مناظرة لحلو وعصيد: إعلام “العصابة” يوزع صكوك الخيبة!

مناظرة لحلو وعصيد: إعلام “العصابة” يوزع صكوك الخيبة!
هوية بريس – متابعات
في لقاء إعلامي على قناة وطنية، أثبتت فيه الكلمة الهادئة والمنهج العلمي قدرتهما على إرباك خطاب الغلو والكذب والاستعلاء الثقافي، تمكن الدكتور محمد طلال لحلو من تحويل مناظرة فكرية على شاشة قناة “ميدي 1 تيفي” إلى لحظة وعي جماعي، اختلط فيها العقل بالحدس الشعبي، وسط إشادة جماهيرية واسعة بالأداء الهادئ والمركّز والمحكم الذي واجه به لحلو “سرديات” أحمد عصيد.
اللافت في المشهد لم يكن فقط مضمون المواجهة، بل ما تلاها من حملة استنفار غير مسبوقة أطلقتها أبواق معروفة بارتباطها بمراكز تأثير تخدم أجندات معينة، على رأسها شبكة “غلوبال ميديا” التابعة لأحمد الشرعي، عبر متحدثين مثل الرمضاني ودافقير والشرقاوي وآخرين، الذين بدا وكأنهم دخلوا في “حالة طوارئ فكرية” للدفاع عن عصيد، الذي ظهر مرتبكا ومتوترا ومكررا لذات السنفونية العاطفية الرجعية البائدة.
“العصابة”، وخاصة الرمضاني الذي نصّب نفسه هذه المرة محاميا لعصيد لا للشيطان، شبّه لقاء برنامج FRONTALES بمباراة لكرة القدم بين “البيغ” و”ديزي دروس”، في مشهد عبثي يُنزّل الفكر إلى مستوى “الحلبة”. وبدل تقييم المضامين، انشغل “إعلاميو الغفلة” بلعب دور الضحية، متهمين الجمهور بالشعبوية، والدكتور لحلو بـ”الإهانة”، لمجرد أنه احترم عقل المتابع، وحاور بأدوات العلم والمنهج والأرقام.
ومن المثير أن هؤلاء لم يُخفُوا صدمتهم من وجود شاب مغربي بعمق فكري، يجيد الفرنسية بطلاقة، ويدير الحجاج باحتراف، دون ضجيج، ودون أي حاجة لـ”استعراض أيديولوجي”، وهو ما أخرجهم عن صوابهم، ودفعهم لإخراج منابرهم من وظيفتها الإعلامية إلى حملات تشويه واضحة وصريحة.
ويبقى أكثر ما أزعج عصيد ومحيطه، حسب ما يُستنتج من ردود “رفاقه”، ليس خسارة المناظرة فحسب، بل انكشاف ضعف مشروع “الحداثة الاستعراضية” الذي بُني منذ سنوات على صوت أحادي، لا يقبل التناظر، ويتهرّب من الاختبار الحقيقي أمام جمهور حر، تماما كما تهرب عصيد ولا يزال من مناظرة الدكتور إدريس الكنبوري.
هنا، تكشف المعركة الإعلامية التي تلت المناظرة أن ما جرى لم يكن مجرد حوار، بل “مرآة صادمة” أظهرت هشاشة الفكرة حين توضع أمام فكر نزيه ومتزن ومتسلح بالأخلاق العلمية والعمق المعرفي.
ولقوة الصدمة، فقد تداعى الرفاق للدفاع عن عصيد ومحاولة إبقائه على قدميه، لأنه بالنسبة لـ”العصابة”، بقية من تيار تلاشى وتخلى عن القضية، وهذا ما ظل الرمضاني يكرره في أكثر من حلقة، وهو يستجدي إخوانه في الرأي للخوض في النقاش العمومي والرد على “الإسلاميين”، لكن نداءه ظل صرخة في واد ونفخا في رماد!
المؤسف أن هذه الحملة تؤكد من جديد اختلال التوازن المهني لبعض المؤسسات الإعلامية الخاصة، والتي تنصّب نفسها حَكما في النقاش الوطني، رغم تبعيتها لمال سياسي معلوم، وخضوعها لتوجيهات لا تعكس نبض الشارع ولا أولويات الرأي العام.
وفي هذا الصدد، تساءل مدوّنون ومتابعون:
-متى ناقش هؤلاء الأفكار وهم يصفون مخالفيهم بالدواعش والمتطرفين وحاملي فكر طالبان؟ ألا تذكرون التاريخ الأسود لجريدة مثل الأحداث المغربية، التي يملكها الشرعي ويرأس تحريرها الآن دافقير، وشيطنتها لكل من خالف خطها التحريري؟
-كلامهم جلّه “أحكام قيمة”، وسعي حثيث لتوريط من يصنفونه ضمن دائرة الأعداء، وعملهم ينصب إما على القتل الرمزي للمخالف الإسلامي أو الزج به وراء القضبان ليرتاحوا منه إلى الأبد.. وبعد كل هذا، يقول لك: أنتم لا تناقشون الأفكار! أودي النيفو طايح.
وفي السياق ذاته، فقد تفاعل الجمهور المغربي بشكل كبير جدا عبر منصات اليوتيوب والفيسبوك ووسائط التواصل الأخرى، ما أثبت أن هناك تعطشا حقيقيا لنقاش جاد ومسؤول، وأن المغاربة ملّوا من فكر المعبد “المحنط المصنع”، وأن المنابر التي تنتصب للدفاع عن رموز استهلكها الإعلام، لم تعد قادرة على فرض روايتها رغم ما تمتلكه من أدوات إنتاج وبث تطرح أكثر من سؤال.
إن مناظرة لحلو وعصيد كشفت أكثر من مجرد تفوق خطاب على آخر. لقد كشفت عن أزمة نخب، وانهيار محتوم لـ”سلطة فكرية” قديمة ورجعية، احتكرت لزمن طويل الحق في الحديث، أمام جيل جديد من الدعاة والمفكرين القادرين على الجمع بين الهوية والمرجعية والتواصل والمعاصرة.




انقشع الغبار وتبين الفرق بين الحصان والحمار