لهذه الأسباب وغيرها وجب أن يعاقب مرسي ومشروع إخوانه
ذ. عبدالكريم القلالي
هوية بريس – الخميس 04 يوليوز 2013م
بينما أنا منهمك في الشابكة العنكبوتية أقلب صفحاتها، من قضية إلى أخرى متتبعا ما استجد من القضايا، سمعت صوتا ينبعث من الشاشة فجأة، ألفت الاستماع له من قبل، إنه الرئيس محمد مرسي الذي شغل العالم وتحدى أصحاب الإملاءات الداخلية والخارجية، يخاطب شعبه، استمعت للخطاب بكامله، ولم أستطع صرف السمع عنه؛ فقد كان خطابا مؤثرا للغاية، شعرت بكلماته تنبعث من قلبه لأنها مست القلوب، ورأيت أثر الألم على وجهه باديا، حرصا منه على مصلحة شعبه وأمته، في خطاب لم يكن موجها لشعبه فقط؛ بل كان خطابا موجها لكل رؤساء وملوك العالم، وفي طياته عبر ودلالات ؛ فقد ظهر الرئيس مرسي بمظهر الرجل الحريص على شعبه المستعد لبذل نفسه وكل ما يملك خدمة لدينه ووطنه، في بسالة منقطعة النظير، ذكرنا خطابه بأيام العز والزهد في الحياة ومناصبها، لم يعر اهتماما لكرسي ولا لمنصب أو جاه، وأعلنها صريحة بقوله: “لم أكن أبدا حريصا يوما على المنصب”.
وبعد عزله تجلى حرصه على حقن الدماء، والحرص على التمسك بالشرعية بسلام؛ فيما الطغاة ببلده من قبل وبدول العالم مستعدون لتدمير وحرق الشعب بكامله في سبيل بقائهم على كرسي ألفوه.
كان الرئيس مرسي (وسيبقى) تعقد عليه آمال داخل مصر وخارجها، فيه كانت ترى بارقة تطبيق الشريعة بمصر، والدفاع عن المظلومين بالمنطقة، وصد عدوان البغاة المعتدين، وآمال أخرى يطول عدها؛ لكن تلك الآمال ولما كانت جدية ومقلقلة لأطراف معادية، أبى المفسدون إلا أن يجتمعوا لاغتصاب أمل وحلم طالما منت فئة عريضة من الشعب النفس به، لكن ذلك الأمل كاد يتلاشى؛ لأن الرئيس غير مرغوب فيه، من فئة ألفت الفساد ويصعب عليها أن تعيش دونه، وهم تلاميذ جمال عبد الناصر الذين عشعشوا في الفساد وألفوا الظلام وأزعجهم نور الإسلاميين، الذي ضاقوا منه ضرعا، وهو الذي أعلن بصوت عال في خطابه الأخير: “ما زلت أريد أن تمتلك مصر إرادتها دون إملاء من أحد”.
يعاقبون مرسي ومشروعه بما أوتوا من قوة؛ لأنه رئيس أراد أن يعيد لبلده مجدها التليد وأراد أن تكون حريات الناس وكرامتهم وحرماتهم وأموالهم منبثقة من شريعة الإسلام، وأن تكون الدولة قائمة على الشورى والنصح والتعاون لا على الإملاءات؛ وأن تبنى على المساواة والعدالة الصارمة التي يشعر معها كل أحد أن حقه منوط بحكم شريعة الله لا بفساد جهاز أو ظلم نافذ، و لا هوى حاشية ولا قرابة كبير.
ويصرون على معاقبته لأنه رئيس منتخب أفرزته الشرعية، ويجهر بالقول: لا بديل عن الشرعية الدستورية، الشرعية القانونية، الشرعية الانتخابية القانونية التي أفرزت رئيسا منتخبا لمصر لأول مرة في تاريخها، برغبة الشعب وإرادته.
سيسجل التاريخ أن مرسي رجل وقف العالم ضده بسلاح المال والقوة والإعلام، وتم الانقلاب عليه بعد سنة من حكمه، وهو رئيس أعزل رصيده القوي إيمانه بالله ثم الجماهير المؤمنة، التي تهتف باسمه لأنه نادى بتطبيق شرع الله، والتصدي للمؤامرات الخارجية التي صيرت مصر عقودا من الزمن تابعة ذليلة باعت كل شيء، وانزعج المستفيدون من ثروات مصر من قرارات مرسي وخططه التدريجية، لإعادة الأموال المنهوبة إلى مستحقيها من فقراء مصر ومن جياعها، لذلك يرونه فاقدا للشرعية بسبب خروج المستفيدين من الفساد ضد الرئيس مرسي؛ فالشرعية الوحيدة التي يريدها العلمانيون وأسيادهم من قوى الاستكبار العالمي هي تلك الشرعية التي توفر الحماية للمفسدين، وتلتزم باتفاقات الظلم والعار، وتنزع أنياب المقاومة ومخالبها في قطاع غزة.
وهذا التكالب الدولي ضد مرسي يذكرنا بتصريح مصدر أمني “إسرائيلي” كبير في مداولات داخلية بان الرئيس الجديد سيجد صعوبة في البقاء في منصبه ولو سنة واحدة. وتنبأ بالقول: “عندما سيتلقى الإخوان المسلمون الحكم، سيفهم الشعب أن القرآن لا يمكنه أن يحل مشاكل البطالة والمجاعة، وسيضطرون إلى الانصراف”.
ومصر وإن بدا فيها المشهد متباينا، والشعب منقسم إلى شعب يؤيد الرئيس ويتمسك بالشرعية، وشعب يعارض الرئيس ويريد الانقلاب، فقد كان الجيش وفلول النظام السابق الذي سحبت منه الصلاحيات والامتيازات، يعملون في الخفاء للإطاحة بمرسي ويعلنون للملأ عدم الانحياز لأي طرف، وإن كان الإعلان نفسه يحمل الانحياز، فالجيش الذي انقلب على الرئيس كان قد ذاق الحكم واستطابه قبل تولي مرسي الرئاسة، ولما سحبه منه مرسي بصناديق الاقتراع بقي ذلك غصة في حلقه، ولابد أن ينتقم، فكانت الفرصة هذه المرة مواتية، فأعلن الانقلاب باسم إرادة الشعب، ثم شرع في تصفية الحسابات والاعتقالات وإغلاق القنوات، وقد كانت الفوضى من قبل بادية يتفرج عليها وكأنها لا تعنيه، لكنه ينتظر صيرورة الأمر لصالحه؛ وذلك ما كان وتم له ما أراد بمباركة من أعداء الداخل والخارج، والله متم نوره ولو كره المجرمون!