القيمة الاجتماعية للعمل

القيمة الاجتماعية للعمل
هوية بريس – زوهير النبيه [1]
أقل ما يمكن قوله عن علاقة المغاربة مع العمل أنها ملتبسة ويشوبها غموض كبير، وتتسع فيها المساحات المعتمة مما يجعل حقيقتها غير واضحة المعالم. فيبدو لك وأنت تسمع حديثا حول العمل وما يسمه أقرب أن يكون إنجازا يتم تحت طائلة القوة والتهديد. فالعمل بالنسبة لكثير إرغام وقسر ينطوي على المشقة والشدة ويحصل عن عدم الاختيار وما ينتج عنه إلا عدم الرضا. ويؤشر المثل الشعبي “ما يخدم غير الحمار” والذي نترجمه إلى الفصيح ب “لا يعمل إلا الحمار” على سخرية المغاربة السوداء من حال العمال والمستخدمين والموظفين الذين ليس لهم إلا قوة العمل لبيعها للمحظوظين الذين في غالب الأحيان لا يملكون وسائل الإنتاج –لا يخضعون لتفسير ماركسي أو أي تفسير آخر- بقدر ما يملكون “حظوة” ما تمكنهم من الاستحواذ على مقدرات كثيرة.
وتلعب “الحظوة” هاته دورا رئيسا في بنية الاقتصاد الوطني وتقسيم العمل الاجتماعي، وبالتالي في بناء تراتبية اجتماعية من خلائقها الهوة الواسعة بين ذوي الحظوة وغيرهم. ولا تتيح الحياة الاجتماعية في بلادنا العديد من الخيارات في ميدان العمل، فأغلبية الأفراد وجدوا أنفسهم يزاولون مهنة ما عن غير قصد ولا تدبير ولا اختيار ناتج عن قناعة، فضرورة كسب المال للتمكن من العيش هو المحرك الوحيد لكل هاته السيرورات والتجارب التي لا تعدو أن تكون مجرد حوادث. ومقولة سارتر في تقد العقل الجدلي “يعرف الإنسان بمشروعه” التي تحتاج إلى تفكير عميق وتخطيط محكم، لا يوجد لها معنى كبير في حياة الكثير من المغاربة، فدرجة احتمال وقوع الأشياء خارج الإرادة عالية جدا، تشكل المصادفة والحظ وحتميات البيولوجيا سماتها الأبرز. فيكفي في كثير من الأحيان الوجود ضمن عائلة محظوظة للحصول على “أسبقية اجتماعية” وكثير من الامتيازات ومساحة واسعة من الخيارات بما فيها نوع العمل.
وبما أنه لا بد أن يقوم الفرد بعمل ما، والعمل كما تعلم يحتاج إلى جهد، فقد صنع المحظوظون أنواعا من العمل غير المرهق يتناسب مع مكانتهم الاجتماعية. فهم يزاولون ما يسمونه مهنا “راقية” و”إبداعية” كالموضة والتصميم(الديزاين) والتي رغم ما تبلغه أجورها من مبالغ خيالية فهي لا تقدم للإنسانية منفعة تذكر، وهدفها الأسمى بالإضافة إلى تداول المال بينهم هو ابتكار آليات تميزهم عن باقي أفراد المجتمع. وعلى النقيض من ذلك نجد أنواعا من العمل شاقة ومضنية ومنفعتها بادية على المجتمع ينظر إليها بدونية وحقارة. فالعمل الذي يزاوله سائقو الحافلات وعمال النظافة والمعلمون والممرضون وغيرهم كثير ممن يحمل المجتمع على كتفيه لا يقابله إلا أجر بخس دراهم معدودة. وصار من المسلمات بل ومن الطبيعي أن يتطارد عكسيا الأجر مع المنفعة التي يقدمها العمل للمجتمع، فكلما كانت المنفعة ضعيفة كلما كان الأجر عاليا. ولا أدل على ذلك من الأجور التي تدفع مقابل اللعب.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] باحث في علم الاجتماع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء ، المملكة المغربية.



