حدودٌ معرفيةٌ لوثيقة “العدل والإحسان”

12 فبراير 2024 10:47
الوثيقة السياسية

هوية بريس- محمد زاوي

“وثيقة” جماعة “العدل والإحسان”، بشهادة عدد من الملاحظين والمتابعين، خطوة متقدمة في طريق انفتاح الجماعة ومشاركتها في واقع سياسي يبدو أنه في حاجة إلى فاعل سياسي جديد؛ إلا أنها تبقى محدودة ببعض الحدود التي يمكن إجمالها في ما يلي:

-حدود النص المؤسِّس (حدود وعي الإيديولوجيا): فهذا النص مهما كتِب بصيغة شمولية محكوم بسياقه التاريخي وحدود صاحبه في الوعي. ولذلك فاعتباره مرجعا لكل صغيرة وكبيرة قد يؤدي إلى نوع من الحرج الذي تكون فيه الجماعة مطالبة بتقديم تبريرات تثبت من خلالها موافقة تصور “الوثيقة السياسية” ومقترحاتها لمنهج الإمام المؤسس في “التصور والحكم”. الإمام مصلِح شمولي، يقدم خارطة طريق للفرد المسلم، يوجه الجماعة المسلمة أخلاقيا وعقديا، يرى السياسة بعين صاحب اليقين. تستمد منه الجماعة تماسكها العقدي والأخلاقي أكثر مما تستمد منه نظريتها السياسية. السؤال هنا: كيف السبيل لتوفيق الجماعة بين ضرورة في السياسة وروح في الاجتماع والحركة؟!

-حدود المنهج (حدود وعي الوعي): وهنا يُطرَح على الجماعة سؤال: إلى أي حد استطاعت التخلص من الطريقة التي يتصور بها الإسلاميون الظواهر؟! وحتى بعد أن تكون الجماعة قد أجابت على هذا السؤال يتجاوز “الحيز المثالي” إلى “الحيز الواقعي”، فإننا نطرح عليها أسئلة أخرى: بأي منهج تفهم الواقع الذي تتحرك فيه؟! هل لها مراجعات في المناهج الوضعانية واللاتاريخية التي تسود أكاديميا في عالم اليوم؟! وإلى أي حدّ استطاعت النخبة الأكاديمية للجماعة الخروج من “البنية المنهجية” التي تحول بين الباحثين و”التحليل الملموس للواقع الملموس”؟! في نظرنا، غياب هذه المراجعة المنهجية لدى نخبة “العدل والإحسان” لن تأتي بجديد مقارنة بما هو موجود، والذي يعاني لا من ضعف ممارسته فحسب، بل من زيف النظرية قبل كل ذلك. الجماعة مطالبة بالبديل، والبديل لا يكون كذلك على وجه الحقيقة إلا بتعميق النظر وإنضاج بديل نظري قادر على استيعاب الضرورة في المجتمع المغربي والخصوصية في دولته.

-حدود العلم (حدود وعي الضرورة): الاقتراح في أي مجال من المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، والمجتمعية؛ يطلب أرضية علمية متماسكة تبني على دراسات في: السيكولوجيا، والأنثروبولوجيا، واللسانيات، والتاريخ، والسوسيولوجيا، والعلوم السياسية، والعلاقات الدولية، والجغرافيا السياسية، والاقتصاد السياسي.. وغيرها من العلوم الضرورية لفهم الواقع واستشراف مآلاته وبحث حلوله. الملاحظ من خلال مقترحات الوثيقة أنها تتحرر من الضرورة في كثير منها، تدعو إلى سياسات وقرارات وترسم توجهات واختيارات بعينها، في حين أن الضرورة إما تؤجلها وإما تفرض عليها قاعدة التدرج، وإما تحكم باستحالتها في الشرط المغربي. السبيل الوحيد لوعي الضرورة هو العلوم والحقول العلمية المذكورة أعلاه؛ فإلى أي حد استطاعت “مراكز” الجماعة استيعاب هذه العلوم في بحوثها ودراساتها؟!

-حدود النظرية السياسية (حدود وعي الدولة): الدولة “جهاز وإيديولوجي” من حيث الشكل السياسي والإداري؛ لكنها من حيث المضمون، تركيب بين معامِلات تاريخية واجتماعية وثقافية أعمق. يلاحظ من خلال الوثيقة أن الجماعة في رؤيتها السياسية لم تعِر هذا الجانب اهتماما معتبرا، بل صدرت عن وجهة نظر ليبرالية في مجملها، وتفاصيلها أيضا. فبدا وكأن الدائرة السياسية للجماعة تستصحب نقاشا دستوريا وسياسيا هو وليد التجربة السياسية الغربية، لتجربة سياسية ذات خصوصية يمكن الرجوع إليها في بعض كتب الفقه الدستوري المغربي ككتاب “النظام السياسي الدستوري المغربي” لمحمد معتصم. تصور الجماعة في السياسة والدستورانية ليس جديدا إذن، بل تبنّته تيارات ليبرالية ويسارية وقبل سقوط جدار برلين، ثم أعادت “الإمبريالية الجديدة” إنتاجه لضبط عالم الأحادية القطبية. وبهذا يقاس مدى تجديد الجماعة في السياسة بالإجابة على سؤال: ما مدى انعتاقها من التصورات الليبرالي والعولمية في النظرية السياسية؟!

هذه حدود في الوعي ليست منفصلة عن حدود أخرى في الواقع.. ودور الوعي السديد أن يعي حدود الواقع، فبذلك يستطيع تجاوز حدود الوعي ذاته، ثم يعزز عملية الوعي بالواقع بالتبع، وهكذا دواليك في “دورة معرفية” تسدد الوعي بالواقع، وهذا بذاك.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M