الرسالة الملكية لنجدة الأقصى المبارك
هوية بريس – د. محمد ويلالي
يعيش المسلمون -هذه الأيام- حالة من القلق المتزايد، حول ما يعيشه إخواننا في فلسطين من أجواء مشحونة، واعتداءات متصاعدة، من طرف اليهود المستعمرين المغتصبين، الذين يسعون جاهدين للسيطرة على مقدسات المسلمين، وبخاصة المسجد الأقصى المبارك، الذي توالت عليه الهجمات الصهيونية التهويدية، التي ترنو إلى الاستيلاء عليه، وضبط مداخله ومخارجه، والتجسس على مرتاديه، والتحكم في أئمته ومؤذنيه، مما جعل ملكنا محمدا السادس -حفظه الله- يسجل بمداد الفخر والاعتزاز، ذلك الموقف المشرف، الذي يندد بهذه الممارسات المقيتة، ويحذر من مغبة التمادي فيها، وينبئ -إذا لم يتدارك الأمر قبل فوات الأوان- بمستقبل قاتم، قد يحيل المنطقة إلى ساحة حروب طاحنة، وتوترات خطيرة، تدفع نحو تدمير المنطقة برمتها.
كان ذلك عبر رسالة قوية، وجهها ـ قبل أيام ـ عاهلنا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، محذرا إياه من التقاعس والتماطل إزاء الممارسات الإسرائيلية المهينة ضد الفلسطينيين العزل، الذين يقصدون المسجد الأقصى لأداء صلاتهم المعتادة بكل سلمية وطمأنينة، ومنبها إلى أن هذه “الإجراءات غير الشرعية، تمس كرامة المقدسيين، وتستفز مشاعر كل الفلسطينيين، وقد تؤدي إلى غضب عارم، وردة فعل شعبية عامة”. وبين ـ حفظه الله ـ أن “هذه الإجراءات تمثل استفزازا واضحا لمشاعر كل العرب والمسلمين والأحرار في العالم، وعاملا لإثارة النزعات المتطرفة، التي تدفع نحو مزيد من الاحتقان والتوتر والعنف في المنطقة برمتها”. وأكد ـ حفظه الله، بلهجة غاضبة قوية ـ رفضه القاطع لسياسة التحكم التي يمارسها اليهود، عبر إجراءات بخسة مستفزة، تنذر بمزيد من تأجيج روح العنف والكراهية.
وأشار ـ حفظه الله ـ إلى ضرورة استنهاض المسلمين، وتحرك المجتمع الدولي، لكف اليهود عن تماديهم في إهانة المسلمين، وخدش مشاعرهم، والتوقف عن تلويت مدينة القدس بهذه الممارسات غير المسؤولة فقال: “إننا نندد بشدة بهذه السياسات الإسرائيلية غير المقبولة، ونلح على ضرورة التحرك الحازم للمجتمع الدولي وقواه الفاعلة، لإلزام إسرائيل بوقف تلك الممارسات لفرض الأمر الواقع، والاستفراد بمصير مدينة القدس”.
ووضح ـ حفظه الله وبصوت مرتفع ـ أن اليهود يتحملون وحدهم مسؤولية ما يجرى اليوم في القدس، ومغبة تداعيات الإجراءات الأمنية الإضافية المستفزة، التي فرضتها على المسجد الأقصى، “من خلال تثبيت كاميرات المراقبة في كل أنحاء المسجد المبارك وباحاته، وإقامة بوابات إلكترونية لتفتيش المصلين، والاعتداء على مسؤولي وموظفي الأوقاف الإسلامية”.
ولم تنس الرسالة الملكية أن تذكر الرأي العام بالممارسات الإسرائيلية العدوانية الأخيرة، والتدابير الاستفزازية الخطيرة، والتي منها: “إقامتها احتفالات غير مسبوقة بمناسبة مرور 50 عاما على ضم القدس، وعَقْدُ حكومتها، يوم الأحد 28 مايو 2017، اجتماعا في نفق أسفل المسجد الأقصـى، صادقت خلاله على تطوير محيط البلدة القديمة، عبر حفر مزيد من الأنفاق وبناء المصاعد والممرات.. وإلزام المدارس العربية بتدريس المناهج والكتب الإسرائيلية، لتهويد التدريس في القدس المحتلة.. وتوسيع دائرة المستوطنات لتحقيق ما يسمى بالقدس الكبرى.. ومصادقة اللجنة الوزارية للتشريع على مشروع قانون القدس الموحدة، الذي يقوض فرص الاتفاق حول مستقبل المدينة، ومنع رفع الأذان في القدس والأحياء العربية المحيطة بها، والانتقال إلى إجراءات أكثر خطورة، حينما أقدم اليهود يوم الجمعة 14 يوليوز 2017 على منع إقامة صلاة الجمعة، وإغلاق المسجد الأقصـى في وجه المصلين لمدة ثلاثة أيام، ومنع إقامة الأذان، في خطوة غير مسبوقة منذ نصف قرن، واعتقال الشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية لعدة ساعات”، مع خمسة وخمسين فردًا من حراس المسجد.
هؤلاء هم اليهود، وهذه طبيعتهم العدوانية، وهذه نفوسهم المريضة، التي تملؤها الأحقاد والتارات، وتنتشي برؤية الدماء والأشلاء، ولا تعبأ برأي أحد، ولا تفي بوعد، ولو علم الله فيهم خيرا، لجعلهم أوفياء لأنبيائه، الذين بعثهم الله إليهم بالآلاف، فلم يزدادوا إلا تعنتا وتجبرا. قال تعالى: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا”. واجتمعت فيهم خلال السوء، وأخلاق العصيان والتمرد. قال تعالى: “فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا”.
وهذا تاريخهم يشهد عليهم بالعدوان، ويسم حياتهم بالانتقام.
فمنذ ما يسمى بالنكبة عام 1948م، قتلت دولة الاحتلال الصهيوني نحو نصف مليون فلسطيني وعربي، وجرحت مليوناً، واعتقلت مليوناً آخر، وشرّدت 5 ملايين، وتفاصيل هذه الاعتداءات الوحشية يصعب تصويرها.
وفي سنة 1990، اشتبك المصلون المسلمون مع متطرفين يهود، أرادوا وضع الحجر الأساس لهيكل سليمان المزعوم في باحة المسجد الأقصى، فتدخلت السلطات الصهيونية، وقتلت 23 شخصاً، وجرحت 150، واعتقلت 270.
وفي سنة 2000، أراد أحد رؤسائهم المتطرفين دخول المسجد الأقصى، مدججا ب 3000 جندي، فصدهم المقدسيون البواسل، وفي اليوم التالي ـ وكان يوم جمعة ـ قام الصهاينة بفتح النيران على رؤوس المصلين قبل التسليم من صلاة الجمعة، نتج عنه قتل سبعة من المصلين، وجرح 250، وكان ذلك سببا للانتفاضة الثانية، التي قدم فيها الفلسطينيون مئات الشهداء، وآلاف الجرحى.
كان حُلْمِي أنْ أراكُمْ * قوةً تمحُــوْ الشّقـــاءْ
أو يَفُكَّ اللهُ أســرِي * بالرّجـــالِ الأوفيــاءْ
إنه المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله. مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، والقبلة الأولى للمسلمين، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام. مقر الأنبياء، ومهبط الملائكة. تضعف فيه الصلاة، وتكثر فيه البركة. قال ـ تعالى ـ: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ”.
ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن المسلمين سيضيق عليهم في مسجدهم الأقصى، حتى يرجو أحدهم أن يكون له مجرد موطئ قدم يطل منه على بيت المقدس. قال فيه صلى الله عليه وسلم : “ولنِعْمَ المصلَّى، هوَ أرضُ المَحشرِ والمنشَرِ. وليأتيَنَّ على النَّاسِ زمانٌ، ولقَيْدُ سَوطِ الرَّجلِ حَيثُ يَرى مِنهُ بيتَ المقدسِ، خيرٌ لهُ مِنَ الدُّنيا جميعًا” صحيح الترغيب.
إن إخواننا في فلسطين ينادوننا مستصرخين: يا علماء الأمة، يا شباب الأمة، يا أصحاب الضمائر المستيقظة، إننا لسنا صامدين صابرين محتسبين بغية دنيا، أو مال، أو جاه، وإنما من أجل ديننا الذي يريد أعداء الله أن يطفئوه بأفواههم، أدركوا الإسلام في فلسطين، أعينونا في تحرير بيت المقدس، واستعادته من أيدي الصهاينة الغاصبين، أعينونا بالدعاء، أعينونا بالمال، فالمستشفيات في خطر، ومعظم المصانع أقفلت، والبطالة ارتفعت، والموارد نضبت، والمشاكل الاجتماعية تفاقمت.
وإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه” متفق عليه، فإن ما يمكن أن نسهم به ـ نحن ـ لنصرة المسجد الأقصى أربعة أمور على الأقل:
1ـ إخلاص الدعاء لإخواننا هناك بالنصر والتمكين، ورفع الغمة، وتخفيف المحنة، والدعاء على المعتدين الغاصبين بتفريق جمعهم، وكسر شوكتهم.
2ـ التعريف بالقضية الفلسطينية بالكلمة المسموعة، والمقروءة، والمرئية، واستغلال وسائل الإعلام المتاحة في ذلك.
3ـ الإعانة بالمال، إذا تأكدنا من وصولها، على أن تكون عبر قنوات شرعية قانونية مكشوفة.
4ـ الاجتهاد في مقاطعة البضائع والأدوات التي يغتني بها اليهود.
كلُّنا للجُـــرحِ نأسَــى * كلُّنـا ندعُــــوْ الإلـهْ
أنْ يفُكَّ الآنَ أسرَكْ * بالصّناديــــدِ الأُبـاهْ