أزمة الثقة في الأحزاب: مؤشرات إنذار وتوصيات لإصلاح عاجل

19 سبتمبر 2025 20:25
أزمة الثقة في الأحزاب: مؤشرات إنذار وتوصيات لإصلاح عاجل

هوية بريس – متابعات

يكشف استطلاع نوعي جديد عن الأحزاب في المغرب صورة مقلقة لأزمة مصداقية متفاقمة تضرب الحقل الحزبي وتمتد آثارها إلى عموم المنظومة التمثيلية.


فمنذ دستور 2011 وتَعاظُم رهانات المشاركة والشفافية، لم تنجح التنظيمات الحزبية في تحويل النص الدستوري إلى ممارسة حية، ما ولّد فجوة متزايدة بين المواطنين ومؤسسات الوساطة.

وفي ظلّ صعود “الحزب الافتراضي” على المنصات الرقمية، وتراجع أداء التأطير التقليدي، تتبدّى الحاجة إلى إصلاحات شجاعة تُعيد بناء الجسور بين المجتمع والسياسة.

منهجية وحدود الدلالة

أُنجز الاستطلاع بين 31 يوليوز و21 غشت 2025 عبر استبيان إلكتروني شمل 1197 مشاركًا من مختلف الجهات.

وحسب معدي الاستطلاع فإنه يعتبر بمثابة مؤشر نوعي يلتقط اتجاهات رأي شريحة نشِطة رقميًا، لكنه لا يدّعي تمثيلًا إحصائيًا كاملاً للمجتمع؛ لذلك تُقرأ نتائجه كـ“لوحة إنذار مبكر” وليست “حكمًا نهائيًا”، مع ضرورة تطوير قياسات ميدانية مكمِّلة في القرى والهوامش.

مَن أجاب عن الاستبيان؟

هيمنة للذكور (91,6%) وحضور قوي لحَمَلة التعليم العالي، مع ثقل جهتي الدار البيضاء–سطات والرباط–سلا–القنيطرة.

تشي هذه البنية بدور الفئات المُتَعلمة والفاعلة رقميًا في صياغة “نبرة” السخط العمومي، مع حاجة، في المقابل، لإسماع أصوات الفئات الأقل اتصالًا بالإنترنت.

مشاركة سياسية منخفضة… وصندوق اقتراع بلا أمل

المعطيات تكشف أن 91,2% غير منخرطين حزبيًا، و76,2% منهم لا يفكرون أصلًا في الانضمام مستقبلًا.

ورغم أن 70,6% سبق لهم التصويت، فإن ضعف التجربة التنظيمية الحزبية ظاهر: 60,9% لم يشاركوا في أي نشاط حزبي، وأبرز أسباب الانسحاب السابق: غياب الديمقراطية الداخلية (33,2%) والتهميش والصراعات الداخلية.

“الانخراط متاح وسهل” قال بها 57,8%؛ لكن من جهة أخرى، يظل الدافع المعنوي للانضمام هشًّا في ظل أزمة الثقة.

“لا ثقة” شبه شاملة بالأحزاب..

صوّت 94,8% بـ“لا أثق” في الأحزاب، واعتبر 96,7% أن الثقة تراجعت قياسًا بالماضي.

وتتمدّد السلبية على البرلمان (89,5% تقييم سلبي)، الحكومة (87,3%)، النقابات (84,7%)، والجماعات الترابية (78,2%). حتى الإعلام لم يَسلم (73% سلبي).

الاستنتاج واضح: اتجاه عام نحو تقييم سلبي واسع النطاق؛ “أزمة ثقة” شاملة لا تقف عند بوابة حزب بعينه.

ممارسات حزبية تُؤبّد القطيعة

  • 97,9% يرون أن الأحزاب لا تحترم الديمقراطية الداخلية.

  • 98,2% يعتبرون التواصل مع المواطنين غير مستمر.

  • 98,2% يقولون إن اختيار المرشحين لا يقوم على الكفاءة (والنساء كذلك 95,7%).

  • 85,8% يرون الأحزاب عاجزة عن تجديد القيادات، و90,4% تعتبرها لا تعيّن الكفاءات في تدبير الشأن العام.

تلك مؤشرات تُفسّر لماذا يرى 93,5% أن النظام الانتخابي القائم لا يعبّر عن الإرادة الشعبية كما ينبغي.

ظواهر حزبية: المال والزبونية تتقدمان على الكفاءة

حسب نتائج الاستطلاع يعد المفتاح “الأول” للصعود داخل الأحزاب هو المال (64,3%) ثم العلاقات والزبونية (60,8%) فالولاء للقيادة (57,4%). بينما لم تتجاوز الكفاءة التنظيمية 28,5%.

أما دوافع الترشح، فيراها 92% من المشاركين في الاستطلاع “مصالح مادية” و91,5% “سعيًا للنفوذ”، فيما ربط 6,4% فقط العمل بـ“خدمة الصالح العام”.

في المقابل، يرى 83,3% أن تضارب المصالح واستغلال النفوذ رأس أسباب فقدان الثقة، يليه الفساد المالي والإداري (64,7%) والمال العام للمصالح الخاصة (60,7%).

كيف تستعيد الأحزاب ثقة الناس؟

المشاركون في الاستطلاع قدّموا “وصفة إصلاح” واضحة:

  • “ربط المسؤولية بالمحاسبة” أولًا (89,7%).

  • وقف شراء الأصوات (57,2%) وتشديد شروط الترشح (51,1%).

  • الوفاء بالبرامج والوعود (48,1%).

  • تحديد ولايات القيادات (39,5%) وربط التزكيات بالاستحقاق (38,3%).

  • شفافية التمويل والتسيير (35,6%)، والانفتاح على الشباب والنساء والكفاءات (33,3%).

هي خريطة طريق عملية، تبدأ داخل الأحزاب قبل صندوق الاقتراع.

من الأزمة البنيوية إلى فرصة الإصلاح

الخلاصات تُجمِع على أن العطب بنيوي: زعامات ممتدّة، ديمقراطية داخلية مُعطّلة، حكامة مالية وتنظيمية هشّة، فقر في الإنتاج الفكري والبرامجي، وتَبلقُن (تشتت) سياسي بلا بدائل ملموسة.

في المقابل، يقدّم الاستطلاع مدخلًا تغييريًا متعدِّد المستويات:

  • تحديث الإطار القانوني (الولايات، التزكيات، العتبة)،

  • ضبط المال السياسي،

  • اختبار صيغ انتخابية تُقرّب المحاسبة الفردية،

  • توسيع المشاورات خارج “البيت الحزبي”، وربط الدعم العمومي بمعايير صارمة للحكامة والشفافية.

وإلى جانب ذلك كلّه، تقع على المواطن مسؤولية المشاركة والرقابة والضغط الأخلاقي والسياسي على الفاعلين.

إن استعادة الثقة ليست شعارًا إنشائيًا، بل مسارًا مؤسّسًا يبدأ من داخل الأحزاب بإرادة التغيير، ويُستكمَل بتعاقد عام يُلزم الجميع: أحزابًا، مؤسسات، مجتمعًا مدنيًا وإعلامًا، على تحويل “أزمة المصداقية” إلى ورش لبناء سياسة عمومية نظيفة وفعّالة.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
14°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
20°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة