائد الكنيسة الإنجيلية التي تؤمن بضرورة حماية إسرائيل، والتي ينتمي إليها الكثير من رؤساء أمريكا السابقين، وليطلع على كتاب “النبوءة والسياسة” الذي ترجمه محمد السماك وهو كتاب لـ”غريس هالسل” إحدى الكاتبات اللاتي كن مع الرئيس الأمريكي نيكسن إذا لم تخني الذاكرة).

ونؤكد منذ البداية أن الموقف من إيران اليوم لا ينبغي بحال أن يكون طائفيا، أحادي النظرة، فهذا هو المنهج الذي حكم حرب الخليج الأولى واستغلته أمريكا والصهيوبية أبشع استغلال وكان فيه الضعف للعراق ودول الخليج ولإيران، وصرفت فيه الأمة 400 مليار دولار، دون الضحايا الكثيرة في العمران والإنسان.

لذا علينا أن ننطلق من نظرة موضوعية للأمور وتوظيف للحقائق دون تأثير بالطائفية والاحتراب العقدي، الذي هو جزء من الحقيقة لكن لا ينبغي أن يغطي على كل الحقائق.

لقد مثلت إيران في عملية تفكيك جيوش المسلمين عاملا مهما من العوامل التي كانت فاعلة بقوة في إضعاف الدول والشعوب والبلدان الإسلامية السنية لصالح المشروع الصهيوني.

فإيران كانت تنطلق في شراكاتها مع الأمريكان والصهاينة خلال الـ 25 سنة الماضية من رؤيتها لذاتها ومشروعها التوسعي تنزيلا لمخططاتها في المنطقة، هذه المخططات التقت مع خطط المشروع الصهيوبي في المنطقة نفسها، وتم تنزيلها بشكل توافقي، حيث تم تقسيم خيرات العراق بين إيران والصهاينة وأمريكا، كما تم القضاء على مئات الآلاف من المجاهدين السنة بالسلاح الإيراني الأمريكي الصهيوني، وتم اغتيال كل الكوادر العلمية في ميدان النووي وغيره.

وبعد إحراز المشروع الصهيوني لأهدافه باستخدام إيران وطموحاتها في ضرب عدوهما المشترك، تعيش إيران حالة من أداء الثمن الذي قبضته مقابل دورها السابق الذكر.

أما الصهيونية فهذا دأبهم، ولا صديق لهم ولا حليف، فقد تضحي بأمريكا نفسها إذا لم يعد فيها منفعة للحركة الصهيونية وشركاتها المتحكمة في الاقتصاد العالمي وفي مؤسسات دولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.

فما ينبغي علينا إدراكه هو أن إيران اليوم تجني نتائج تماهيها مع المشروع الصهيوني خلال 25 سنة الأخيرة، وشراكاتها معه في غزو أفغانستان وإسقاط بغداد وشنق صدام، وتشييع بلاد السنة، وتدمير سوريا، والتصدي بالوكالة للمجاهدين والثوار وتقتيلها للشعب السوري وإحيائها للطائفية.

وحتى والصهاينة يعانون من آثار الطوفان، وبعد أن بدأت الشعوب الغربية تكفر بالسردية الصهيونية وتخرج للشوارع لنصرة القضية التي خذلتها دول السنة، وبدأت حكومات الدول الغربية، تستجيب للضغط الشعبي الداخلي، وبكل خبث حاولت الصهيونية أن توظف إيران لكن هذه المرة دون اتفاق ولا تشاور ولا اجتماعات استخباراتية وتنسيق أمني، فشنت عليها هجوما مباغتا، حتى تكسب أمرين:

1- فك الحبل الذي كاد يخنقها والذي تشكل بضغط من شعوب الغرب ونخبها الحرة.  وذلك لترميم الثقوب الذي أحدثها الطوفان في قناع السردية الصهيونية، والذي أوشكت أن تسقط قوانين معاداة السامية التي تكمم أفواه الشعوب الغربية ونخبها السياسية والفكرية.

2- التخلص من مشروع إيران النووي وهذا محل اتفاق العالم الغربي رغم خلافاته.

لهذا كله علينا كشعوب عربية سنية أن نتحلى بالوعي الكامل باستراتيجيا التوظيف للقوى العربية والإسلامية في الحروب الصهيونية.

وفي هذا الموضوع لنا في التاريخ شواهد كثيرة، فقد سبق للمشروع الصهيوني في القرن الماضي أن استغل الشرف والنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما استغل العروبة والخلافة القرشية ووظف الجميع في هدم الخلافة العثمانية.

فقد كانت بريطانيا -الدولة الوظيفية يومها للصهيونية- تنظم العرب وتدعمهم باللوجستيك والتدريب والجهود الديبلوماسية وتدرب جيوش القبائل العربية بقيادة الضابط البريطاني لورنس العرب، وتحت إمرة شريف مكة الذي وعدوه بإقامة دولة الخلافة القرشية الشريفة والتي ستعوض الخلافة العثمانية.

وبهذا برعت في توظيف الجيوش العربية في هدم الخلافة العثماني، واستعملوا سلالة الشريف المغفل بعد ذلك في العراق، ولا يزالون يستعملونها في الأردن لحراسة دولة الصهاينة والتي كانت مسؤولة على الضفة مسؤولية حراسة، وعانى معه الفلسطينيون كثيرا.

لذا، واستصحابا لهذا كله، لا يمكن أن ندعو الناس إلى الاصطفاف مع إيران دون تمييز بين الاستراتيجيا والولاء، حتى لا نوظف مثلما وظف العرب في تقسيم خلافة الأمة إلى دويلات وظيفية تحرس الخيرات، وحتى لا نضطر كذلك لمعالجة آثار الاصطفاف الأعمى في العقود القادمة.

يجب أن يكون شبابنا على وعي تام بالصورة الحقيقية، حتى لا يتم استغفاله، فنحن نقف مع إيران لأن استراتيجية الحرب ضد الصهاينة في المنطقة تقتضي ذلك، لكن لسنا مع إيران بصفتها جزءا من الأمة الإسلامية.

فإذا انضبط هذا وكان هو الحاكم في المواقف فلن يكون للدفاع عن إيران آثار عكسية إن شاء الله.

فالاحتياط في هذه المواقف وضبط الأحاسيس والتصورات من أدق الأمور وأخطرها في هذه المرحلة.

إن الغرب والصهاينة أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم في الوقت الذي يحاربون فيه اليوم يحاولون صنع ملامح المستقبل، لأن المستقبل يُبنى بعناصر الحاضر، والتاريخ في حين أثبت العرب والمسلمون، فيما مضى على الأقل، أنهم يدبرون الحاضر بالماضي دون استعمالهما في بناء المستقبل.

وهذا هو الفرق بين تدبير الواقع والخضوع لشروطه بمنهجية ذات بعد أحادي، وبين منهجية تدبيرية تستصحب التاريخ وتوجه الواقع لبناء المستقبل بالشكل الذي تكسب به القوة والاستحواذ والغلبة، بعد إدراك شامل متكامل للذات والمحيط والآخر سواء المحارب أو المسالم.

فالملايير التي تنفق في الدراسات الاستراتيجية ومراكز البحث والدراسات الإنسانية، التي تخضع كل مناحي الحياة للبحث والدراسة، لا تنفق من أجل العلم بل من أجل السلطة والقوة والعمل على استمرارية الهيمنة.

لذا، نرى الجامعات والمراكز الكبرى التي تعنى بالبحوث الاستراتيجية تجدد معلوماتها بإرسال جيوش من الباحثين كل سنة إلى بلداننا حيث يدخلون إلى حيث لا تدخل التقنية لجمع المعلومات والبيانات، فضلا عن التقارير الاستخباراتية وما يحرره الملحقون الثقافيون والعسكريون، وما توفره وسائل التواصل وكذا الاستعمالات الحديثة للذكاء الاصطناعي، ومن آخرها إبرام شركة شات جيبيتي لصفقة مهمة مع البانتاجون.

فما أحوجنا إلى ساسة نزهاء مخلصين لأمتهم يوظفون نخبة متعددة التخصصات للخروج من مستنقع الذل الذي نعيش فيه منذ قرون، بعد تحييد وزجر المفسدين وعقاب الخونة والعملاء.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
17°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة