سرّ “السكينة المفقودة”.. من يقف وراء انفجار القلق والاكتئاب؟!

هوية بريس – متابعات
شهدت معدلات الاكتئاب والقلق عالميًا ارتفاعًا لافتًا خلال العشرين سنة الأخيرة، وفق ما تؤكده الأبحاث الدولية والميتـا-أناليسيس. ورغم التطور التقني وتحسّن مستوى العيش في أغلب الدول، إلا أن الإنسان المعاصر أصبح أكثر عرضة للاضطرابات النفسية.
الدكتور خالد الجابر، استشاري طب الأسرة والعلاج النفسي، يقدم قراءة علمية معمّقة في أبرز أسباب هذا الارتفاع، اعتمادًا على دراسات ضخمة ومتعددة المصادر.
خلفية الظاهرة.. ازدهار مادي يقابله تراجع نفسي
تطرح هذه المفارقة سؤالًا مركزيًا: لماذا نصبح أكثر اكتئابًا وقلقًا رغم أننا “نعيش أفضل”؟
ويُرجع الجابر هذا التناقض إلى أربعة أسباب رئيسية مرتبطة بنمط الحياة الحديثة.
أولًا: الحياة الصاخبة وقلة الحركة تزيد اضطرابات المزاج
تُظهر ميتا-أناليسيس شملت أكثر من 100 ألف مشارك أن الجلوس الطويل (6–8 ساعات يوميًا) يرفع احتمال الإصابة بالاكتئاب.
وفي دراسة ألمانية على 8000 شخص، تبين أن السهر واضطراب النوم يرتبطان بشكل مباشر بالاكتئاب الشديد.
كما أن الجداول اليومية المزدحمة بلا راحة أو هوايات تؤدي إلى توتر مزمن يؤثر على الصحة النفسية والجسدية.
ثانيًا: تراجع التدين.. فقدان أهم عوامل الوقاية النفسية
تشير مئات الدراسات العلمية إلى أن التدين المنتظم يقلل الاكتئاب والقلق، ويُعد أحد أقوى العوامل الوقائية ضد الانتحار.
وتؤكد ميتا-أناليسيس (2023) في Journal of Religion and Health أن الصلاة والعبادة تخفف أعراض الاكتئاب بدرجات معتبرة.
ويشدد الدكتور الجابر على أن التدين لا يمنع المرض النفسي تمامًا، لكنه يحدّ بشكل كبير من احتمالية ظهوره في المجتمع.
ثالثًا: الاعتماد على مصدر واحد للسعادة يخلق هشاشة نفسية
تبيّن الأدلة العلمية أن ربط السعادة بمصدر واحد — كالعمل، المال أو السوشيال ميديا — يجعل الفرد أكثر حساسية للضغط وأقل صمودًا.
بينما يؤدي تنويع مصادر السعادة (العبادة، الأسرة، الهوايات، الطبيعة، التطوع) إلى تعزيز الصحة النفسية والمرونة العاطفية.
رابعًا: اختفاء البساطة والسكينة من الحياة اليومية
يشدد الجابر على أن السكينة ليست ترفًا، بل حاجة بيولوجية وروحية.
وقد بدأت دراسات علم النفس الحديثة تُبرز دور الهدوء والبساطة في تخفيض التوتر وتعزيز الاتزان، من خلال عشرات الأبحاث العصبية والميتـا-تحليلية المنشورة خلال السنوات الأخيرة.
الحلول: تغييرات بسيطة بأثر كبير
يقترح الدكتور الجابر مجموعة من الحلول العملية المدعومة بالأبحاث العلمية:
-
تقوية الإيمان والعبادة
-
تنويع مصادر السعادة وتقليل التعلق المفرط بالماديات
-
تحسين النوم والنشاط البدني
-
تخصيص وقت يومي للبساطة والسكينة: قراءة، قهوة هادئة، لحظة طبيعية بلا هاتف
-
العودة إلى القليل الذي يكفي.. لأن السكينة تولّد القوة
تؤكد الدراسات أن الإنسان المعاصر لا يحتاج إلى مزيد من الرفاهية بقدر ما يحتاج إلى تنظيم الإيقاع، وتغذية الروح، وتخفيف الضجيج المحيط به.
وتشير قراءة الدكتور خالد الجابر إلى حقيقة أساسية: علاج الكثير من الضغوط يبدأ من داخل نمط حياتنا، لا من خارجه.



