الليبرالية الحديثة وخدعة الخيار الشخصي

15 سبتمبر 2022 20:19

هوية بريس – تسنيم راجح

مما تحدثت عنه في الخاطرة الصوتية السابقة وأرى حاجة للانتباه له هو خدعة “الخيار” في عالمنا المعاصر..
حيث الفكر الحداثي وآلات الإعلام ومتحدّثوه كثيراً ما يركزون على فكرة احترام الخيار الشخصي للفرد، فكل شيء مقبول طالما هو باختياره الحر، ولا ينبغي عليك كشخص متحرر أيضاً إلا أن تقبله وتحترمه وتدافع عنه..
خياره أن يقرر أنه شاذ=> عليك أن تحترم اختياره!
خيار المرأة أن تتعرى=> ما شأنك لتعترض؟
خياره أن يستدين بالربا ليشتري سيارة أحلامه..
خياره أن يقضي يومه على ألعاب الفيديو..
خيارها أن تعمل كفاشنيستا تستعرض نفسها على الانترنت..
خياره أن ينشئ صفحةً يدعو فيها للإلحاد..
خياره أن يلبس ثياباً نسائية..
خيارها أن تقصّ شعرها بشكلٍ صبيانيّ..
وأمام ذلك كله لا يحق لك أن تتدخل ولا أن تنصح ولا أن توعّي ولا أن تقول أن هذا صوابٌ وهذا خطأ، فهذا خيار الشخص الفردي، وأنت ينبغي أن تكون متحرراً ومتفهماً وتومئ وتبتسم فقط!
لكن لأي درجةٍ يملك الإنسان خياره الحر الفردي المستقل المجرّد فعلاً؟ لأي درجةٍ يستطيع بقدراته العقلية الخاصة ووحده أن يعرف الذي يسعده في دنياه وآخرته؟
هذا الإنسان الذي يؤدلج ويدخل المدارس ومن ثم الجامعات ويجلس بالساعات الطوال كل يومٍ من عمره أمام الشاشات ويتلقى الحكم من أفواه المذيعين والمغنين والممثلين عن النجاح والأسرة والفشل والمقبول والمرفوض والبشع والجميل والقيم العليا كلها..
هذا الذي من أول كرتون يشاهده في طفولته يتعلّم عن الأميرة والأمير وعن سعادتهما في القصر وعن حلم البنت الذي يتحقق بارتداء الحذاء الزجاجي وخروجها نحو قصر الأمير، عن الأسد المتكلّم الذي يعلّمه أن حل مشاكله بأن لا يهتم ولا يكترث بشيء، عن الأرواح الطائرة الشفافة هنا وعن الحب كقيمةٍ عليا هناك، عن هروب الفتاة من قصر أبيها لتكون حرّة وعن المارد الذي يحقق الأمنيات وعن غيرها الكثير الكثير..
هل هذا الإنسان وبعد كل هذا سيصنع خياراته وحده؟ وهل إن ترك لأهوائه سيختار الخير له فعلاً؟
أم أن فكرة الخيار وتقديسه هي في حقيقتها تحجيم للدين ومنع للسلطات “الكلاسيكية” من توجيه الأفراد نحو ما قد ينافي أهواءهم المصنوعة لهم؟ أليست الخيارات في هذا الإطار هي مجرد توسيع لسلطة الإعلام ووسائل التواصل ومشاهير التفاهة ليكونوا هم صناع القرار بدلاً عنا؟
لـ”نختار” بعدها ما هو “كول” و”ترندي” وما يوافق معاييرهم هم عن النجاح والفشل والتقدم والتخلف دون أن يوجهنا أحدٌ يكترث بنا أو يأبه بآخرته وآخرتنا فعلاً..
ليس القصد أن الإنسان لا يملك حريته، لكنه دون وحي الله متروك لشياطين الإنس والجن تلعب به كيفما تشاء، فتلك طبيعته، يتأثر ويتفاعل، كان على الفطرة حين خُلِق ثم المجتمع يسخّفه ويتفّهه ويؤدلجه بكل ما يريد، والقول بأن علينا احترام خياراته واعتبارها كلها مقبولةً لمجرد أنها له يساوي الأمر بأن نتركه يعيش ضائعاً فقط..
بل علينا أن نحيي تراث الأنبياء ومبدأ الدين النصيحة ونذكّر ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ولا نسكت عن الخطأ، بفقه وعلم وحكمة بلا شك، لكن لا نقول: “طالما أنه خياره، فلا بأس”، بل نعطيه الأدوات ونذكره بالخير ونعمل ما في وسعنا بحسب موقعنا، ثم إن ضلّ فذاك شأنه، والله وحده من يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم..
فتلك القيم التي تعليها الحداثة وما بعدها من الحرية والاختيار والاحترام والحب كمثُلٍ عليا كافيةٍ بذاتها تحتاج لأن تحتكم أولا وآخراً لوحي الله سبحانه الذي يعلو ولا يعلى عليه، فما كان في الوحي خيرٌ فهو الخير، وما كان فيه شراً فهو الشر، وليس الأمر بما يرفع البشر وما يخفضون، وما يجعلونه تابعاً لكل شخص وما يثبتون..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M