استراتيجية الإسلام (31).. الأسرة- في الفطرة

28 مايو 2024 13:00

هوية بريس- محمد زاوي

7-الأسرة

-في الفطرة

بهذا يحفظ الإسلام الأسرة فروعا وأصولا وقرابات، ثم الأقرب فالأقرب منها، حسب الاستطاعة وحسب حال الأصناف المذكورة. وذلك بعد أن يحفظها في جوهرها الإنساني، وهو المبدأ الذي تقوم عليه العلاقة بين الزوجين، أي مبدأ الزوجية الذي جعله الله أصلا أصيلا في الطبيعة والنفس والمجتمع. فمنه كان الزواج لفظا ومعنى، وبه تتحقق التنمية في شتى مناحي الحياة. أما محاولات التوليف الأخرى بين جنسين من نفس النوع، فلا هي تحفظ الطبيعة (“فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله”)، ولا هي تنمي السكان والإنتاج بل تضر به (“إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط”/ الترمذي).

ولما كان الشذوذ الجنسي انحارفا عن الطبيعة انحرافا بينا وواضحا، فقد كان فيه العقاب الدنيوي والجزاء القانوني والعاقبة في الآخرة. وعندما نتحدث عن الانحراف، بمعنى الانحراف عن الطبيعة (“الفطرة”)، فإننا نكون بصدد واقع لا طبيعي، مستحضرين كافة أنواع التأخر التي تعرفها الطبيعة في علاقتها بالتاريخ (ونحن نعرف تقسيمات بعض المتكلمين: غير الحي، الحي غير العاقل، الحي العاقل). إن الشذوذ مبعث للإدانة لا في الحياة العاقلة فحسب، بل في سابقتها غير العاقلة أيضا؛ بلغة معاصرة: إنه مدان في الطبيعة قبل أن يكون مدانا في التاريخ. فجاء فيه ما جاء من العقاب الدنيوي (“فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود”/ سورة هود، الآية 82)، ومن الجزاء القانوني (حد اللواط بشروطه المتعلقة بالفعل والفاعل)، ومن العاقبة في الآخرة (“أتأتون الذكران من العالمين، وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون”/ سورة الشعراء، الآيتان 165 و166).

أما “الفطرة” فهي الطبيعة كما خلقها الله وأودعها في كل مخلوقاته من أدق عنصر كمومي إلى أكبر نظام كوسمولوجي؛ فهي ذلك النسق الجوهري الرابط بين كل العناصر والمخلوقات. وإن الشذوذ الجنسي، لواطا كان أو سحاقا أو إتيانا للحيوان والأشياء، لَيُعد استهدافا للفطرة بشكل مباشر، وهو غير استهدافها باستهداف الحائل بينها وبين فساد الخلق، أي المنهج. الشذوذ تهديد مباشر للفطرة، كما أن الانحراف عن المنهج تهديد غير مباشر لها (سنشرح هذا التهديد الثاني أسفله). ولا أدل على هذا الخطر دليلين:

*دليل في النص: بتعدد مواضع قصة النبي لوط عليه السلام مع قومه السدوميين، الذين كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء. وهي في القرآن عشرة مواضع عموما، في “الأعراف” و”هود” و”الحجر” و”الأنبياء” و”الشعراء” و”النمل” و”العنكبوت” و”الصافات” و”القمر” و”التحريم”. إن القرآن بهذا الذكر الخالد المتعدد، بتنوع بلاغته وسياقه وأسلوب عرضه والترهيب بعقابه وصيغ تحريمه، ليؤكد على خطورة الظاهرة، وهو ما لم يحدث مع الزنا التي هي خروج عن المنهج (الزواج الشرعي). هذا البعد العقدي الإيديولوجي في الإسلام يمنح المسلمين مفتاحا للمساهمة الحضارية في إنقاذ الإنسان من فوضى جنسية تراد له رأسماليا وإمبرياليا.

*دليل في المآل: بالشذوذ إذا انتشر وساد تهلك البشرية، تتراجع ديمغرافيا واقتصاديا واجتماعيا، فضلا عن تراجعها الأخلاقي والقيمي والحضاري. إن العقاب الدنيوي لقوم لوط لا يخلو من دلالة، فإذا فسدت الفطرة وجب الفناء. وكأن القوم حضارة، وكان القلب (جعل عاليها سافلها) والإهلاك إعادة إنتاج لشروط البقاء بعد أن استعصى حفظ البقاء القائم. لقد أطلع القرآن المسلمين على مآلٍ ما هم بشاهديه، وقليل من يعتبر! يلقي القرآن الأمانة على عاتقهم، فاستراتيجية الإسلام تحفظ الفطرة وتدفع عنها المفاسد، حفظا مباشرا بحفظ البقاء، أو حفظا غير مباشر بحفظ منهج العيش.

(…) يتبع

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M