تسليع المرأة في زمن الرأسمالية المتوحشة: في زيف الشعار النسوي

06 يوليو 2020 14:14
السيرة النبوية على ضوء شرطنا التاريخي.. قراءة في كتاب “متطوع مكة”

هوية بريس – محمد زاوي

1-المرأة في مجتمعات الجنوب

أين نجد المرأة في مجتمعات الجنوب؟

إننا نجدها: ربة في البيت، عاملة في المصنع، موظفة في الإدارة، مشردة في الشارع، خادمة في البيوت… إلى غير ذلك من المجالات التي تستغلّ فيها المرأة. إننا نجدها مستغَلة في:

– البيت، تثير شفقة زوجها ذي العقلية الذكورية البطريكية.

– مصنع المستثمر، مغربيا كان أو أجنبيا، تنتج فائض القيمة.

– الإدارة والبيت معا، حيث يُفرض عليها ما لم يفرضه عليها عدل دين ولا عدل عقل، ويُستغَل ضعفها كلما كانت الفرصة سانحة.

– الشارع، بعدما اعتدي عليها وطرِدت من بيت أهلها ورفض المجتمع إيواءها.

– بيوت مشغليها، حيث تحرَم من أبسط حقوقها وأنشطتها الإبداعية.

… إلخ.

هل تعيش المرأة هذا الواقع المرير لوحدها دون غيرها؟

هل هي مشاكل خاصة بالمرأة وحدها دون الرجل؟

حقيقة، إن للمرأة مميزات خاصة بها، ولكنها لا تخرج في أزمتها عن الأزمة العامة التي تعيشها: دول الجنوب من جهة، والطبقات الدنيا من جهة أخرى. التفاوت بين الشمال والجنوب، ثم بين طبقة وأخرى، هو سبب مشاكل كل من الرجل والمرأة على حد سواء. وبالتالي، فلا يمكن حل مشاكل المرأة دون حل مشاكل شريكها الرجل، فمعركتهما مع الرأسمالية المتوحشة هي نفس المعركة.

2-المرأة في خدمة الرأسمالية المتوحشة

لم تعد المرأة عاملة في مصنع أو مزرعة أو بنك أو شركات ومحلات خدماتية فحسب، بل إنها أصبحت عاملة إشهار وجنس أيضا. تسوِّق في النموذج الأول لسلعة ذات قيمة تفوح برائحة الاستغلال، فتصبح بذلك وسيلة من وسائل تسليع العالم. وتسوِّق في النموذج الثاني لثقافة الدعارة والجنس الغابوي، فتصبح وسيلة من وسائل تصدير أزمات الشمال إلى الجنوب. وفي الحالتين معا، تكون المرأة مجرد سلعة من نوع آخر، تباع وتشترى في شركات الإشهار والدعارة.

قد تكون للمرأة قيمة استهلاكية مبتذلة في بعض المجتمعات، ولكنها أصبحت أيضا ذات قيمة تبادلية بين يدي رأسماليي شركات الإشهار والدعارة. وبذلك، تكون المرأة قد تحولت إلى سلعة تتَداول في سوق الإشهار والدعارة، بعدما اضطرت إلى بيع قوة عملها الإشهارية أو الجنسية للرأسمالي مالك وسائل الإنتاج.

لقد أصبحت المرأة إذن، موضوع استغلال، ووسيلة استغلال أيضا. فهي تستغَل كعاملة إشهارية أو جنسية من جهة، وتستعمل في تنفيذ سياسة التفكيك وتصدير أزمات الشمال إلى الجنوب من جهة أخرى.

3-الحركة النسوية (1) وفساد الشعارات

خارج هذا السرب الذي حددناه، تغرد الحركة النسوية في العالم. وعوض أن يكون المطلب هو تحرير المرأة من الاستغلال الرأسمالي، رفقة شريكها الرجل… عوض ذلك، تكون المطالب هي:

– حرية المرأة في جسدها، ليتم استغلالها في شركات الإشهار والدعارة.

– حرية المرأة في العمل خارج البيت، لتصبح مستغَلة تنتج فائض القيمة للرأسمالي.

– حرية المرأة في مالها، حيث تتراكم الثروات والملكيات في يد الرأسمالي، فيما تتصارع الطبقات الدنيا على الفتات.

– الحق في المشاركة السياسية والنقابية (2)، حيث تكون مشاركتها مجرد قناع يراد له أن يؤكد “حداثة وتنمية” زائفتين في المجتمعات الرأسمالية والأخرى التابعة لها.

… إلخ.

قد تكون بعض هذه المطالب متفهَّمة في شرط غربي رأسمالي، ولو أنها عموما لا تعكس إلا رغبة الرأسمالي في تضبيب وتزييف الوعي بالتناقض القائم اليوم بين الرأسمالية المتوحشة ونقيضها. إلا أن هذه المطالب مستغربة في سياقنا العربي (الجنوبي عموما)، وليست إلا شعارات ل: تزييف الوعي بالاستعمار، والإجهاز على ما تراكم من مكتسبات سياسية، وتفكيك الأسرة… إلخ. والأولى أن تكون مطالب حركتنا النسوية كالآتي:

– تحرير جسد المرأة من الاستغلال الإشهاري والجنسي، وتخليصها لأسرتها (قيم الأمومة) في عالم تُفكَّك فيه الأسر بغرض “تقليل الأفواه”.

– تحرير المرأة من الاستغلال الرأسمالي، إظهارا لطاقاتها الإبداعية، وتطهيرا لحسها من أكدار الرأسمالية المتوحشة.

– تحرير المرأة من ملكية مالكي وسائل الإنتاج الرأسمالي حتى لا تبقى: مجرد وسيلة من وسائل إنتاجهم، وسلعة من السلع المعروضة في سوق الرأسمالية المتوحشة.

– تحرير المرأة من أدلوجة النظام الرأسمالي، حيث يتم نقل الصراع من صراع بين الرأسمالية ونقيضها إلى صراع بين المرأة والرجل.

… إلخ.

ولن يتم كل هذا إلا بتحرير المرأة من النظام الاجتماعي الرأسمالي، هذا النظام الذي لا تبخل الحركات النسوية جهدا لتزييف الوعي باستغلاله وأزماته. ولن يتم في دول الجنوب إلا بتحرير المرأة من الشعارات التي يخلقها الاستعمار الجديد، بغرض إلحاقنا وتصدير أزماته إلينا.

الهوامش:

(1): الحركة النسوية كحركة تحررية جديدة، هي في نظر عبد الوهاب المسيري، حركة ذات “مرجعية نهائية كامنة” تناقض كل حركة ذات “مرجعية نهائية متجاوزة”، حركة مادية موغلة في المادية، قضت على إنسانية المرأة. فإذا كانت المرجعية الإنسانية تهتم بإبداع المرأة وإتقانها لعملها وراحتها ولو في بيتها، فإن المرجعية المادية لا تهتم إلا بالإنتاج والربح ومراكمة الثروة ودفع المرأة إلى العمل لتستنزف مع العمال في المصانع (راجع “الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان” و”حركة التمركز حول الأنثى”، عبد الوهاب المسيري). الصراع ليس إيديولوجيا فحسب، فقبل الفلسفة والإيديولوجيا، هناك النظام الاجتماعي الرأسمالي المتوحش الذي لن ينتهي بالقول الفلسفي، وإنما بالوعي باستغلاله والممارسة العملية بناء على تناقضاته الداخلية. لا يهتم المسيري بهذا النقاش الأخير، ولذلك فهو بقدر ما يوفر أدلوجة قد تكون ناجعة في مواجهة الخطاب النسوي، فإنه لا يمَكّننا من الأدوات التفسيرية لتحرير أنفسنا، بل إنه يعاديها ويزيف الوعي باعتمادها كثيرا.

(2): لقد دافع مفكرو الحركة الإسلامية عن “أمومة المرأة” (محمد قطب ومحمد المبارك كنموذجين)، وذلك مما لا ينكره لهم أحد. ولكنهم عوض أن يفسروا “الخطاب النسوي الحداثوي” ببناه التحتية (العلاقات الإنتاجية الرأسمالية في مرحلة متأخرة من مراحلها، حيث التوحش والاحتضار وتصدير الأزمات)، وجدوا أنفسهم مستلبين لإشكاليات يفرضها عليهم “التيار الحداثوي”، فكثر “تأصيلهم” (تبريرهم الشرعي) لجواز المشاركة السياسية والنقابية للمرأة معتبرين منعها من ترسبات التاريخ لا من صميم الحكم الشرعي (حسن الترابي ومحمد راشد الغنوشي وسعد الدين العثماني كنماذج)، وكأن هذه هي إشكالية الإشكاليات في الوطن العربي. لقد كان الحاكم في كل ذلك هو الرغبة في تأسيس قطاع نسائي إسلامي، ضدا على من يصف الحركة الإسلامية بالرجعية. فتوقفت قضية المرأة عند هذا الحدّ، وبقيت كل المجهودات التنظيرية المتأخرة قاصرة لا تفي بالغرض وليست في مستوى ما يراد لنا تفكيك وتجزئة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M