الهدية الرمضانية الثالثة إلى الجاحدين: الطب الوقائي في الدين؟

30 يونيو 2016 19:34
عن واقع نقل صلاة الجمعة تساؤلات واستفهامات؟؟؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الخميس 30 يونيو 2016

حاولنا في حديثنا السابق عن هديتين رمضانيتين إلى الجاحدين: الأهرام وفرعون موسى، إيصال فكرة ذات دلالة عميقة إلى القراء. خلاصتها أن الله عز وجل في كتابه المبين، لم يقدم من الحجج في كل الآيات سوى ما يدل على كماله المطلق. فلا مجال لنسبيته التي يهرف بها الجاحدون! مع الادعاء بأنهم مسلمون صادقون؟ وسوف نقوم بالكشف عن هذه الحقيقة في المقبل من المقالات. وذلك حتى لا نتهم بأننا فيما نكتبه مجرد متحاملين على خصوم افتراضيين؟

فقد أخبر الحق سبحانه قبل العلم الحديث والمعاصر، بأن الأهرام لم تبن بالصخور التي تم جلبها من الجبال البعيدة، وإنما بنيت بالطين مع استعمال قوالب خشبية ومقادير من الماء وبعض المواد الجيرية، والنيران الملتهبة؟ ثم أخبر سبحانه أن فرعون موسى غرق هو وجنوده في البحر، لكنه عز وجل أبقى على جثته ليكون عبرة لمن يعتبر؟ هذه الجثة التي قام الطبيب الفرنسي الذائع الصيت: موريس بوكاي، بتشريحها ليتأكد له أن علم الله مطلق حين يحدثنا سبحانه عن الماضي وعن الحاضر وعن المستقبل البعيد البعيد؟ فأسلم الرجل! وظل الجاحدون حيث هم يكيلون الاتهامات الزائفة للدين الذي نشأوا عليه؟

وماذا عن الهدية الرمضانية الثالثة الموجهة إلى هؤلاء الجاحدين العاملين على إنكار الحق الواضح البين؟

إن تحدثنا عن الطب الوقائي في الكتاب والسنة، فإنما نتحدث عن المحسوس المشهود بالعين، والملموس باليدين والرجلين وباقي الجسد. إننا إذن نريد هنا تشخيص الطهارة أو النظافة في الإسلام كممارسة تنويرية، نورانية يومية. لا كممارسة ضلالية ظلامية تشويهية!!!

فلنبتعد هنا عن النظري، ولنركز على التطبيقي أو العملي. لنقف على ما تعنيه الممارسة اليومية للطب الوقائي في ديننا الحنيف. ولنشر قبل ذلك إلى أن الصين الشعبية، دعت منذ سنوات -وأنفلوانزا الطيور تحصد الأرواح- إلى إحداث يوم في السنة، حددت له اسم “اليوم العالمي لغسل اليدين”؟؟؟

واستغرابنا هو أن تدعو دولة مثل الصين إلى ما تدعو إليه حتى لا يتم عن طريق اليدين نقل الميكروبات والجراثيم إلى الأبدان! والحال أن غسل اليدين ثلاث مرات قبل إدخالهما في الإناء، سنة فعلية مؤكدة، مع غياب الإتيان بها لا يصح الوضوء. يعني أن المسلم يغسل يديه ثلاث مرات عند كل وضوء. فيكون – وقد توضأ خمس مرات – قد غسلهما خمسة عشرة مرة! إنما لماذا يدخل غسل اليدين في الوضوء ثلاث مرات؟ هذا السؤال البسيط، أو لم يثر لدى الجاحدين الرغبة في معرفة الإجابة الواقعية عنه، مع ما تحمله من دلالات دعوية للراغبين في التوبة أوفي .المصالحة مع الله؟

إن الإجابة المتوقعة التي لا يدركها إلا من هو على بينة مما يعنيه الطب الوقائي في العصر الحاضر. نعني الحرص الشديد على تجنب الإصابة بأي مرض مزمن وغير مزمن. وهذا النوع من الطب الوقائي، نال في الإسلام أهمية قصوى. إذ لم يترك ديننا بابا يمكن للجراثيم التسرب منه إلى الجسم مفتوحا، دون أن يحكم إغلاقه. فقد حرم الأطعمة الملوثة التي تنفذ بالجراثيم في الفم. ودعا إلى النظافة والطهارة الدقيقة، لعلمه أن المانع الوحيد ضد تسرب الجراثيم من الخارج المحيط بنا هو الوقاية بمختلف الوسائل الممكنة. كما نبهنا ديننا إلى الجراثيم الخارجة من جسمنا – الغائط والبول – فألح على الاغتسال الدقيق منهما، والحذر الشديد من إذايتهما.

ويفهم الإنسان في الوقت الحاضر أكثر من ذي قبل، كيف أن “الجراثيم الموجودة في الهواء تلصق به في الأماكن العارية من جسمه: وجهه. رأسه. رجليه. وهي كذلك تتسرب مع تنفسه في أنفه وفمه، وتتعرض بعض الأعضاء أكثر من غيرها للتلوث كاليدين والرجلين اللذين يلمسان عدة أشياء. ومنها التراب الملوث، والبول والغائط. فأوجب الشارع غسلهما ثلاث مرات في كل وضوء – كما تقدم – أي خمسة عشرة مرة في اليوم -فضلا عن غسلهما قبل كل وجبة غذائية- أما الأنف الذي يحبس في شعره عدة جراثيم تتسرب فيه مع التنفس، فقد دعا إلى غسله بالاستنشاق والاستنثار، أي بإدخال الماء عدة مرات في الأنف، قصد غسل ذلك الشعر في حركات قوية لإزالة ما علق به من جراثيم. وغسل الفم بالمضمضة عدة مرات. وإزالة ما لصق بالأسنان من الجراثيم بواسطة احتكاك الأصابع بها”. فضلا عن كون رسول الله أوصى بالسواك لتنظيف الأسنان إلى حد أنه قال: “لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء”. ونذكر هنا أننا اطلعنا منذ ما يقرب من عقدين زمنيين على رسالة جامعية لطبيب سنغالي، موضوعها المقارنة بين عود الأرك المستعمل كسواك، وبين عجين الأسنان المشاع استعماله. فاتضح له بعد تجارب مخبرية أن فوائد السواك بعود الأرك، أنفع لتنظيف الأسنان من أي عجين صناعي!!!

ورغم “أن الغسل في الوضوء لا يترك أي مكان معرض للهواء إلا وينظفه، نلاحظ أنه لا يشمل غسل العينين مثلا، وداخل الأذنين والحلق” لماذا؟ لأن العين تغسل نفسها بواسطة ماء الدموع التي لا يشعر المرء بأنها تنزل ببطء شديد! والحال أن ماء العين يحتوي على مادة كيماوية تقتل الجراثيم؟ في حين أن الحاجز الأخير للأذن التي تتركب من ثلاث حواجز، يتمثل في السائل الذي يغطي الأذن الداخلية. وهذا السائل يحتوي كذلك على مادة قاتلة للجراثيم!!!

هذا عن الوضوء الذي هو ممارسة يومية للطب الوقائي بكل معاني هذا المفهوم الجديد. إنها – أي الممارسة – موضوع لن يناقشنا أي كان في وجاهته، مدعيا بأنها لا تمت إلى الطب الوقائي بأية صلة؟ فما عليه غير التسليم بواقع محسوس أوغل في التجربة والممارسة من أي كلام نظري تجريدي؟

وماذا عن نماذج أخرى للتدليل على أننا مدعوون إلى اتقاء الإصابة بأنواع مختلفة من الأمراض؟

إن الإسلام ألزمنا ” بغسل الجسد كله، من شعر الرأس وجلده إلى آخر أصبع في القدم، بعد كل جماع، أي مرتين في الأسبوع على الأقل”. دون إغفال غسل يوم الجمعة الذي هو سنة مؤكدة. والغسل كما هو بين “يضمن إزالة الدسم وغيره من الأوساخ التي تتجمع على الجلد. فتكون من جهة وسطا ملائما لتكاثر الجراثيم، كما تسبب من جهة أخرى في اختناق القنوات التنفسية للجلد، مما يؤثر على الوظيفة الأساسية له، وهي حبس الجراثيم (ومنعها) من التسرب إلى داخل الجسم”؟ فكيف إذن يتجرأ عتاة الجاحدين على وصف الدعاة للاحتكام إلى شرع الله بالظلاميين؟ فهل ما قدمناه بخصوص الطب الوقائي ضروري للتمتع بالجسم السليم أم لا؟ والحال أن المقولة السائرة تحضرنا هنا وهي “العقل السليم في الجسم السليم”!

بل نقدم إلى الجاحدين المزيد باختصار شديد، عن عناية ديننا بالطب الوقائي عناية مثيرة للانتباه حتى يتبين لهم “الخيط الأبيض من الخيط الأسود”:

ـ حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير، والمنخنقة، والموقودة، والمتردية، والنطيحة، وما افترسته السباع.

ـ حرم الله الخمر التي أثبتت التجارب المخبرية وحال السكران، خطرها على كل من الجسد والنفس كليهما، نقصد العقل هنا إضافة إلى تصرفات المدمنين على شربها داخل البيوت وخارجها، بصرف النظر عن الآثار السلبية التي تلحق أبناء السكارى إن في مراحل أولى من ولادتهم، وإن في مراحل لاحقة كما شاهدنا بأنفسنا هذه الحالات.

ـ حرم الله الزنا من منطلق ما ينتج عنه من أمراض غاية في الخطورة. فهل نتحدث عن مختلف الأمراض التناسلية ك”مرض الزهري”؟ أو ك”مرض السيلان”؟ أو ك”مرض القرحة الآكلة” لكونها تحفر حفرا في الأعضاء التناسلية الخارجية وتشوهها”.

ـ ثم حرم الله سبحانه لحم الخنزير لما يسببه -بالتجربة- تناول لحمه من أمراض، من بينها ما يعرف بـ”الروجي”. والجرثومة التي تسببه “لم يقع التعرف عليها إلا في عام 1882م، عندما اكتشفها الطبيبان: باستور و ثويلي. وهكذا يصاب به آكل لحم الخنزير، كما يصاب به الجزار ومربو الخنازير، وأطباء بيطريون. وخير وسيلة للوقاية منه ومن بقية الأمراض الناجمة عن أكل لحمه، تبقى هي تحريم أكله عملا بما ورد في الذكر الحكيم .

ـ قال الصادق المصدوق: “اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة -أي وسط- الطريق، والظل”؟؟؟

ـ ثم نبه ديننا إلى وجوب أن يكون ثوب المصلي ومكان صلاته نظيفين. كما نبه إلى أن يتصف بنفس الوصف كل من ماء الوضوء والغسل. وعليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه”.

ـ ولم تكن للطب الوقائي في الإسلام أية فائدة مرجوة، إن لم ينعكس على أخلاق من يمارسونه صباح مساء؟؟؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M