الحرف العربي ينفع الأمازيغية ويقوي اللحمة بخلاف «تيفيناغ»

21 فبراير 2014 14:52
الحرف العربي ينفع الأمازيغية ويقوي اللحمة بخلاف «تيفيناغ»

الحرف العربي ينفع الأمازيغية ويقوي اللحمة بخلاف «تيفيناغ»

د. محمد بولوز

هوية بريس – الجمعة 21 فبراير 2014م

من حق المغاربة أن يعيدوا النظر حتى في الدستور فيطوروه ويعدلوه كما فعلوا غير ما مرة، ومن باب أولى أن يفعلوا مثل ذلك في السياسات التدبيرية فيصححوا ويقوموا ما بدا لهم فيه شطط أو خطأ في التدبير، وأعتقد مما وقع فيه شيء من ذلك، اختيار حرف “تيفيناغ” لكتابة الأمازيغية وكذا الإصرار على صنع لغة “مختبرية” جديدة تسمى “المعيارية” أصبحنا نحن الأمازيغ بموجب هذين القرارين أميين في لغتنا التي رسمها الدستور، فلا الحروف نعرفها ولا ثلاثة أخماس المضامين نفقهها.

فأنا أمازيغي أصيل من بني مطير أبا عن جد وإلى الخامس على الأقل، وزوجتي من سوس وبعض أصهار عائلتي من الريف إذا جمعتنا المجامع لا نكاد نفهم شيئا من اللغة المعيارية وما ندري لمن يتوجهون ومن يخاطبون، وقد تجتمع اللهجات الثلاث لفك لغز جملة واحدة، كل لهجة تفهم كلمة أو كلمتين أو لا تكاد، وسيزداد الأمر عجبا إذا أضفنا أهل فكيك وإخواننا في القبايل وليبيا والطوارق..

إن المقاصد ينبغي أن تكون واضحة بينة لا لبس فيها، ولا شك أن المقصد الأول: هو حسن التواصل بين من يجمعهم المكان ويجمعهم الزمان في ماضيه وحاضره ومستقبله، وثاني المقاصد: إفادة اللغة لتبقى حية مستمرة تتجدد بشكل طبيعي متدرج وليس بهزات وطفرات قد تمسخها وتضعف وظيفتها التواصلية، والمقصد الثالث هو الحفاظ على اللحمة الجامعة وتقوية المشترك الإنساني قدر الإمكان وخصوصا ممن جمعهم الدين والتاريخ والجغرافيا والمصير الواحد.

ونحن هنا في مسألة حرف كتابة الأمازيغية بصدد الترجيح المصلحي أيها أنفع، الحرف العربي أم حرف “تيفيناغ”، وذلك في التواصل وإفادة اللغة الأمازيغية والاستمرار في اللحمة السكانية بين مختلف الأجناس والأعراق التي اجتمعت في المغرب الكبير أو في المغرب الأقصى والتي انصهر معظمها في الحضارة الإسلامية؟

فحرف “تيفيناغ” له بالنسبة لي بعض ما يظهر أنه إيجابيات وله الكثير من السلبيات، ومن الإيجابيات الواضحة أنه كان سببا لدفع ما هو أسوأ ألا وهو تبني الحرف اللاتيني لكتابة الأمازيغية وما كان سيحمله ذلك من معاني اللحاق والتبعية لمحتل أذاقنا الويلات وأمعن في سلخنا من هويتنا وشخصيتنا وكان هذا الخيار سيحدث شرخا مجتمعيا له عواقب وخيمة على اللحمة الوطنية والمغاربية مستقبلا، ومما يظهر أنه إيجابي مساهمة حرف “تيفيناغ” في مزيد من تميز الشخصية الأمازيغية، غير أن الدفع القوي في هذا التوجه له مخاطره المستقبلية الواضحة والجلية للعيان، فعندما ننفخ في التميز بلا حدود: علم مميز، وتاريخ مميز، وحدود جغرافية مميزة (تامزغا)، وكونجرس أمازيغي، واستقلال ذاتي (القبايل، الريف..) ونغمة تصاعدية لحقوق الشعوب الأصيلة، وعداء لما هو عربي وصولا إلى دعوات لترسيم الدارجة واعتمادها مع الأمازيغية وطرد للعربية من الدواليب الرسمية باعتبارها لغة النخبة فقط، والمناداة بالحق في تعلم مختلف المواد الدراسية في مختلف المراحل التعليمية باللغة الأمازيغية مع اللغة الإنجليزية للانفتاح، وربما في مراحل لاحقة دعوة للتطهير العرقي والتمايز العنصري ثم الفتنة العارمة التي نرى نارها تحرق وتدمر في كل من العراق والشام وكثير من شعوب إفريقيا وبوادرها أيضا جلية في المسألة الكردية وربما شيء من ذلك في الجزائر وليبيا، فمعظم النار من مستصغر الشرر، وقد تبدأ القضية حرفا ثم تنهي كتبا وسجلات من الدماء والأشلاء والخراب يخسر فيه الجميع.

وأما السلبيات الكثيرة، فمنها شبهة الولادة والمنشأ:

ففي موقع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لم يجدوا قبل ستينات القرن الماضي ومنذ أكثر من ألفين وخمس مائة سنة أو أكثر من 4000 سنة، غير رموز في الزرابي والوشم وأخرى تزين الحلي والأسلحةُ والمنتوجات الخزفية ونقوشا على أحجار و”خربشات” في كهوف، والعجيب الغريب أن لا يوجد طوال هذه الحقب ولو كتابا واحدا بحرف” تيفيناغ”، بل ولم يجدوا ولو مجرد عنوان لكتاب، فأي حرف هذا لم يسعف أهله بالتعبير ولو بصفحة أو نحوها ألم تكن لهم قضايا مهمة تستحق التوثيق كبعض الوصايا والعقود ونحو ذلك الأمر الذي يشكك أن تكون تلك الرموز حروفا متكاملة للغة مكتوبة.

فالواقع الذي يشهد به المعهد أن “تيفيناغ” لم يولد على الحقيقة إلا في أحضان فرنسا التي عدلت تكتيكها بعد ثلاثين سنة من فشل “الظهير الأمازيغي” لتبدأ الحكاية من البداية أي تأسيس الحرف الأمازيغي، يقول المعهد في موقعه الرسمي” وقد عرف (حرف تيفيناغ) منذ الستينيات من القرن الماضي تحولات عميقة من حيث الوظائف الجديدة التي ستُسند إليه؛ ففي باريس، وفي إطار الأكاديمية الأمازيغية (l’Académie berbère) سيبدأ جيلٌ من الباحثين الأمازيغ الشباب في إحياء وتجويد ونشر نظام ألفبائية تيفيناغ بتعليمها واستعمالها في الكتابة بها، مما سيتمخض عنه نوع من المعيرة الكتابية على الصعيد المغاربي والتي ستثريها مختلف الدراسات التي ستأتي لاحقاً” وحق لنا أن نشكك في هذه البدايات لأن سياسة “فرق تسد”معروفة معهودة.

والشبهة الثانية أن اختيار حرف “تيفيناغ” هو تهريب للإرادة الشعبية ولجوء للفرض الفوقي، وإلا نتحدى جميع من يطبل لحرف “تيفيناغ” أو حتى الحرف اللاتيني أن يرتبوا استفتاء، لا أقول للمغاربة جميعا والذين من حقهم دستوريا أن يدلوا بدلوهم في هذه القضية الوطنية، وإنما أن يستشيروا فقط من يتكلمون بالأمازيغية بمختلف لهجاتها إن استطاعوا فرزهم وتمييزهم، ليعرفوا ما يفضلون أحرف “تيفيناغ” أم الحرف العربي (أو الأرامي والأكادي كما يزعمون).

وأتعجب في هذا المستوى ممن يسلكون سبيل ترهيب الناس وقمعهم ويرفضون مجرد مناقشة مسألة حرف “تيفيناغ” وكأنه انتقل بدوره إلى مستوى الثوابت والمقدسات ولا يرغبون في إعادة النظر في هذا القرار الفوقي وهم أول من يعلم كيف تتخذ معظم تلك القرارات، فأين خطاب الديمقراطية والإرادة الشعبية والنزعة التحديثية؟ وأتعجب مرتين لمن يزعمون أن أمازغيتهم لكل المغاربة ويمعنون في استبعاد توسيع الاستشارة وإعادة النظر في الحرف والمعيارية، والحال أن من يمتلك حس الاستيعاب للآخرين يبحث عن المشترك ولو على المستوى الرمزي كالحرف مثلا بحيث يمكن للمغربي غير الناطق بالأمازيغية أن يقرأ بعض الكلمات ويفهم بعض المضامين لوجود المشترك الكثير بين اللغتين، وأما إذا كتبت بـ”تيفيناغ” فإننا نمعن في الغربة والتمايز وربما الإقصاء أيضا.

الشبهة الثالثة أن هذا الحرف غريب ومجهول لدى قطاع عريض من الأمازيغ قبل غيرهم، فما تغني “خربشات” على الصخور في الكهوف، أو رموز في الزرابي ووشم النساء أو بعض الكتب المدرسية وبعض المطبوعات القليلة جدا والتي أخرجها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وبعض المجهودات الفردية والجمعوية، ومن زار معرض الدار البيضاء مؤخرا ووقف عند رواق “الإركام” سيقف على حجم جحر الضب الذي وضع القوم أنفسهم فيه، فحتى ذلك التراث المكتوب في الأمازيغية زمن الموحدين وغيره تم إقصاؤه واستبعاده وربما فقط لأنه مكتوب بالحرف العربي، وهذا التلميذ الأمازيغي الشغوف بالإنترت بم يرجع إن هو بحث بهذا الحرف سواء استعمل غوغل أو غيره أو تصفح الفايسوك أو غيره، وهذا على فرض حل الإشكالات التقنية المرتبطة بالخط نفسه والتي يزعم المتحمسون أنهم تجاوزوها.

ثم هذا الطفل المغربي المسكين نفرض عليه بسبب اختيار حرف “تيفيناغ” أن يتعلم ثلاث أبجديات في المرحلة الابتدائية أي تعلم ما يقرب مائة حرف غير متجانسة في مرحلة واحدة، مما يثقل كاهله ويشتت جهوده ويجعله في آخر المطاف لا يتقن أيا منها.

وهناك شبهة أخرى يتحدث بها بعض الأمازيغ وربما تروق من لا يريد بالأمازيغية خيرا، وهي نجاح مؤامرة محبوكة بين اعتماد حرف “تيفيناغ” المجهول والإصرار على صناعة المعيارية وحديث عن نوع من إغراء نخبة أمازيغية تنخرط في المشروع وتتحقق لها بعض المنافع والمصالح والتعويضات السخية، ولا يضر بعد ذلك أن تدخل الأمازيغية في دهاليز “البناء” والتنميط، والذي قد لا يثمر إلا بعد “قرون” فهو سير في نفق إعجام اللغة الأمازيغية، ودفن لها كما يقول بعضهم “في خنادق التاريخ القديم ودهاليزه”.

وأما اعتماد الخط العربي لكتابة الأمازيغية فحسناته عديدة وكثيرة والمتحمسون له يريدون كما قال بعضهم “للغة الأمازيغية أن تنفتح على أهم خزان تراثي مكتوب باللغة الأمازيغية بالحرف العربي، ويتمثل في العديد من المؤلفات -التي لازال أكثرها مخطوطا- التي تركها الأمازيغ، علماء وفقهاء ومؤرخين وسياسيين، في مختلف العلوم وأصناف المعرفة، والتي تزخر بها المدارس العتيقة والخزانات الخاصة بمختلف ربوع المغرب”، وقال آخرون بأن “الأمازيغ اختاروا حرفهم العربي لكتابة لغتهم من قديم، فلماذا التراجع عن خيارهم؟ وهل هناك مبررات معقولة. وما هي الاعتبارات التي تعطي لنخبة ضيقة ومحدودة حق الاختيار باسم جميع المغاربة؟”.

فأقرب طريق نحو تقوية الأمازيغية وتعميمها على كافة المغاربة بسهولة وتلقائية هو اعتماد الحرف العربي، فالكتابة به تعزز وتنمي الوحدة الوطنية والأصالة التاريخية، وتسهل توسيع الخريطة الجغرافية والديموغرافية لاستعمال اللغة الأمازيغية. وهذا إن كان القوم صادقين في حبهم لهذه اللغة ويرغبون حقا في خدمتها وتناسوا قليلا المصالح العاجلة والإيديولوجيات البائدة، فالحرف العربي ألفه الناس واعتادوه لقرون واستأنسوا به بغض النظر عن أصله وتسميته، وقد استطاع ببراعة أن يستوعب اللغة الفارسية والأفغانية والأوردية وغيرها،

وأما عن اللغة المعيارية فيكفي أن أشير إلى أن الدفوعات التي قدمت في بدايات النضال الأمازيغي هو التحجج بمسألة التواصل ورفع المظالم عن المواطن الأمازيغي، فهل هذه اللغة المعيارية التي ستلقن في المدارس ستمكن المتخرجين من التواصل بترفيت أو تشلحيت أو تمزيغت أو تفكيكيت أو نحوها من اللهجات المحلية، أم أن أصحابها سيحدث لهم ربما كحال أستاذ لبناني أو عراقي تلقى تكوينه بالعربية الفصحى ثم فرض عليه التواصل مع جبالة ودكالة والحوز وغيرهم، وإذا كانت الأمور ستحل بالتعليم ألم يكن التعليم كما كان سيحل الإشكال أيضا؟ فالظاهر أننا نسير في أفق صناعة لغة جديدة ستبقى نخبوية محدودة جدا لا يكاد يفهمها غير صانعيها ومن يستفيدون من ترويجها؟ وماذا سوف نصنع إذا أوجد الجزائريون لغتهم النمطية وكذلك إذا فعل الليبيون والطوارق؟ 

وأعتقد من الحلول الممكنة وتقتضيه المقاربة العلمية الواقعية وحتى الأخلاقية، الاعتراف باللغات الأمازيغية جميعا كلما كانت الفروق معقولة بحيث لايحدث التواصل والتقاهم أو يكون فيه عسر شديد، وتأخذ تلك اللغات مكانتها في الإدارة ووسائل الإعلام والحياة العامة. وذلك لنميز حقيقة بين الحق الثقافي وبين التجييش العرقي واللغوي والذي لن يستفيد منه في النهاية إلا أولئك الذين يريدون للمغرب كما الدول المغاربية الأخرى أن يغرق فيما من شأن أن يعوق بناءه وتنميته ومستقبله. وتصحيح الغلط ما زال مطلوبا وممكنا، والخطب فيه سيكون يسيرا. والمصلحة الوطنية ومصلحة اللغة الأمازيغية تستدعيان هذا التصحيح، ومهما يكن من كلفة للتصحيح فثمنها أقل بكثير من الاستمرار في الطريق الخطأ، وإن ارتبتم فبيننا وبينكم الشعب، والشورى عندنا في الدين لا تأتي إلا بخير، والاستفتاء النزيه شكل من أشكالها لمن اختار الديموقراطية منهجا وسلوكا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M